الخيال والواقعية كثيرًا ما يتداخلان
عبارة خالدة لواحد من أشهر صُناع عالم الكرتون والشخصيات الخيالية، أفلام الكرتون المؤثر الأول في مرحلة الطفولة والمؤنس العظيم للكبار، والذي لازال يظن البعض بسذاجة بالغة أنه أمرٌ تافهٌ أو أنه للأطفال فقط.
المرحلة الأولى الصامتة
ككل أمر عظيم تعرضت ديزني لعمليات تغيير ومراحل نُضج كبيرة لتصل لتلك المرحلة من الريادة والتأثير الكبير؛ ففي البداية كان هدفها الأول الضحك والإمتاع فقط بشكل بسيط إما بسبب تعرض الشخصيات الكرتونية لمواقف مضحكة أو تعرضهم لضربات غير قابلة للتأثير فيهم فيجعل الأمر طريفًا، فكانت ديزني الصامتة من “ميكي” و”دونالد داك”.
سيطرة الأميرات على مملكة ديزني
ثم كانت مرحلة الأساطير وتجسيد الشخصيات الشهيرة والأميرات من البلاط الحاكم؛ فكانت “سيندريلا” و”بيلا” و”آريل” و”الأميرة النائمة” وغيرهن الكثيرات، كن جميلات مهذبات ذوات شعر مثالي وجسد يتوافق ومعايير المجتمع حينها وصُناع الأفلام والكرتون، بل أن المقاييس التي وُضِعت لهيئة الأميرات كانت واحدة من الأسباب الرئيسية بجانب أفلام تلك الفترة لفرض مقاييس عالمية للجمال والجسم المثالي للنساء والفتيات، في هذه الآونة كانت تُعرض القصص بشكل مثالي مبالغ فيه، سواء كان خيرًا مثاليًا أو حتى شرًا مثاليًا، أصبحت هكذا فقط بلا أي مُعضلات أخلاقية أو نقاش في كيفية وصولها لهذا القدر من الشر أو الأذى.
والشخصيات الخيرة، شخصيات خيرة تمامًا بلا أي عيب سوى الطيبة الزائدة ولهذا كانت أحلام الصبايا اللائي في عمّر جدتي أو أمي الآن هو الفتى الشهم القادم على صهوة فرسه الأبيض، رائع الجمال، قوي الجسد، حتى مثالي الشعر والصوت، لأنهن بالطبع ليسوا أقل قدرًا من الأميرة هذه أو تلك، فأغلب مشاكل تلك الفتيات تُحل فورًا بوجود الرجل المثالي إما بقُبلته أو قدرته أو حتى نفوذه القوي.
تأثير الواقع على عالم الخيال
لكن مع تطور الفكر العام للفتيات حاليًا بالرغم من أعمارهن الصغيرة وزيادة نسبة مشاهدة الكرتون لكل الأعمار، كان لا بد للكرتون أن يواكب هذا التطور، فهو الآن لم يعد يتعامل فقط مع الأطفال الصغار بل أصبح الأمر يتضمن مراهقين وشباب وكبار أيضًا جميعهم على حد سواء متابعين للأفلام الكرتونية بشكل كبير وبنفس القدر من الاهتمام والاستمتاع.
فأصبحت الأفلام الكرتونية تُناقش مشاكل أهم وأكبر بكثير من مشاكل البحث عن الأمير الهمام، فكان مثلًا الأسد الملك، أشهر فيلم كرتوني بجدارة، الفيلم الذي خاض في أزمات الجشع العائلي والتطلع للسلطة والفساد، حتى أنه وضح أزمة الشباب في الهروب من المشاكل أو التخاذُل عن تحمل المسؤولية في رفض “سيمبا” العودة في البداية لإنقاذ المملكة، ومشهد موت والده والذي كان من أوائل المشاهد التي تعاملت مع الموت بشكل كبير، فلم يخش حينها القائمين على الفيلم من عرض موت شخصية رئيسية وبشكل وحشي بينما فيما مضى تم تحريف نهاية قصة آريل في فيلم حورية البحر والذي كان من المُفترض موتها، ولكن بالطبع لم يكن يستطيع صُناع القصة طرح نهاية كهذه للأطفال، فكانت نهاية سعيدة مثالية، اعتقادًا منهم أن عالم الكرتون لا يجب أن يواجه الأطفال بحقائق سوى السعادة والحب فقط.
حُب أميرة أم حُب غول أفضل؟
ويمكن عقد مقارنة بسيطة بين اثنين من أشهر القصص لتوضيح النُضج الأخلاقي والإنساني في التعامل، فبينما تعرض الأمير في قصة الأميرة والوحش للعنة قاسية جعلت منظره قاسٍ من الخارج ومنفر لأغلب الناس، وتعرضت فيونا للعنة أخرى في فيلم شريك الشهير جعلتها تتحول إلى غولة مع غياب النهار، فبينما لم تكتمل القصة المثالية في الأميرة والوحش إلا بتحوله إلى شكل جميل جذاب يليق بحبيب لأميرة بالرغم من أنها أحبته بسبب ما رأته أسفل طبقات الفرو والشكل القاسي، لكن المظهر الخارجي كان مُعضله في الوصول للسعادة الأبدية حينها لصُناع الكرتون، على الجانب الآخر، كان النُضج الإنساني الرائع في نهاية الجزء الأول لـ “شريك” بعدم تحول فيونا مرة أُخرى لشكلها الأولي وبقيت فيونا الغولة الجميلة التي أحبها شريك، لفك السحر كان لا بد لها من حب حقيقي، فكان حُب شريك لها حُب مثالي، أحبها كما هي، شخصية رائعة أولًا وشكل جميل في كل حالاتها، وبالرغم من كرهها في البداية لمظهرها ولعنتها وإخفاءها لهذا لعقود لأنها تري نفسها غير جميلة ولأن والدها كان يراها هكذا وأمها والذي كان يراها هكذا انعكاسًا في الحقيقة لرؤيته لذاته، إلا أنها في النهاية كانت سعيدة لأن شريك يراها جميلة، هكذا تطورت نظرة صُناع الكرتون لمقاييس الحب والجمال.
