ترجمة حفصة جودة
إنها الثامنة مساءً، لقد انتهى دوامك منذ الخامسة لكنك مازلت جالسًا على المكتب، جميع العاملين مازالوا أيضًا على مكاتبهم، لا أحد يريد المغادرة بالرغم من أنهم لا يحصلون على مقابل لهذا الوقت، عندما تصل أخيرًا إلى المنزل تتفقد بريدك، لأنك لا تريد أن تكون الشخص الذي لا يستجيب بالرغم من أن الرسائل تصلك في الحادية عشر مساءً، وبالرغم من أنه وقت ذهاب أطفالك للسرير، أو قد تحتسي شرابًا مع صديق قديم في هذا الوقت، وقد تأتيك الرسالة في منتصف مشاهدة مسلسل أرض الوطن ومع ذلك لا يُدفع لك في المقابل.
من العدل أن نقول إن جون ماينارد كينيس كان مخطئًا عندما تنبأ في مقاله عام 1930 بأنه في المستقبل سوف نعمل 15 ساعة فقط في الأسبوع وسنعيش حياة من الفراغ بقية الوقت.
بدلاً من ذلك فإن متوسط وقت العمل أسبوعيًا في المملكة المتحدة يصل إلى 42.7 ساعة بالنسبة لموظفي الدوام الكامل (طبقا لأرقام مكتب الإحصاءات الوطنية 2011)، وبالاتفاق مع عد آخر من الدول فإن المملكة المتحدة لديها خيار جزئي طبقا للاتحاد الأوروبي بـ 48 ساعة حد أقصى للعمل، وفي أوروبا فإن اليونانيين لديهم أطول ساعات عمل، أما عالميًا فإن المكسيك توضع في أعلى نسبة كسب غير مشروع، أتمنى أن تقرأ هذا، دونالد ترمب.
هناك بعض الثقافات التي تبدو أقل استثمارًا في هذا السباق العنيف، على سبيل المثال، حددت فرنسا ساعات العمل الأسبوعية 35 ساعة منذ عام 2000 (بالرغم من أن هذا عمليًا ليس صحيحًا تمامًا) أما السويد (التي هي الأفضل في كل شيء) تقوم بتجربة 6 ساعات عمل في اليوم، يشعر الكثير منا بالضغط من العمل بلا انقطاع وثقافة الأربع وعشرون ساعة عمل.
أسوأ جزء على الإطلاق؟ البريد الإلكتروني، إنه يجعلني أرغب بإلقاء هاتفي عندما استلم رسالة من أحدهم يطلب فيها مقابلتي وبالأخص عندما تصلني هذه الرسالة في التاسعة مساءً يوم السبت.
حسنا، كيف نتوقف ونخرج من هذه المشكلة؟
أول من طلبت نصيحتهم كان أوليفر بوركمان الكاتب بالجارديان والذي كان قدوتي بالحياة هو وفيريس بولر، حرفيًا لم أشاهد بوركمان في مكتبه أبدًا لذا فقد خمنت أنه الشخص المناسب لكي أسأله عن كيفية القيام بعمل أقل (أنا أمزح بالتأكيد فهذا الموقف بالضبط جزء من المشكلة).
كتب إليّ أوليفر “من الواضح أن الموقف المثالي سيكون لو أن جميع المدراء فهموا أن التواجد في مكاتبهم لن يحقق نفس النتيجة دائمًا”.
“وفي غياب هؤلاء الرؤساء المستنيرين فإن أفضل رهان هو السعي للاشتهار بالاعتمادية كبديل للتواجد طوال الوقت، فمثلاً إذا كان من الممكن الاعتماد عليك في الرد على الرسائل في وقت معقول ومتوقع فعلى الأرجح سيتم مسامحتك في عدم الرد على رسائل التاسعة مساءً”.
لقد قمت بتدوين نصائح أوليفر عندما أرسلها في رسالة والتي قمت بقراءتها في الحادية عشر مساءً.
الكاتبة والطبيبة النفسية فيليبا بيري كانت أكثر صراحة: “أنا متأكدة من أننا لم نكن نعمل كل هذ الوقت قبل ظهور الهواتف المحمولة، نصيحتي هي أن تغلقهم جميعًا، تمسك بعقدك وضع الحدود واعمل في وقت عملك ولا تعمل أبدًا بعد وقت العمل، اتخذ قرارك وتمسك به وتحمل مسؤولية حياتك، يمكنك أن تقرر أن يكون لديك حياة خارج نطاق العمل والاستمرار في ذلك، فلن يستطيع الناس التركيز أكثر إذا عملوا طوال الوقت، نحن نعمل بشكل أفضل عند وضع الحدود”.
لقد قمت بتدوين نصائح فيليبا التي أرسلتها وقرأتها في الحادية عشر مساءً.
كنت قد كتبت من قبل عن كيفية صياغة رسالة مسجلة للرد بعد وقت العمل، وعن عدم فهم الناس لكلمة “طارئ” وعن مدى أهمية ألا تحتوي رسالتك على خطأ مطبعي ينتشر كالفيروس بينما تجلس على شاطئ تورا بورا غافلاً عن ذلك تمامًا، رسالتي الحالية للرد بعد وقت العمل مقتضبة إلى حد القسوة، فهي تحتوي في مجملها على هذه الكلمات “أنا ثم مسافة ثم المكتب”.
