من المهم جدًا لمعرفة حقيقة ما يحدث على الأرض من نتائج أن نرجع إلى الوراء خطوات قليلة؛ لنعلم كيف وصل الوضع إلى ما هو عليه الآن، في تحقيقنا عن مناهج تنظيم الدولة الإسلامية علينا في البداية وقبل الشروع في سرد ما يوجد في تلك المناهج وحقيقة تدريسها، والمدارس التي تقدم هذه المناهج وأماكن تواجدها، كان علينا أن نطرح المحور الأول.
رحلة إعداد مناهج تنظيم الدولة
قبل تاريخ 10 يونيو 2014، تاريخ سيطرة تنظيم الدولة على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق من ناحية عدد السكان والمساحة الجغرافية، لم يكن أحد يتكلم عن إعداد مناهج خاصة بالطلاب ولم يكن أحد يتوقع أن تُطرح مناهج للمراحل الدراسية توافق فكر وطرح التنظيم الأيديولوجي، فكل ما كان موجودًا هو عبارة عن تعليمات تُطرح تحت توقيع ديوان التعليم توزع في الرقة وبعض المدن السورية، ولم تكن تتجاوز حينها غير منع بعض المناهج القديمة، تحريم الاختلاط بين الطلبة في المدارس، بعض التعليمات للمدرسين والمدارس، وإرسال بعض عناصر التنظيم إلى المدارس لغرض تجنيد الطلبة للقتال، خاصة في المراحل الإعدادية.
بعد سيطرة التنظيم على الموصل حدث انقلاب كبير في منهجية التنظيم حول النظر إلى ملفات التعليم؛ فقد أصبح الأمر ملحًا، خاصة بعد أن أصبح ما يقارب ثلث سكان العراق تحت سيطرتهم وإعلانهم أنهم خلافة إسلامية، وبرزت مشكلة التعليم بشكل كبير جدًا مما دفع التنظيم لاتخاذ خطوة كبيرة، وهي إعداد مناهج خاصة بدولتهم التي يروجون أنها أصبحت من الدول الكبيرة.
عقد ديوان التعليم في ولاية نينوى “الموصل” اجتماعًا موسعًا لغرض اختيار نخبة من كوادره والكوادر القريبة منه تعمل على إعداد مناهج خاصة، وتم الطلب من اللجنة العمل بتفرغ كامل وستوفر لهم الإمكانيات لهذا العمل.
في تحقيقنا الخاص استطعنا أن نصل إلى أحد الموظفين العاملين في المكتبة المركزية في جامعة الموصل الأستاذ سمير ع. م.، حيث قال “تم إبلاغنا بأن المكتبة المركزية في جامعة الموصل ستكون مقر للجنة إعداد المناهج، وأن موظفي المكتبة سيكونون في إجازة طوال فترة عمل اللجنة”، ويكمل الأستاذ سمير “إننا مُنعنا حتى من زيارة المكتبة طوال فترة عمل اللجنة وأن عدد اللجنة حسب الترتيبات الظاهرة في المكتبة المركزية تقارب الـ50 شخصًا في الاختصاصات المختلفة”.
عملت اللجنة طوال 9 أشهر لغرض إعداد مناهج، تبين فيما بعد أنها مناهج بنسخة تجريبية، ويقول موظف في جامعة الموصل م. س. إن التنظيم منع أي أحد من الاقتراب من المكتبة المركزية طوال تلك الفترة وأن وجبات الطعام كانت تصل بشكل منتظم إلى داخل المكتبة لأعضاء لجنة الإعداد، وكانت قيادات من تنظيم الدولة تزور اللجنة بين فترة وأخرى.
بعد جهد متواصل لغرض الوصول إلى أحد أعضاء اللجنة تمكنا من التواصل مع أقارب أحد أعضاء اللجنة، وهو مدرس متقاعد لمادة الرياضيات، يقول إنه أٌجبر للعمل في اللجنة بدافع من ابن أخيه وهو أحد عناصر التنظيم، حيث علق على المناهج أنها تجميع من مجموعة مناهج قديمة وإعادة صياغة للأمثلة بما يتوافق مع رغبات التنظيم إضافة للاختصار الشديد.