الشر أيضًا لم يعد مثاليًا
سياسة جديدة ينتهجها صُناع الأفلام الكرتونية، فأفلام كـ Wreck it Ralph وMegamind، تطرح صورة جديدة عن الشخصيات الشريرة والأسباب التي دفعتهم للشر أو الصورة السيئة التي كنا نراهم بها، وتطرح أيضًا فرصة لهم في العودة وحرية الاختيار، وأن تعرضك لمساوئ أو حتى مولدك بين الفساد والشر لا يعطيك الحق بالشر أو ينفي حقيقة أن لك فرصة في اتخاذ طريق الخير.
أخلاقيات عالم الخيال
بالطبع لازالت تلك الأفلام أفلامًا للكرتون ولذلك لازالت لها قواعد صارمة لا تتخطاها، فلا ألفاظ بذيئة أو تلميحات جنسية أو حتى مُعضلات أخلاقية لا يمكن تقبلها أو تفهيمها للأطفال، وبالطبع لا سياسة أو دين، وهذا الكلام ينطبق على الأفلام الكرتونية لديزني وبيكسار وغيرهم بعيدًا عن الحديث عن المسلسلات الكرتونية أو المانجا اليابانة.
لماذا أصبحت الشخصيات الخيالية قابلة للتقليد؟
لم يعد على الفتاة أن تكون أميرة ذات شعر مثالي وخصر نحيف وصوت خيالي تُصادق الجميع وتكن مثالًا غير قابل للتصديق أو المنطق، أصبحت الشخصيات تُرسم حاليًا بجسم ممتلئ قليلا وشعر مجعد وخصر طبيعي، وبينما كان الهدف فيما مضى الزواج والحب فقط، أصبح الآن تحقيق الذات والتقدم وإنقاذ العائلة وحتى دخول الجيش وخوض النزالات، فهي قادرة على إنقاذ شعبها بشجاعتها وعلمها وعملها وتطلعها للمستقبل والتعاون مع الجميع، وكذلك الفتى الكرتوني قادر على إنقاذ العالم بالعلم والجد والاجتهاد بدون قدرات خارقة غير حقيقية.
وكان للحُب نصيبًا لطيفًا في التطور فالحب أصبح أكبر وأشمل من الحب بين المرأة والرجل واتسع ليشمل الحب الأمومي والأخوي في قصص كاملة تدور حول ذلك كـ Maleficient وFrozen.
لماذا نهتم بتقييم عالم من الخيال؟
لم تعد الأفلام الكرتونية حكرًا على الأطفال، فأفلام الكرتون الهوليوودية تحقق أرقامًا خيالية أسبوعيًا، وتأثيرها على الكبار والصغار كبير، فالأطفال تُشكل شخصياتهم وقناعات كبيرة لديهم من تلك الأفلام، والكبار يستمتعون ويتأثرون بها كرؤية للعالم بشكل أكثر بساطة.
فليس هناك مفر من الاهتمام بها ومتابعتها وتقيييمها بشكل دوري وتوضيح تأثيرها في الثقافات العامة، فلديك فرصة ذهبية لتقديم أخلاقي وأفكار هائلة بشكل كرتوني بسيط بعيدًا عن تنظير المسرحيات والكُتّاب وبعيدًا عن المحاضرات والمهاترات الرنانة، الأساليب الأسهل دائمًا أكثر تأثيرًا، ولكن آفة المجتمعات التعقيد.
ولذلك على الآباء دائمًا متابعة ما يُعرض وتقييمه أولًا بأول بل أيضًا من الأفضل فتح باب مناقشات فيما يتلقاه الطفل، فهذا يفتح بابًا من التقييم من الطفل للمعروض سواء بالسلب أو الإيجاب مما يُنمي لديه قدرة التقييم لما يعرض عليه فلا يصبح مُتلقى فقط بلا تفكير.
فيمكنك أن تشرح محاضرة لمدة ساعة كاملة لطفل عن مساوئ الكذب لا يخرج منها بشيء يُذكر، بينما مناقشته في فيلم بينوكيو وهو يسرد أحداثه بنفسه وعقبات الكذب أفضل بكثير .
وبالتالي يمكن أن نقول إن للخيال وللواقع انعكاسات لكل منهما على الآخر، لا يتداخلان بقدر ما يصنعان معًا عالمًا واحدًا، وإننا في النهاية حصيلة ما نتلقاه مما حاولنا حتى وإن كان مشهدًا صغيرًا في فيلم كرتوني عابر.