بدأت ثورات الربيع العربي منذ 4 سنوات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، كانت بداية ثورات الربيع العربي إعلانًا من شعوبها أنها ترفض الظلم والقمع الذي مارسته ضدها الأنظمة العربية على مدار عقود كاملة.
الثورة على الظلم والقمع والفساد، ذلك هو السقف الذي وضعه الثوار لأنفسهم، وكانت هناك بعض الحالات الخاصة في بعض الدول جعلت أسبابًا أخرى للثورة على الأنظمة كمنع توريث مبارك الحكم لابنه جمال في مصر، لكن ذلك السبب يبقى تحت إطار سقف المطالب المعتادة للثورات.
بعد مرور 4 سنوات واقتراب الذكرى الخامسة للثورة التونسية في يناير القادم، وبالنظر إلى حال كل دول الربيع العربي الآن، تجد أنها كلها بين دولة بها نظام فاسد بأوجه جديدة، أخرى بها انقلاب عسكري، وأخرى بها حالة حرب بأطراف إقليمية ودولية، ثم اليمن وليبيا حيث أصبحت الحالة ضبابية بشكل يصعب فهمه والتنبؤ بما يمكن أن يحدث فيها.
خلاصة القول إن كل دول الربيع العربي عادت قبل مربع الصفر، فقد أصبح الوضع السياسي غير مستقر، ناهيك عن الاقتصاد الدي تدمر في أغلب الدول مع الحالة الأمنية غير المستقرة والتي بدأ قطرها في الازدياد، مع وجود تخوفات من دخول أطراف دولية كثيرة في الصراع وتحويل المنطقة كلها لحالة حرب شرسة لا يعرف تداعياتها أحد.
مراهقة الثورات
وإذا نظرنا في تلك الحالة وباسترجاع الحالة الحالمة التي كانت مسيطرة على الثوار منذ أربع سنوات؛ سنجد أن ثوراتنا كلها كانت تسير كالمراهق الطائش الذي يريد فعل ما يحلو له دون النظر لما حوله من ظروف وما لديه من إمكانات.
المراهقة الأولى: اعتقاد الانفصال عن العالم
كانت كل ثورة من الثورات تظن أنها منفصلة عن العالم كله وأن القوى العظمى ستقف وتنتظر حتى تتغير خارطة المنطقة كلها دون أن تبادر بأي تدخل لتحافظ على مصالحها، بل إن كل ثورة تعاملت مع الدول المجاورة لها في المنطقة بتجاهل شديد وأغلقت أعينها عن قوى إقليمية نجحت باقتصادها القوي بالهجوم عليها فيما بعد، وتجاهلت كذلك الحالة الثورية التي كانت في بعض الدول والتي أوجبت تعاونًا وتنسيقًا من نوع خاص حتى تعبر كلها إلى بر الأمان.
والأمرُّ من ذلك هو أن كل فصيل داخل دول الربيع العربي كان يتعامل كذلك بنفس المنطق، وظن كل فصيل أو حركة أنه قادر وحده على التحرك بالثورة حتى تصل إلى بر الأمان؛ فكانت المراهقة في عدم تقدير مقتضيات اللحظة من تنسيق داخلي للقوة الثورية والتنسيق الخارجي بين الأطراف الدولية والتعامل مع الأمر بحالة من النضج تسمح بإدراك الأبعاد الكلية لكل ثورة من الثورات، والعلاقات التي تربطها ببعضها البعض، وتربطها كذلك بالنظام العالمي.
المراهقة الثانية: اعتقاد أن الثورة تنتصر من دولة معينة
وكانت من المراهقات كذلك أن أهل كل دولة كانوا يظنون أنهم بالثورة التي قاموا بها سيكونون محور كل التغيير في العالم، وأن خير الأمة له باب في دولة معينة إذا طرقناه وأحدثنا تغييرًا في تلك الدولة فإن كل أزمات ومشاكل المنطقة سوف تُحل، فكان الاعتقاد بأن تحرير الأقصى يكون بتحرير مصر أو سوريا أو العراق أو أي دولة بمفردها دون الأخرى.
غاب عن أعيننا حينها أن عملية التغيير التي نحتاجها فعلًا لهدف مثل تحرير المسجد الأقصى تقتضي تراكم خبرات من تجارب كثيرة في الأقطار المختلفة، وتكامل يراعي حجم كل دولة في المنطقة ويحفظ لها دورها المحوري الهام دون إهمال أدوار الدول الأخرى أيضًا.
المراهقة الثالثة: انتصار الثورات بالضربة القاضية
ترتب على ذلك كله أن الثورات المضادة للتغيير داخليًا وخارجيًا نجحت في الهجوم على الثورات كلها في جولاتها الأولى وإلحاق أشد الضرر بالحراك الثوري كله، بل والوصول بالشعوب إلى مرحلة تمني العودة إلى ما قبل ثورات الربيع العربي، وقبول القمع والظلم في سبيل الحصول على حالة أمنية مستقرة واقتصاد ثابت ولا بأس بوجود حالات فساد أو سيطرة أقلية في الدولة على أغلب مواردها، المهم هو أن حال الشعب مستقر حتى لو كان مستقرًا تحت خط الفقر.
علاوة على ذلك، وصل اليأس بأغلب القوى الفعالة في الحراك الثوري في دول الربيع العربي إلى التسليم ورفع الرايات البيضاء والاعتراف الضمني بأن ثورتهم قد انتهت، وأن ما يحدث الآن مجرد حالة من حالات الضغط لضمان حد أدنى من المكاسب السياسية، تتضمن الإفراج عن المعتقلين، إيقاف عمليات القتل، والعودة إلى مربع الصفر.
العودة إلى لحظة تنحي بن علي في تونس ومبارك في مصر وقتل القذافي في ليبيا، أصبحت العودة إلى حالة الهدوء الظاهري، على الأقل، والتسليم بأن الثورات أتت بنتائج سلبية على الشعوب؛ هو المحرك الأساسي لأغلب الأطراف الثورية الفاعلة في المنطقة.
وكان هذا في رأيي مراهقة أخرى من مراهقاتنا التي نسير بها؛ فالأحلام الوردية التي كنا نظنها وقت الثورات وأن هناك ثورة، تقوم وتُغير اعتمادًا على اعتصامات وتظاهرات في الميادين الرئيسية في العواصم لبعض الأيام، قادرة على أن تقوم بعملية تغيير شاملة لميراث عقود كاملة من الفساد الذي أصبح على هيئة دولة.
فلم يعد الفساد يستخدم هيكل الدولة لينتشر ويستقر، بل أصبح الفساد نفسه هيكلًا يدير الدولة بشكل ديناميكي سلس يصعب فك شفراته ولا حتى عن طريق انتخاب رأس الهرم المتمثل في الرئيس، كما حدث عند انتخاب محمد مرسي رئيسًا في مصر.
تمثل مراهقتنا في أننا لم ندرك بعد أن الثورات الحقيقية استمرت لسنوات حتى استقر لها الأمر وحققت ما كانت تنشده، وأن ما يحدث في ثورات الربيع العربي كلها يعتبر تأكيد على عدم وجود ضربة قاضية للثورة أو للثورة المضادة لتنهي المعركة من جولة واحدة، لكن المعركة عبارة عن سلسلة جولات كثيرة يمكن أن يكون فيها كر وفر مع إدراكنا لواقعنا الحالي وتشخيصه بشكل دقيق وتفادي المراهقات السابقة التي أوقعتنا جميعًا في أول جولة.