ويردف في كلامه لأحد أقاربه، الذي نقل لنا المعلومات، أن عناصر من ديوان التعليم وعدد من الذين كانوا في لجنة الإعداد هم من المؤمنين بفكر التنظيم ولهم كلمة الفصل في أي وضع للمناهج، وكانت المناهج بمتابعة من رئيس ديوان التعليم الذي كان يشرف على اللجنة بشكل مباشر.
في الإصدار الذي بثه التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب تحت عنوان “عام على الفتح”، في الذكرى السنوية الأولى له في سيطرته على مدينة الموصل، تظهر واجهة بناية المكتبة المركزية في جامعة الموصل وأبواب قاعاتها الداخلية وقد تم وضع عناوين مثل “لجنة مادة الجغرافية” و”لجنة مادة الرياضيات” دلالة على أنه مكان وضع المناهج الجديدة، التي اعتبرها التنظيم من أبرز إنجازاته خلال عام من دخوله مدينة الموصل، وهي رسالة للجميع أنه يبني دولة حقيقية بكل تفاصليها.
مدارس تنظيم الدولة
تمتد مدارس تنظيم الدولة بين دولتي “العراق وسورية” وتشكل الموصل والرقة حجر الأساس في الأراضي التي تقبع تحت سيطرة التنظيم؛ فهذه المدن لم تخرج من سيطرة التنظيم منذ دخولها ولا يوجد محاولات حقيقية لاسترجاع تلك المدن أو إخراج التنظيم منها، مما دفع التنظيم لفرض سياسات معينة وتنفيذ أجندته الخاصة بشكل واضح عن بقية المناطق التي يسيطر عليها.
صورة مسربة تبين حجم التدهور في التعليم في مدارس التنظيم
هذه الصور مسربة من مدارس تنظيم الدولة، تظهر فيها على لوح التعليم كلمة “كَتَبَ”: فعل مضارع لأنه يقبل السين وسوف!
يقول مدرس اللغة العربية أ. ع. في ثانوية المدرسين في الموصل إن مستوى التعليم الذي يُقدم اليوم في مدارس تنظيم الدولة لا يمكن أن يقال عنه تعليم أصلًا، وفي تعليقه على الصورة الأخيرة قال إن هذا المدرس لا يستحق أن يقف أمام الطلاب ليقدم لهم معلومات خاطئة، وأردف قائلًا إنني أخشى أن تعود الأمية إلى المجتمع العراقي والسوري بسبب الصراع الحالي، وقالت جولييت توما، أكثر من مليوني طفل في العراق خارج المدرسة بسبب العنف، وأردفت المتحدثة باسم المكتب الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن أكثر من 5 آلاف مدرسة في العراق غير قابلة للاستخدام لأنها دمرت أو تضررت أو تحولت إلى ملجأ، مشيرة في حوار مع مي يعقوب من إذاعة الأمم المتحدة إلى أن عدد الطلاب في الصف الواحد يصل إلى 60 طالبًا، ويقول خالد عبدالله، أحد طلاب الإعدادية الشرقية بالموصل، إنه ترك التعليم بسبب خوفه من عناصر التنظيم الذين يزورون المدرسة بانتظام للبحث عن مقاتلين جدد، مما دفعه لترك التعليم والهروب إلى تركيا للعمل.
صورة مسربة من داخل مدارس التنظيم
في إحصائيات قمنا بها في مدينة الموصل والرقة فإن مدرسة واحدة من بين 3 ثلاث مدارس لا ماتزال فاتحة أبوابها، حيث قمنا بأخذ عينات من مناطق مختلفة وصلت إلى 20 عينة في الموصل و11 عينة في الرقة، ووجدنا أن نسبة المدارس التي يديرها التنظيم ولاتزال فاتحة الأبواب تصل إالى حوالي 35%، وهذا يعكس حجم الإقبال الضعيف من الطلاب وعدم وجود كوادر تعليمية أيضًا، إضافة لعدم اعتراف العالم بشهادات تلك المدارس، وضعف المادة العلمية، ووخوف الأهالي من تجنيد الأبناء دفعهم لمنعهم من الذهاب للمدارس.
