هل يُطبخ التعديل الوزاري في تونس على نار حارقة؟

أن يعلن رئيس الحكومة عن نيته القيام بتعديل وزاري هام مباشرة بعد انتهاء مناقشة ميزانية السنة القادمة قريبًا، ثم يتبع هذا الإعلان بتصريح استثنائي لوسائل الإعلام يقول إن ظنه قد خاب في أداء العديد من الوزراء الذين اصطفاهم للقيام بمهام في صلب الحكومة، فذلك يحيلنا إلى عدة نقاط نوجزها كالتالي:
أولا: هنالك ارتباط وثيق لا يختلف حوله اثنان بين الإعلان عن التعديل والعملية الأخيرة التي استهدفت رجال الأمن الرئاسي، حيث يبدو أن السيل قد بلغ الزبى وأن تغيير بعض الحقائب الوزارية بات واجبًا وطنيًا.
ثانيًا: محاولة رأب الصدع الذي أصاب الحكومة على مستوى عدم قدرتها على الإيفاء بتعهداتها بخصوص الاقتصاد والتنمية والتشغيل والأمن، خاصة أن أولى تعهدات الحبيب الصيد كانت على هذه المستويات، تجعلنا شبه متأكدين من أن التعديلات ستلمس وزارة الداخلية، وزارة التشغيل، وزارة الصناعة والتجارة، ووزارة السياحة خاصةً باعتبارها عصب الحكومة “والمانيفيست” المحرك لدورة الاقتصاد في البلاد.
ثالثًا: الانتقادات المتكررة وحتى الحملات المشنة ضد بعض الوزراء وأدائهم مثل وزيرة السياحة ووزير الداخلية أوجبت على الحبيب الصيد الإعلان عن تعديل قريب، إذ تفيد بعض المصادر المطلعة أن هذا الأخير سوف يحيل سلمى اللومي الوزيرة الحالية للسياحة إلى منصب الاستشارة لدى رئيس الجمهورية بمعية سليم شاكر وزير المالية الذي سيكلف بمهمة مستشار للاقتصاد لدى رئاسة الجمهورية أيضًا، كما تعبر الإقالة الأخيرة لرفيق الشلي من منصب كاتب دولة لدى وزير الداخلية مكلف بالأمن على أن أداء وزارة الداخلية غير مرضي عنه، فبعض الأقاويل تذهب الى أن ناجم الغرسلي سوف يبقى على رأس وزارة الداخلية فيما سيشمل التغيير كوادر من العاملين بها واستبدالهم بكوادر أمنية سابقة عملت – كما يروج – مع نظام بن علي.
في لقاء الحبيب الصيد بالإعلامي توفيق مجيد على قناة فرانس 24 الأخير عبر رئيس الحكومة عن رضاه التام على بعض الوزراء وشبه الرضاء على وزراء آخرين وعدم رضاه على المتبقين، وبالاستناد إلى تسريبات جانبية لبعض المقربين من رئاسة الحكومة يمكننا تحديد الوزراء المزمع إقالتهم وتحديد أسباب هذه الإقالات:
ـ وزيرة السياحة سلمى اللومي التي يبدو أنها من الوزراء غير المرضي عنهم، خاصةً بعد الهبوط المطرد لمستوى السياحة بالبلاد بالإضافة إلى بعض القرارات الارتجالية المتخذة من قٍبلها في كل مناسبة، وسيتم على ما يبدو دمج وزارتها مع وزارة التجارة والصناعة ليحمل حقيبة الوزارتين وزير واحد.
ـ وزير الدفاع الذي سيُقال ويعوض، كما روج، برئيس الديوان الرئاسي رضا بلحاج والأسباب تنسحب ـ حسب مراقبين ـ إلى إرادة الائتلاف الحاكم تحييد وزارة الدفاع وتعيين وزير من المديرين أو الإطارات الذين لا دخل لهم بالعسكر (أي ليسوا من العسكريين).
ـ وزير المالية سليم شاكر الذي أسلفنا القول بأنه سيتحول إلى منصب الاستشارة لدى رئاسة الدولة.
ـ ناجم الغرسلي وزير الداخلية الذي نصنفه ضمن مجموعة الوزراء نصف المرضي عنهم باعتبار أن التغيير قد يشمل قواعد وزارته فقط.
ـ فرحات الحرشاني وزير العدل بالنيابة الذي عين بصفة استثنائية وغريبة بعض الشيء بعد إقالة محمد صالح بن عيسى بسبب خلاف بشأن المجلس الأعلى للقضاء كما صرح لوسائل الإعلام، لكننا نذهب إلى كون سبب الإقالة هو تصريحه المتحدي للسفير الأمريكي الذي اتهمه بالتدخل في الشأن التونسي.
ونرى أن الإبقاء سيكون لناجي جلول الوزير الأبرز إعلاميًا خاصةً وأن الشائعات تقول باتجاه النية إلى دمج وزارة التعليم العالي بوزارته وزارة التربية، كما سيتم الإبقاء على سعيد العايدي وزير الصحة وهما الوزيران المصنفان ضمن الوزراء المرضي عنهم كما نرى، ولا نغالي إذا أشرنا إلى أن الحكومة القادمة قد تشمل وزارات من حزب النهضة أكثر من سابقتها، إذ إن نجاة الحركة من واجهة الانتقادات التي أصابت وزراء النداء وأحزاب أخرى تحت الخاصرة، خلق لها نوعًا من التعاطف من المتابعين، وهو ما سيعكس اكتساحها للانتخابات البلدية القادمة على ما يبدو، ولا نظن أن رئيس الحركة راشد الغنوشي قد ذهب عنه هذا، لذلك فإننا نستشرف رفض مناصب حساسة في الوزارات إذا ما عرضت على بعض التابعين لحركة النهضة في التعديل الوزاري القادم، وهو ما أثبته الأخذ والرد من راشد الغنوشي بعد أن عرضت عليه حقيبة وزارة سيادية مؤخرًا.
يبقى في النهاية السؤال: ما مدى حرية الحبيب الصيد رئيس الحكومة ذي الصلاحيات الواسعة دستوريًا في اختيار الكفاءات التي يراها مناسبة لرفع تحديات المرحلة القادمة المثقلة المصاعب اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وهل إن رضي عن ـ واختار ـ بعض الكفاءات لن تتدخل أطراف من الائتلاف الحاكم بنفوذها لرفع الفيتو أمام هذا وتقديم بديل آخر يناسب حساباتها الحزبية الضيقة، لذلك نعتقد أن التعديل الحكومي سيُطبخ على نار حارقة إذا ما امتد إلى أسماء لها نفوذها وصلاتها وحتى قرابتها ببعض النافذين في أحزاب ذات الائتلاف، سلمى اللومي نموذجًا.