تُقيم بعض الدول مؤتمرات تسمى بمؤتمرات “الدول المانحة” تجتمع فيها بعض الدول لمنح دولة ما مبالغ مالية لتضررها من كارثة طبيعية، حرب… إلخ، لكن هناك مؤتمرات أخرى لها مواسم هي أيضًا، مؤتمرات مانحة لكنها لا تقام في غرف مغلقة بل في ساحات خضراء، لا تعطي مال بل تعطي ما هو أكثر؛ “الأمل”، فعلى ملاعب كرة القدم هناك دائمًا أمل في الأفضل، أن يلعب فريقك بشكل أفضل وتستمتع، أن تنال سعادة خلال 90 دقيقة، تفقدها في حياتك، وربما تغير حياتك تلك الساحرة المستديرة أو تهبك اسمًا.
تلك أربع قصص لأربعة من عوالم وقارات مختلفة بعضهم معروف والآخر في طي النسيان ربما لا يجمعهم سوى كرة القدم التي منحتهم أمل في التخلص من آلام الحرب، مناجم الفحم، الإجرام والعيش بالشارع، لتهبهم حياة أفضل.
“أمبيلي” الجنوبي
ولد “أمبيلي” في جنوب السودان، حيث المأساة، فالحرب التي دارت رحاها هناك في الثمانينات وقت ولد أمبيلي، أفقدته عائلته، إلا أنه وجد عائلة أخرى؛ فضابط من الشمال اسمه محمود، كان من القوات الموجودة بالجنوب، أخذه معه للخرطوم، حينما وجده بلا عائلة.
استقر أمبيلي مع محمود وعائلته بالخرطوم، وفقًا لرواية الصحفي السوداني معوض رشيد التي كتبها في مجلة “إنساني” التابعة للصليب الأحمر في عددها الثاني والخمسين عام 2011.
ربما أراد أمبيلي أن يمنح اسمًا جديدًا لحياته الجديدة، فلم تخيب كرة القدم رجاءه ومنحته ذاك الاسم، فوقتها كان فريق الهلال السوداني يلعب مع الزمالك المصري، في بطولة الأندية العربية بجدة عام 1989، المباراة انتهت بفوز الهلال بهدف أحرزه لاعب اسمه صبحي، وهو الاسم الذي اختاره أمبيلي لنفسه.
السياسة التي أفقدت أمبيلي عائلته لم تترك “صبحي” الذي ظل مقيمًا ووفيًا لعائلة الرائد محمود، فعند إقرار الانفصال بين شمال وجنوب السودان عام 2011، فصبحي الجنوبي، كان مطالبًا بالعودة لموطنه الأصلي أو المكوث بالشمال مع عائلة “محمود” كأجنبي.
عامل الفحم نجم باريس
من أفريقيا لأمريكا الجنوبية، تحديدًا مدينة روساريو، بمقاطعة سانتا بالأرجنتين، حيث ولد طفل آخر، كان يساعد هو وشقيقاته والدته في تعبئة الفحم، ليأتي والده الذي يعمل من الخامسة صباحًا حتى العاشرة مساءً لحمل الفحم وبيعه.
“من الصعب التكهن ماذا كنت سأعمل لو لم أكن لاعب كرة ربما كنت سأعمل ببيع الفحم كوالدي”، هذا ما قاله أنخيل دي ماريا، لاعب باريس سان جيرمان الحالي، لموقع بطولة كوبا أمريكا، يوليو الماضي، حينما تحدث عن عائلته وحياته حينما كان طفلًا، تلك الحياة التي لم تخرجه منها سوى كرة القدم، التي لولاها لكان أنخيل لاعب ريال مدريد السابق، يحمل الفحم على ظهره بدلًا من التلاعب بالكرة بأقدامه في أفضل ملاعب العالم بمدريد وباريس وبوينس آيريس.
روزينجارد
“لو لم أكن لاعب كرة قدم لكنت مجرمًا” هكذا ببساطة وبصراحته المعهودة اعترف السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، لاعب باريس سان جيرمان، بمهنته التي كانت مقررة له لو لم يكن لاعب كرة قدم.