جامعات تنظيم الدولة
تعد أبرز الجامعات التي يديرها تنظيم الدولة هي جامعة الموصل والأنبار والفرات، وهمي من أبرز وأهم الجامعات العراقية والسورية، وقد أصدر التنظيم من بداية دخوله لمدينة الموصل تعليمات بإلغاء مجموعة كليات وهي “كليات الحقوق، العلوم السياسية، الفنون الجميلة، الآثار، التربية الرياضية، قسم الفلسفة، وقسم إدارة المؤسسات السياحية والفندقية”، وتعد هذه الخطوة أحد أبرز القرارات التي اإتخذها التنظيم في حق التعليم الجامعي.
وفي وقت لاحق قام التنظيم بفصل مجموعة الكليات الطبية لتكون خارج “ديوان التعليم” وترتبط مباشرة بـ”ديوان الصحة” لتكون المجموعة الطبية، التي تضم “كلية الطب العامة، كلية طب الأسنان، وكلية الصيدلة”، منفصلة عن التعليم لتسمى الجامعة الطبية وفتحت في الموصل والرقة، بينما صدر بيان بفصل الطلاب عن الطالبات وتحديد عدد معين فقط من الكليات المسموح للطالبات بدراستها وهي التربية والمجموعة الطبية.
بيان التنظيم حول إلغاء عدد من الكليات
بينما توقفت الجامعات الأهلية عن الدوام نهائيًا وفتحت مواقع بديلة خارج سيطرة تنظيم الدولة، فكلية الحدباء الجامعة بأقسامها توقفت نهائيًا عن العمل داخل الموصل ونقلت كافة ملاكاتها وعملها إلى مدينة كركوك كذلك كلية النور الجامعة.
أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية كتاب تعد أي دوام أو امتحانات تحت ظل تنظيم الدولة باطلة وغير معترف بها، الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا من الطلبة لترك المدينة والتوجه إلى مدن عراقية خارج سيطرة التنظيم للتقديم في امتحانات أعدتها الوزارة العراقية، لتكون مواقع بديلة لطلبة جامعات الموصل والأنبار وصلاح الدين، بينما لم يحدث تحرك لاحتواء طلاب سوريا من قِبل النظام أو المعارضة.
وتعد الجامعات تحت حكم التنظيم شبه متوقفة رغم تقليصه لعدد سنوات الدراسة لتكون عامين في بعض الكليات وأربع سنوات لكلية الطب بدل ست سنوات، لكن عدم الاعتراف بها والتضييقات الحاصلة للطلبة، وعدم وجود مناهج ومدرسيين، رغم تهديد التنظيم للكوادر التدريسية غير الملتحقة بالدوام بعقوبات تصل إلى القتل ومصادرة الأموال، إضافة لحالة النزوح العامة التي حدثت بسبب دخول التنظيم للمدن التي يسيطر عليها حيث تصل التقديرات إلى نزوح ما يقارب 47% من سكان تلك المدن إلى خارجها.
ديوان التعليم لتنظيم الدولة الإسلامية
يعد ديوان التعليم من أول الدواوين التي أنشأها تنظيم الدولة للعناية بموضوع الطلبة من رياض الأطفال وحتى الجامعات، ووضع على رئاسة هذا الديوان شخصية مصرية تعرف بـ”ذو القرنين” كما يظهر في توقيعه للكتب والتعليمات الصادرة من ديوان التعليم تحت اسم “مسؤول ديوان التعليم”.
يظهر توقيع ذو القرنين في تذيل كتب الصادرة من ديوان التعليم بعنوان “مسؤول ديوان التعليم”
يعد ذو القرنين شخصية مثقفة ذات اإطلاع واسع حسب مصادر مقربة منه، وهو ألماني الجنسية من أصول مصرية، غادر ألمانيا ملتحقًا بتنظيم الدولة ليشغل هذا المنصب بالذات وتذكر تلك المصادرمناصب عنه أنه متابع قوي ومحاور عنيد، اتخذ ذو القرنين مقر له في الموصل ويعد هو المشرف الأول على لجنة وضع المناهج لتنظيم الدولة.
