لسان حال الجزائريين اليوم يقول حمدًا لله لحضور القناة الأمريكية لتغطية زيارة مجلس الأعمال الجزائري الأمريكي الذي انعقد بين 30 نوفمبر والخامس من ديسمبر الحالي؛ حيث حضر الوفد الجزائري الذي يضم 43 رجل أعمال جزائري برئاسة وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب وبرفقة رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، وظهر برفقة بوشوارب مسؤولون أمريكيون منهم عمدة ولاية ديترويت الذي أكد عزم الجزائر استغلال 260 مليار دولار سندات خزينة أمريكية كاستثمارات جزائرية حتى عام 2020 في مدينة ديترويت التي أعلنت إفلاسها عام 2013 على أعقاب الأزمة الاقتصادية التي شهدتها أمريكا عام 2008.
لولا خروج هذه التصريحات لما علم الجزائريون نوابًا وشعبًا بوجود 260 مليار دولار كسندات خزينة تعود للجزائر في المقام الأول ولما علم أولئك أيضًا نية الوفد الجزائري استثمار هذا المبلغ في مدينة ديترويت (مدينة صناعة السيارات) المفلسة، فديترويت هي أولى من الجزائر التي تعاني اليوم من أزمة اقتصادية خانقة دفعت الحكومة إلى إقرار موازنة تقشفية بسبب السياسات المالية الرعناء المتبعة من الحكم الجائر والمافوي تجاه مقدرات البلاد، علمًا أن هذا المبلغ (260 مليار دولار) يفوق احتياطي الصرف الجزائري ويساوي الخطة المالية الخمسية المخصصة للتنمية والمقرّة من الرئيس بوتفليقة – العاجز عن الحركة – ما بين 2014 و2019.
أثار التقرير الأمريكي موجة غضب عارمة في الجزائر عمّت مجلس النواب والسلطة الرابعة حيث وجه النائب بالرلمان الجزائري عن حركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش سؤالاً كتابيًا للوزير الأول عبد المالك سلال طالبه فيه “بتقديم توضيحات حول حقيقة هذه القضية وعن مصدر هذه الأموال وعن حقيقة فتح الصناديق السيادية بالخارج عمومًا وفي أمريكا خصوصًا”.
يوم الإثنين 7 ديسمبر 2015 أصدرت وزارة الصناعة والمناجم بيانًا تردُّ فيه على المعلومات التي صرّح بها عبد السلام بوشوارب في الولايات المتحدة الأمريكية عن نية استثمار الجزائر 260 مليار دولار في ديترويت حيث جاء في البيان: “خطأ في الترجمة قد وقع فيه صحفي لإحدى وسائل الإعلام المحلية حيث نُسب للوفد الجزائري تصريحًا مفاده أنّ الجزائر تنوي استثمار 260 مليار دولار بديترويت وقد تناقل هذا الخطأ عدة وسائل إعلام محلية أخرى”، ويردف البيان ذاكرًا أن السيد بوشوارب “لم يتطرق في أي وقت من الأوقات خلال مداخلاته في واشنطن، لوس أنجلوس، ديترويت، سان فرانسيسكو إلى مبلغ 260 مليار أو أي مخطط خماسي 2014-2019″، وخلص البيان أنه “لا توجد أي نية من الحكومة لاستثمار مثل هذا المبلغ”.
أما من الطرف الأمريكي لم يصدر إلى الآن أي نفي أو إثبات بخصوص هذه القضية إلا ما جاء في ذلك المؤتمر، لذلك تبقى هذه القضية أسيرة الدائرة الجزائرية في حال مساءلة الوزير الأول وإدلائه بالمعلومات الحقيقة حول ملف الصندوق السيادي الجزائري في أمريكا وما سيتم استثماره هناك.
أما لسان حال الشعب العربي تجاه حكوماته يبقى واضحًا بيّنًا، لأن فيه من التزلف والكذب ما يغطي أفعالها الحالية والسابقة والمستقبلية إن صحّ التعبير، فيا محاسن الصدف ويا لأخطاء الصحفيين والمترجمين!! كما أنه ليس غريبًا وليست المرة الأولى لحكومة عربية أن تلبي إفلاس مدن أجنبية وتترك مدنها ومدن عربية أخرى أولى تعاني من الفقر المدقع والبطالة الجائرة.
إنّ مرض غياب الشفافية وما يلحقه من فساد إدراي يلتهم بيروقراطية الدولة في جُل الحكومات العربية لهو مرض عضال يصعب مداواته مع حكومات لم تخترها شعوبهم بقدر ارتهان تلك الحكومات لرجال الأعمال الذين جلُّ همهم هو مصالحهم الشخصية فيعمدون على تغذية مشاريعهم واستثماراتهم من أموال الدولة ومقدراته بشراء ولاءات في مجلس النواب والحكومة لتنفيذ أجنداتهم المالية.
