اتفق ممثلون عن طرفي الأزمة الليبية وهما المؤتمر الوطني الليبي العام (الهيئة التشريعية للسلطات الحاكمة في طرابلس)، وبرلمان طبرق الذي يعتبر البرلمان المعترف به على الصعيد الدولي، على إعلان مبادئ واتفاق وطني لحل الأزمة الليبية، وذلك عن طريق العودة والاحتكام إلى الشرعية الدستورية المتمثلة في الدستور الليبي السابق، مع اعتباره الخيار الأمثل لحل مشكلة السلطة التشريعية في البلاد، وتهيئة المناخ العام لإجراء انتخابات تشريعية في مدة أقصاها سنتين، بحسب ما صدر من بيانات للإعلام.
كذلك اتفق الطرفان على تشكيل لجنة من عشرة أعضاء من الجانبين؛ خمسة منهم أعضاء بمجلس النواب “برلمان طبرق”، وخمسة آخرين من أعضاء المؤتمر الوطني العام، وذلك من أجل العمل على المساعدة في تسمية رئيس حكومة توافق وطني ونائبين له، خلال الأسبوعين القادمين.
هذا بالإضافة إلى لجنة أخرى تُشكل من الطرفين بنفس الطريقة لتنقيح الدستور القديم بما يتفق مع طبيعة الوضع الراهن، على أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ عقب تصديق الهيئتين الليبيتين بشكل رسمي على كافة بنوده، بعد أن وقع ممثلون عنهم الإعلان المبدئي.
هذا الاتفاق الليبي – الليبي تم في ضاحية “قمرت” بالعاصمة التونسية، وهي المرة الأولى التي يجتمع فيها الفرقاء الليبيون دون وساطة دولية، وقد أنتج هذا اللقاء اتفاق على مبادئ حل سياسي للأزمة في ليبيا، فيما عبر الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي عن دعمه لهذا الاتفاق المبدئي الذي توصل إليه فرقاء ليبيا.
وأكد السبسي، خلال استقباله وفديْن يُمثلان المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب في ليبيا، دعمه للاتفاق، في إطار “المساعدة في تقريب وجهات النظر والتوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة ليبيا وسلامتها الترابية”، وفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية التونسية مساء أمس الأحد عقب الإعلان عن هذا الاتفاق المبدئي.
وأوضح البيان أن تونس “تُرحب بكل خطوة تُساعد على إنهاء حالة الانقسام في ليبيا، وتمكين هذا البلد الشقيق من استرجاع وحدته وسيادته وضمان أسباب الأمن والاستقرار على أراضيه”، مشددًا على “أهمية الالتزام بالاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه برعاية الأمم المتحدة”.
أما من جانب الأمم المتحدة فقد أكدت بعثتها في ليبيا التي يقودها مؤخرًا الألماني “مارتن كوبلر” خلفًا لبرناردينو ليون المبعوث الأممي السابق، أن الاتفاق الذي ترعاه البعثة يبقى الخيار الأمثل لحل النزاع، بالرغم من رفض الطرفين التوقيع عليه بسبب الخلاف على تفاصيله.
وكان المؤتمر الوطني الليبي قد وجه اتهامات الانحياز إلى الرئيس السابق للبعثة، الإسباني برناردينو ليون، بعد تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، أكد على وجود رسائل إلكترونية بين دولة الإمارات المعروفة بدعمها لبرلمان طبرق وبين ليون، لعرض وظيفة عليه داخل الإمارات براتب يصل إلى 1000 جنيه إسترليني في اليوم الواحد.
وهو ما أثار شبهات حول حيادية ليون الذي أظهرت الرسائل الإلكترونيه بينه وبين دولة الإمارات تجاوبه مع العرض، بل ومناقشته لتفاصيل عمله في ليبيا مع أحد الأطراف الداعمة لبرلمان طبرق وما يسمى بعملية “الكرامة” أحد أطراف النزاع الليبي، حيث تحدث ليون عن خطة لنزع الشرعية عن المؤتمر الوطني الليبي الطرف الآخر في النزاع عن طريق كسر التحالف بين تجار مصراته وأعضاء المؤتمر الوطني العام، وهو ما يؤكد أن الوسيط الأممي كان يفتقد لأقل درجات النزاهة والأمانة، وهو سبب كافٍ لفشل مساعي الأمم المتحدة في ليبيا طوال الفترة القادمة، بالإضافة إلى الخلافات الداخلية عند المعسكرين في طبرق وطرابلس.
ومما يؤكد هذه الفرضية أن الطرفين حينما اجتمعا دون هذه الوساطة في لقاءات سرية أفضت في النهاية إلى خروج مثل هذا الاتفاق إلى العلن، وتشير مصادر داخل برلمان طبرق إلى أن هناك احتمالية كبرى في التصديق على الاتفاق الأخير، بسبب تأييد عدد كبير من أعضاء الهيئة للعودة إلى الدستور الملكي.
كما أن هناك دلالة إلى أن هذا الاتفاق أفضل من سابقه بالرعاية الأممية، وهي مجئ الإعلان عنه بعد ساعات قليلة من لقاء المبعوث الأممي الجديد مع رئيس برلمان طبرق، هذا اللقاء الذي أكد فيه الأخير أن ثمة جهودًا ليبية تُبذل للتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة من دون تدخل خارجي.
الجميع ينتظر التصديق النهائي من قِبل الهيئات المتنازعة في ليبيا التي تتقاسم السلطة في البلاد عمليًا، لكن التأثير الخارجي على الطرفين سيكون الحاسم ربما في إمكانية تمرير هذا الاتفاق من عدمه، فمصر أحد الداعمين لطرف هيئة برلمان طبرق وذراعها العسكري خليفة حفتر أعلنت تحفظها على هذا الاتفاق، مؤكدة ضرورة التمسك بالمسار الأممي لحل الأزمة.
هذا المسار الذي ثبت فشله طوال عام لا تزال الدول المتدخلة في الأزمة كمصر والإمارات متمسكة به وهو ما يعني بقاء الوضع كما هو عليه، وفي حال تجاوزت هيئة برلمان طبرق الضغط الخارجي لرفض الاتفاق، فإنه من المتوقع قريبًا أن يرى هذا الاتفاق النور رسميًا، إذا ما تخطى هذه العقبة الخارجية.
تبقى عقبة أخرى داخلية لدى أطراف الصراع وهي موجودة لدى طرف طبرق أكثر من وجودها في طرف المؤتمر الوطني الليبي العام، حيث إن الخلافات الداخلية قد تعصف بجهود هذه اللقاءات؛ إذ إن الطرف العسكري لدى برلمان طبرق اللواء المتقاعد خليفة حفتر يميل إلى التصعيد والمواجهة العسكرية مدعومًا من دول خارجية، ولديه رؤى متباينة مع الجناح السياسي الممثل في أعضاء برلمان طبرق المنحل بحكم المحكمة الدستورية، وإذا تغلبت هذه الرؤية العسكرية على الجناح السياسي فإنه من المعتقد أن تفشل هذه الخطوة على طريق اجتماع الفرقاء في ليبيا.
ومن جانب آخر قد يقبل الغرب بهذه الطريقة لحل الأزمة الليبية في وقت أقصر، خاصة وأن هناك محاولات إيطالية للدخول على خط الوساطة في الأزمة الليبية، للتعجيل بتسوية سياسية بين الفصائل المتنافسة هناك، مدفوعة في ذلك بهاجس محاربة تنظيم الدولة في ليبيا.