قبل إعداد المناهج صدرت تعليمات للمدارس والكادر التعليم الذي يخضع لحكم التنظيم مفادها تغيير المناهج يدويًا كما مبين بالبيان التالي:
ثم فرض التنظيم على المدرسين دورات شرعية لغرض تثقيفهم بما يطلبه منهم التنظيم في تعليم الطلاب في المدارس، وفي وقت لاحق أصدر ديوان التعليم عن حاجته لموظفين بسبب إعفاء الموظفين من ملاكات تدريسية من مناصبهم وتعيين بدلًا عنهم مدرسين يتم اخضاعهم لدورات سريعة لا تتجاوز 60 يومًا قبل بدايتهم بالعمل كمدرسين ومعلمين في المدارس التي يسيطر عليها التنظيم.
لوحة إعلانية في أحد الشوارع الرئيسية لمدينة الموصل يطلب ديوان التعليم من المواطنين التقديم على وظائف في الديوان
كل هذه التغيرات ولم تصدر إلى هذه اللحظة المناهج الجديدة التي يُعتقد أنها ستكون مفاجئة كبيرة وأنها ستحمل فكر ومنهجية التنظيم.
فترة التعليم في مدارس تنظيم الدولة
15 سنة كفيلة بأن تدخل جامعات التنظيم حيث أصدر التنظيم تعليماته بتقليص سنوات الدراسة لتكون 9 سنوات بدلًا من 12 سنة كما يتبين في المرفق:
15 سنة تكفي لدخول جامعات التنظيم
مناهج تنظيم الدولة الجديدة
بعد انتظار دام أكثر من عام على وعود بتغير المناهج بدأت تظهر تسريبات عن مناهج تنظيم الدولة وكانت أغلفة الكتب أول ما تسرب.
غلاف أحد كتب مناهج التنظيم
ثم ظهرت بعض القصص حول تعليم الطلاب الذبح بالسكين وغيرها من القصص التي لم تستند إلى الحقائق، وفقط كان الأمر حرب إعلامية دون وقائع حتى بداية العام الدراسي الحالي حيث لم يستطع التنظيم طباعة الكتب للطلاب لذلك قام بطباعة الكتب على أقراص مدمجة وتوزيعها للطلبة وهم بدورهم من يقومون بعملية الطباعة، خلقت هذه الخطوة حالة من الاستهجان في أواسط الطلبة ولكنها كانت طريقة جيدة لتسريب المناهج إلى الخارج حيث يمكن بسهولة إرسال المناهج الموجودة علي قرص مدمج بصيغة “pdf” وكانت عبارة عن قسمين:
القسم الأول:
وهو قسم مخصص للأساتذة وليس للطلبة وجاء تحت عنوان “دليل المعلم”، وهو عبارة عن مجموعة توجيهات خاصة بالمعلمين والمدرسين عن كيفية تقديم المادة المعينة، وكذلك عما يطلبه منهم التنظيم من تثقيف حول السلوكيات أو الإرشادات التي يرغبون في تطبيقها في المدارس.
القسم الثاني:
وهو القسم المخصص للطلبة وستلاحظ أن التنظيم يضع في كل المواد ما يحاول به تعزيز أنه دولة مستقلة ويحاول حتى في الأمثلة المطروحة وضع الطالب تحت مفهوم أنه ضمن دولة مترامية الأطراف متعددة الأولويات.
وسنأخذ أمثلة من كتاب مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي نموذجًًا عن طريقة طرح المناهج للمواضيع.
المثال الأول:
المثال الثاني:
المثال الثالث:
المثال الرابع:
لو تصفحت مناهج التنظيم للمراحل المختلفة ستجد عددًا كبيرًا من هذه الأمثلة مشابهة لما طرحنا وهي توصل لنتيجة واحدة ستخرج لك مقاتلًا وليس مهندسًا أو طبيبًا أو أي شيء آخر.
ويرى ناشطون في مجال التعليم وحقوق الطفل أن هناك بوادر كارثية مستقبلية في التعليم في المدن التي تقبع تحت تنظيم الدولة ذلك لحجم التسرب من المدارس، الضعف في المواد، وعدم وجود محفزات لدفع الأهالي لإرسال أولادهم للمدارس خوفاً من التجنيد، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر حول حجم الأىمية التي ستكون في بلدين بحجم العراق وسوريا.