استطاع حزب اليمين المتطرف في فرنسا “الجبهة الوطنية” تحقيق نجاح كبير في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية الفرنسية التي جرت أمس الأحد، فيما رآه مراقبون رد فعل سريع من الفرنسيين على الهجمات التي ضربت باريس في وقت مبكر من الشهر الماضي.
فقد حقّق الحزب اليميني المتطرف تقدما قياسيا على الأحزاب التقليدية بأكثر من 28% وفقا لتقديرات وزارة الداخلية الفرنسية.
في حين أعلن الحزب الاشتراكي الحاكم في فرنسا الأحد انسحابه من منطقتين رئيسيتين على الأقل بالدورة الثانية من انتخابات المناطق المقررة يوم 13 ديسمبر الحالي بهدف تشكيل “سد جمهوري” لمنع اليمين المتطرف من الفوز بها.
وحلّ حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بالطليعة في ست مناطق على الأقل من أصل 13 بالدورة الأولى من انتخابات المناطق، جامعا نسبة أصوات قياسية تتراوح بين 27.2 و30.8%، طبقا لتقديرات أولية نشرتها استطلاعات للرأي.
وقد وصفت زعيمة الحزب مارين لوبان هذه النتائج بأنها “رائعة” مضيفة أن حزبها أثبت أنه الأول في البلاد. وتابعت لوبان قائلة إن الجبهة الوطنية هو الحزب الوحيد القادر على إعادة السيطرة على المناطق التي “فقدتها الجمهورية الفرنسية، سواء كان ذلك في كاليه، أو حتى في الضواحي.”
ما تصفه لوبان بأنها أراض فقدتها الجمهورية هي في الواقع مدينة كاليه على القناة الإنجليزية التي تفصل فرنسا عن بريطانيا، والتي تشهد الآن وجود أكثر من 4000 لاجئ في انتظار السماح لهم بالوصول إلى بريطانيا، وكذلك ضواحي المدن الفرنسية الكبرى والتي يعيش فيها عدد كبير من المسلمين.
وقالت لوبان بعد الإدلاء بصوتها “ما زلنا في الدورة الأولى، لكن يحدونا الأمل في أن نحقق أكبر تقدم ممكن حتى تكون قوة الدفع قوية قدر المستطاع” مضيفة أن الناخبين يثقون بحزبها لأنهم شاهدوه وهو يعمل، وفق قولها.
وقد شارك في هذه الانتخابات حوالي 50٪ من الناخبين الفرنسيين، وهي نسبة أعلى قليلا من النسبة التي شاركت في انتخابات 2010.
وكانت مارين لوبان قد استفادت وحزبها من هجمات باريس والتي وقعت قبل أقل من شهر، حيث استثمر الحزب الغضب الذي عم فرنسا، إذ أطلق قادته تصريحات شديدة التطرف متعلقة بالمسلمين واللاجئين والمهاجرين بشكل عام.
فقد قالت لوبان في معرض تعليقها على مقتل 130 شخصا في هجمات باريس أن “الحكومة هي المسؤولة عن ذلك بسبب بطئها في التحرك، والكذب، وسياساتها المجنونة تجاه اللاجئين”.
وبعد أن ربطت لوبان في كلمتها أمام حشد كبير بين هجمات شارلي إيبدو وفشل الحكومة الفرنسية والرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند في التعامل مع التهديدات التي تواجهها فرنسا، بدأت الجموع أمامها في طرق الأرض بأقدامهم بحدة والهتاف “ليستقيل هولاند!”
الحزب الذي تأسس عام 1972 على يد السياسي الفرنسي جان ماري لوبان، كان قد عُرف بسياساته العنصرية التي تعتمد على خطاب شعبوي موجه للطبقة الوسطى الفرنسية، ورغم أن المراقبين يشيرون إلى أن مارين لوبان، ابنة الزعيم المؤسس والزعيمة الحالية للحزب، قد قامت بالتخفيف من حدة الخطاب العنصري الذي تبناه الحزب لفترة طويلة، بيد أن موقف الحزب ومنتسبيه من الإسلام والهجرة يظل ثابتا.
وبما أنه، ومنذ أحداث باريس، احتل الحديث عن هذين الموضوعين تحديدا: الإسلام والمهاجرون، المجال العام الفرنسي، فقد استفادت لوبان بشكل مباشر وشخصي.
صرحت لوبان بتصريحات مستفزة للمسلمين، إلا أنها ضمنت قلوب كثير من الفرنسيين حتى لو لم تضمن عقولهم، مثل الحديث عن تشديد الإجراءات الأمنية، وغلق الحدود، ونشر قوات شرطية أكثر وحتى نزع الجنسية عن “الإرهابيين” الذين وُلدوا في فرنسا، وهو ما جعل منها بطلا في أعين الكثيرين.