في الفيديو برنامج للقناة الأمريكية بثت فيه تقريرًا اقتصاديًا يظهر فيه زيارة بوشوارب ورجال الأعمال الجزائريين إلى مدينة ديترويت، ويظهر فيه عمدة المدينة بتصريح يفيد مبلغ 260 مليار دولار من الأموال الجزائرية لإنقاذ مدينتهم.
موازنة 2016 التقشفية
لم تكد تبدأ قضية عبد السلام بوشوارب والـ 260 مليار دولار حتى جاءت الموازنة التقشفية التي عرضتها الحكومة على البرلمان للعام 2016 لتشعل غضبًا عارمًا عم شبكات التواصل الاجتماعي ونشر هاشتاغ بين الناشطين “#لا للزيادات”، حيث رأى الناشطون أن الموازنة هي “عقاب جماعي” ضد الجزائريين، واعتبرها آخرون “رضوخ لمطالب رجال الأعمال بحكم كونه يضمن امتيازات إضافية لهم على حساب جيوب المواطنين البسطاء”.
فيما ذهبت المعارضة الفاقدة الحيلة سوى من الاعتراض والممتنعة عن التصفيق لا أكثر للتحذير من تداعيات هذه الموازنة على القدرة الشرائية للجزائريين ووصفوه أنه “أخطر قانون موازنة أقرته الجزائر منذ استقلالها”، فهو “يدعم خزينة الدولة على حساب مكتسبات اجتماعية كبيرة تحققت منذ مدة طويلة”.
يشمل قانون الموازنة الجديد زيادات في أسعار البنزين والغاز والكهرباء والغذاء المدعّمة وذلك في محاكاة من الحكومة للتأقلم مع التراجع الحاد في إيرادات الطاقة؛ حيث تتوقع الحكومة وهي المنضوية تحت سقف منظمة أوبك تراجع إيرادات الطاقة 50% إلى 34 مليار دولار عام 2015 وإلى 26 مليار دولار في العام 2016، علمًا أنّ اقتصاد الجزائر يعتمد على صادرات النفط والغاز بنسبة 95% وتسهم بنسبة 60% من ميزانية الدولة.
يتضمن قانون الموازنة خفض في الإنفاق 9% وذلك بعد زيادة الإنفاق الحكومي على مدى السنوات الأخيرة، وأعلنت الحكومة عن إرجاء بعض المشروعات في البنية التحتية.
تعد أسعار منتجات الطاقة في الجزائر بالغة التدني مقارنة بالأسعار العالمية حيث يباع البنزين حاليًا بـ 23.6 دينار (22 سنتًا أمريكيًا) وبموجب القانون الجديد سيزيد السعر ستة دنانير (يساوي 27 سنتًا أمريكيًا) والديزل 13 دينارًا ( 12 سنتًا أمريكيًا) والزيادة على السعر القديم دينار واحد لتفادي الإضرار بقطاعات الزراعة والنقل، أما الغاز والكهرباء وخدمة الإنترنت للجيل الثالث فستزيد ضريبة القيمة المضافة المفروضة من 7% إلى 17%.
في النهاية تنتهي قصة “يُحكي أن” موازنة تقشفية لاقت اعتراضًا واسعًا ولكنها أُقرت في يوم الإثنين 7 ديسمبر من قِبل مجلس النواب؛ حيث يقول صلاح الدين دخيلي من التجمع الوطني الديمقراطي عضو الائتلاف الحاكم: “ينبغي معالجة الوضع بدون إثارة المخاوف، خفض الإنفاق شيء إيجابي” وقصة الـ 260 مليار دولار التي ستُستثمر في مدينة ديترويت الأمريكية.
ولازلت قصة رئيس عربي أصابته جلطة دماغية وأتعبه المرض ورغم ذلك فاز في الانتخابات الأخيرة 2014 بنسبة 81% من الأصوات وأدى اليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة على التوالي “فحُبهُ الأزلي للشعب” يغلبه على مفارقة الرئاسة، يتابع العمل عنه رئيس وزرائه عبد المالك سلال المتعدد المواهب والمناصب فهو رئيس الوزراء من عام 2012 ورئيس حملة بوتفليقة الانتخابية 2004 و2009 و2014 وصف الرئيس في إحدى الحملات الانتخابية “الرئيس الذي ضحى بحياته من أجل الجزائر ملكًا أنجز المعجزات وأخرج الجزائريين من الظلمات إلى النور”.