بالتأكيد كان للأزمة التي تولدت بين روسيا وتركيا بعد إسقاط الطائرات التركية لمقاتلة سوخوي 24 الروسية يوم 24 نوفمبر الماضي وقعًا مختلفًا في إسرائيل، وعلى كل حال فإن طبول الفرح في تل أبيب جاهزة لأن تدق طربًا مع أي أزمة تقع فيها تركيا، فكيف الحال إذا كانت هذه الأزمة مع دولة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن كروسيا التي يقودها زعيم يحاول تكريس شخصيته في سياسة البلد.
لقد لعب الإسرائيليون مباشرة على جرح التوتر بين موسكو وأنقرة؛ فأعلنوا مباشرة أن الطائرات الروسية لو مرت في أجوائهم فإنهم لن يتعاملوا معها مثل تركيا وأنهم سيسمحون لها بالمرور دون أي إعاقة، بل وسيتبادلون مع الروس المعلومات الاستخبارية.
وبالإضافة إلى الحنق الإسرائيلي الشديد على تركيا بسبب مواقف الأخيرة التي تعترض على ممارسات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته والتي كان آخرها حديث أردوغان في زيارته الأخيرة إلى قطر عن رفض تركيا لممارسات إسرائيل وعربدتها في المسجد الأقصى، فإن إسرائيل تنظر إلى الأمر من زوايا أكثر انتهازية سواء على صعيد العلاقة مع روسيا أو على صعيد الوضع في سوريا وهو ما توليه تل أبيب أهمية كبيرة.
أما فيما يتعلق بالوضع في سوريا فإن الإسرائيليين يؤيدون التدخل الروسي في سوريا ابتداءً، حيث يرون أن التواجد العسكري الروسي في سوريا هو أفضل عند المقارنة من التواجد الإيراني وأن روسيا يمكن التنسيق معها بشكل أفضل، كما أن التواجد الروسي في سوريا من شأنه أن يعرقل أو يربك الخطط التركية مع المعارضة السورية التي تراها تل أبيب أشد خطرًا عليها من النظام في المستقبل.
ومن وجهة نظر تل أبيب فإن التدخل الروسي يعمل على إطالة أمد الصراع في سوريا وهو ما تريده إسرائيل بحيث تتآكل مع الوقت قوى جميع الأطراف وتصل إلى حالة الإنهاك بينما تراقب إسرائيل ذلك عن كثب.
كما يهيئ التواجد الروسي العسكري لتل أبيب فرصة التنسيق مع الطرفين: طرف النظام وتمثله روسيا وطرف التحالف الدولي وتمثله الولايات المتحدة وهو ما يجعل إسرائيل على دراية بكل ما يدور في الميدان السوري.
ويفتح التنسيق بين الطرفين الطريق إلى إمكانية عقد صفقات بينهما؛ فإسرائيل أعلنت أكثر من مرة في السنة الحالية عن نيتها للسيطرة على مزيد من مناطق الجولان لتأمين نفسها، وكذلك الحال يندرج تحت هذا قيام إسرائيل بتنفيذ أعمال عسكرية في سوريا، وقد لوحظ أنها شنت هجمات في سوريا بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية.
وبالتأكيد فإن حرج تعاون واشنطن مع الأكراد بغرض إقامة كيان كردي شمال سوريا بسبب علاقاتها مع أنقرة من الممكن أن تسد روسيا بديلاً عنه وهي الآن في حالة رغبة شديدة للانتقام، وقد أبدت روسيا عن نيتها للتعاون مع الأكراد بل أرسلت إليهم شحنات من الأسلحة وفي الغالب فإن مثل هذه الأخبار تسعد تل أبيب وتحثها على تغذية الخلاف بين أنقرة وموسكو.
ومن زاوية أخرى فإن إسرائيل بالتأكيد ستعمل على تحريض الروس على حركة حماس التي تتمتع بعلاقات جيدة مع خصوم روسيا في سوريا وتحديدًا تركيا وقطر فضلاً عن علاقاتها السيئة مع النظام السوري، وربما يفتح هذا الطريق لحصولها على معلومات خاصة عن المقاومة الفلسطينية.
أما على صعيد العلاقة الإسرائيلية الروسية فإن إسرائيل حريصة على تحسين العلاقات مع روسيا حتى لا تقوم الأخيرة بمعارضة السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وأيضًا كي تجني العديد من الفوائد المادية.
فعلى سبيل المثال في حال استمرت الأزمة بين تركيا وروسيا ومع تطبيق العقوبات الاقتصادية من روسيا على تركيا؛ فإن البضائع الإسرائيلية التي تنتجها المستوطنات والتي تعاني من المقاطعة الأوروبية مستعدة لطرح نفسها بديلاً في روسيا، كما أن إسرائيل بدأت بالفعل منذ حادثة سقوط الطائرة الروسية في سيناء وتراجع عدد السياح الروس هناك بطرح نفسها كبديل أكثر أمنًا ومع دعوة بوتين الروس إلى عدم التوجه إلى تركيا للسياحة زادت إسرائيل من حملتها الدعائية لجذب السياح.
يبدو أن إسرائيل أحد المستفيدين المحتملين من التوتر بين روسيا وتركيا وستعمل على إذكاء التوتر بين البلدين لكي تحقق مكاسب من دون الانخراط في الساحة السورية وبالرغم من أن هناك أصوات معارضة للتدخل الروسي المباشر في سوريا بسبب اهتمام الروس بمصالحهم فقط بغض النظر عن إسرائيل ولعلاقة موسكو الجيدة بطهران التي زودت بصواريخ إس 300 مؤخرًا، إلا أن التدخل الروسي في سوريا أصبح واقعًا وبالتالي فإن التماشي الإسرائيلي معه لا يعني القبول به مجانًا بل أن تل أبيب ستسعى لأخذ ضمانات كبيرة من موسكو.
يبقى الإشارة إلى نقطة أخرى فيما يتعلق بموضوع أزمة محتملة في نقل الغاز الروسي إلى تركيا وبدء تركيا في البحث عن بدائل؛ حيث إن إسرائيل هنا حاضرة أيضًا ومنذ فترة تحاول أن تعقد اتفاقًا مع تركيا لتزويدها بالغاز بأسعار مغرية من أجل نقل الغاز عبر تركيا إلى أوروبا من الآبار المكتشفة حديثًا قبالة السواحل في البحر المتوسط والتي ستعمل في 2017، وبالرغم من أن لعب إسرائيل على هذا الوتر يعد أمرًا حساسًا ومعقدًا في الوقت الحالي إلا أن هذا موجود في الحسابات الإسرائيلية.