إبرا المولود لأب بوسني وأم كرواتية، نشأ في روزينجارد، حي المهاجرين الذي تنتشر فيه الجريمة، الحي وحده لم يكن مشكلة إبرا، فعائلته منفصلة ومفككة ما بين والد سكير، أضاعته الحروب في بلده وأم تتولي المسؤولية بقسوة، وأخوة كُثر أشقاء وغير أشقاء.
لم يصبح زلاتان، زعيم عصابة أو مجرم كما كان مقدر له، فحبه لكرة القدم وهوسه بتقليد حركات رونالدو، جعلاه لا يفكر سوى بكرة القدم، لذا أصبح أفضل لاعب في السويد، الذي يحمل جنسيتها ويلعب لمنتخبها، لعشر مرات متتالية، كما يعتبر أشهر لاعب سويدي على الإطلاق، فربما شهرته فاقت مواطنه السويدي لارسون، لاعب برشلونة السابق.
كرة القدم ليست مقتصرة على الرجال لكن للنساء أيضًا نصيب من لعبها ومن الأمل التي تعطيه.
فارا ويليامز، لاعبة المنتخب الإنجليزي لكرة القدم النسائية، الفائز ببرونزية ببطولة العالم الصيف الماضي بكندا، كشفت قبل البطولة عن سر، هو أنها قضت سبع سنوات من حياتها بلا مأوى غير الشوارع وبيوت الإيواء.
فارا، تركت منزل والدتها التي كانت تعولها في سن السابعة عشر، مدرب المنتخب تحت 19 عامًا، هوب باول، هو من أخذها لمأوى “كينجر كروس” ربما هوب وكيلي سميث، كابتن أرسنال والمنتخب الإنجليزي السابقة هما من عرفا فقط عن حياة فارا.
فارا، آمنت أنها تمتلك شيئًا رغم الحياة الصعبة هو كرة القدم، ردت على سؤال ما إذا فقدت أو قاربت على فقد الأمل، بـ “أبدًا، كرة القدم أبدًا لم تدعني أفقد الأمل”.
ويليامز، التي لعبت يورو 2005 وهي لاتزال تسكن بمأوى، والآن تعد أكثر اللاعبات تمثيلًا للمنتخب الإنجليزي لكرة القدم، بـ147 مباراة، تقول للجارديان: “كان لدي كرة القدم، كثير من الفتيات بلا مآوى، لا تمتلكن هذا الأمل”.
لعبت ويليامز، لتشيلسي، وكذلك إيفرتون، الذي ساعدها مدربه مو مارلي، الذي كان يتكفل بنفقات ذهابها للندن من ليفربول وإيابها وأبعدها عن حياتها التي دفعتها الظروف لها.
لاعبة ليفربول، التي لم تفقدها كرة القدم الأمل، عادت وأعطتها أمل آخر وهو جمعها بوالدتها، ففي عام 2011 وبعد مباراة إنجلترا وسويسرا بتصفيات كأس العالم تلقت فارا، التي أحرزت هدفًا، رسالة من والدتها، رسالة لم تكن الأولى فقبل ذلك بعامين تلقت رسالة من أمها بعد وصول منتخب الأسود الثلاثة، لنهائي بطولة أوروبا، الفارق بين الرسالتين أن فارا، حذفت الأولى ولم تقرأها بينما احتفظت بالثانية وقرأتها والتقت بوالدتها من جديد؛ والآن أصبح لفارا، عمل وأسرة وحياة أعطتها أياهم الساحرة المستديرة.
منحت الكرة حياة أفضل لدي ماريا، ومنعت إبرا من أن يصير مجرمًا، ولم تفقد فارا الأمل وأعادتها لوالدتها وحياتها وأبعدتها عن الشارع، كما منحت أمبيلي اسمًا، بعد أن قتلت السياسة عائلته، صحيح أن السياسة لم تكتف وتدخلت مرة أخرى لتسلب منه عائلته الثانية، لكن ربما تتدخل كرة القدم مرة أخرى وتمنحه الحل، فلديها دائمًا المزيد من الحلول لإعطاء الجميع أمل ما لو بحثوا عنه لوجدوه.