لم أترك حتى أي طريقة لوسيلة اتصال بديلة؛ فقد افترضت بكل سادية أن مسؤولية ذلك تقع على عاتق الشخص ليصل إليّ، إذا كان زميلاً في العمل فليس من الصعب أن يصل إليّ وإن كان شخصًا من خارج العمل، حسنا، لديه جوجل (أو أي محرك بحث متاح)، فإذا كان مطلوب منهم بذل بعض الجهد للوصول لشخص ما فسيكتشفون أن رسالتهم ليست طارئة على الإطلاق وأنه يمكنهم الانتظار.
بالطبع لست أنا هذا الشخص المنضبط في كل تلك الاقتراحات، اعترف أنني هرولت بين الصخور في أنجلسي للحصول على إشارة في الجوال وقضيت يومًا كاملاً اتنقل بين المقاهي لاستخدام إشارة الواي فاي بينما من المفترض أن أكون في أجازة، أيضًا أجري مقابلات العمل في الثالثة صباحًا بسبب فرق التوقيت!
على أية حال فقد لاحظت مؤخرًا أن زملائي في العمل يستخدمون الرد المسجل خارج العمل في المساء، لم يكونوا مرضى أو في أجازة، كانوا فقط كما تعلم قد عادوا لمنازلهم، لقد انتهي يوم عملهم، إنها السابعة مساءً وكما قال بوركمان فالعودة إلى البريد خلال مدة معقول من الوقت يجب أن يكون كافيًا.
إنه يتحدث عن مدى خُبث ثقافة العمل طوال الوقت وكانت هذه هي المرة الأولى التي ألاحظ فيها زميلة عمل كبيرة تستخدم الرد المسجل في المساء ولاحظت أنني لم أعلم أنها ستذهب إلى أي مكان، في الحقيقة هي لم تذهب إلى أي مكان كانت فقط قد عادت لمنزلها.
كتب جونثان كراري – الناقد والأستاذ بجامعة كولومبيا – حول ساعات العمل والاقتصاد الحديث بشكل مكثف، وقد سألته عن الأسباب النفسية وراء هذه الثقافة، لماذا أجيب على رسائل العمل من هاتفي الذكي وأنا مستلقية على السرير مساءً؟
يقول جونثان “لقد تسلل المبدأ الاقتصادي في المنافسة إلى معظم حياتنا الاجتماعية والشخصية والتي قوضت من سلطتنا وعزلتنا بكثير من الطرق، إننا لا نتنافس فقط مع الآخرين بل نتنافس أيضًا مع أدائنا، فمجرد الاتساق والاعتماد على العمل لم يعد مقبولاً، ولهذا السبب فإن إمكانية تقليل الوقت من أجل الراحة وتجديد الروح يتعارض مع المطالب والتوقعات الاقتصادية الحديثة”.
“وأينما يعمل أحدهم الآن فمطلوب منه أن يعمل بكامل ذاته ويحقق أعلى أداء بغض النظر عن الخسائر التي قد تحدث لصحته وعائلته وسلامة عقله، من المتوقع من أحدهم أن يتناسب مع أسلوب أحد آخر، حيث إن المرونة والتكيف مطلوبين على الدوام”.
بالنسبة لساعات العمل المرنة والتي من شأنها أن تحرر الموظف فقد كانت دومًا زائدة عن المعقول بغض النظر عن وقت وترتيبات الموظف ويلاحظ كراري أن التوقعات تبدو كما هي بأن جميع الموظفين متاحين طول الوقت.
إذا ما العمل؟ تقديم قانون مثل فرنسا (الذي لا يُطبق غالبًا) مما يعني أن الموظفين الذين لا يعملون بدوام كامل في مجال التكنولوجيا والاستشارات يجب أن قطعوا اتصالهم بالإنترنت بعد 13 ساعة من العمل؟ أم نذهب إلى تورا بورا ونقضي الحياة في تأمُل المياه التي تبدو زرقاء حقًا؟
إليكم ما اقترحته، اعط تلميحًا إلى مديرك أنك ستستخدم الرد الآلي على الرسائل عندما تغادر المكتب بالفعل في المساء، بالنسبة لمن يعملون من المنزل أو من يعملون بالساعات المرنة فهذا يعني عندما تنتهي ورديتك، هذه هي الرسالة الآلية التي ستجيب على رسائلك:
“مرحبا، شكرًا على رسالتك، لقد أنهيت عملي اليوم وغادرت المكتب، أنا الآن أحمم ابني وسوف أشاهد المسلسل الجديد لبين ويشو ولدي كأسين من النبيذـ ولكن إن سألني أحدهم فسأقول إنه كأس واحد، وقد أطلب وجبة سريعة، سأكون متاحًا للرد على رسالتك في الصباح في الوقت الذي أحصل على راتبي فيه أي حوالي التاسعة صباحًا، أتمنى لك ليلة ممتعة أيضًا”.
حسنا سوف تنتشر هذه الرسالة كالفيروس.
المصدر: الغارديان