ورغم أن أكثر من نصف الفرنسيين أجابوا على استفتاء حول ما إذا كانت هجمات باريس قد أثرت في موقفهم من الانتخابات بالسلب، يبقى حزب الجبهة الوطنية مدعوما بقاعدة كبيرة ومدفوعة بشدة للتصويت، على عكس بقية الفرنسيين الذين قد ترتفع بينهم نسبة عدم المشاركة في التصويت.
المسلمون ليسوا وحدهم المتضررين من صعود الجبهة الوطنية، فتصريحات مارين لوبان كانت قد أثارت سابقا غضب اليهود الفرنسيين والأوروبيين باعتبارها ما حدث في الهولوكوست مجرد “تفصيلة تاريخية”
الجيل الثالث من عائلة لوبان بدأ في الظهور مع صعود نجم حفيدة مؤسس الحزب، ماريون ماريشال لوبان، والتي تبلغ من العمر 25 عاما فقط، إلا أنها تحتفظ بحدة عائلتها وربما عنصرية جدها. ففي واحد من أولى تصريحاتها قالت ماريون إن “فرنسا ليست دولة مسلمة، ولن تكون دولة مسلمة” في إجابة على سؤال غير مطروح للنقاش العام بالأساس.
ماريون تخوض الانتخابات المحلية في إحدى مقاطعات جنوب فرنسا، في الوقت الذي تخوض فيه خالتها مارين لوبان معركتها في مقاطعة شمالية.
وفي عمر الـ22 استطاعت ماريون أن تصبح أصغر عضو في البرلمان الفرنسي في تاريخ الجمهورية، عندما فازت بالانتخابات في دائرة فوكلوز جنوبي فرنسا.
ونشأت ماريون التي وُلدت عام 1989 في رعاية خالتها مارين ووالدتها التي تزوجت لاحقا من صامويل ماريشال، والذي أعطى اسمه لماريون. لاحقا تم الإعلان عن والد ماريون والذي كان الصحفي الراحل والدبلوماسي روجر أوكو، والذي قابلته ماريون للمرة الأولى عام 2002، عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها.
وخاضت ماريون الانتخابات المحلية عام 2010 إلا أنها فشلت في الحصول على مقعد في المجالس البلدية.
وستحدد الجولة الثانية من هذه الانتخابات النتيجة النهائية. ومن المهم القول في هذا الصدد أن حزب الجبهة الوطنية في آخر عدة انتخابات كان قد حقق نتائج مرتفعة في الجولات الأولى، في حين لم يحافظ على أرقامه مع الجولة الثانية حيث عادة ما يتحالف المنافسون لمنع اليمين المتطرف من الفوز.
لكن لا يبدو أن هذا الأمر سيتحقق في هذه الانتخابات، إذ سارع زعيم المعارضة اليمينية الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى رفض أي تحالف مع اليسار لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف، ما قد يزيد من فرص حزب الجبهة الوطنية في تعزيز نتائجه بالدورة الثانية.
ورفض ساركوزي أي “اندماج” مع الاشتراكيين وأي “سحب” للوائح حزبه (الجمهوريين) الذي قال إنه يمثل “البديل الوحيد الممكن” بالمناطق التي قد يفوز فيها حزب الجبهة الوطنية.
وجاء حزب الجمهوريين المحافظ الذي ينتمي له ساركوزي بالمركز الثاني في الجولة الأولى للانتخابات المحلية، بعد الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، لكنه تفوق على الحزب الاشتراكي.
جدير بالذكر أن حزب الجبهة الوطنية كان قد أحرز مفاجأة بحصوله على أكثر من 25٪ من الأصوات في انتخابات فرنسا للبرلمان الأوروبي، ما أهله للحصول على 23 مقعدا في برلمان بروكسل.
وكان الحزب قد أحرز المركز الثالث في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2010، وكذلك حل ثالثا في الانتخابات التشريعية الفرنسية عام 2012.
الخطورة الحقيقية بالنسبة لمسلمي فرنسا تكمن في تحول الخطاب الذي يقدمه اليمين المتطرف الفرنسي، وعائلة لوبان على وجه التحديد، لخطاب يتبناه الرأي العام، وإذا ما حدث ما يخشاه الأوروبيون وتكررت هجمات إرهابية يُعلن متطرفون مسلمون مسؤوليتهم عنها، فإنه من المؤكد أن صعود اليمين والخطاب المعادي للمسلمين سيكون هو النبوءة ذاتية التحقق التي لن تقف تبعاتها عند الحدود الفرنسية، حتى وإن كان اليمين المتطرف هو الذي يريد مراقبة تلك الحدود.