ترجمة وتحرير نون بوست
كتب سيجورد نويباور ويوئيل جوزانسكي:
في 19 نوفمبر، وقبل أقل من ستة أشهر من توقيع إيران للصفقة النووية التاريخية مع دول الخمسة زائد واحد، وقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتفاقيتين مع روسيا لتمويل وبناء أول محطة للطاقة النووية في مصر، وبموجب هذه الاتفاقية، سيتم بناء وتشغيل أربعة مفاعلات نووية بطاقة 1200 ميجاوات في شمال غرب مدينة الضبعة على ساحل البحر المتوسط.
جاء هذا الإعلان قبل أيام من حادثة إسقاط السلطات التركية للطائرة المقاتلة الروسية بزعم انتهاك مجالها الجوي، والآن، ومع توالي تكشف إرهاصات الأزمة الروسية – التركية، قد تتعزز مكانة القاهرة في إطار سعيها لصياغة الأحداث من خلال ترسيخ مكانتها كممثل إقليمي لا يستهان به داخل التحالفات المتغيرة ضمن المنطقة.
خلال الفترة السابقة، تنافست موسكو والرياض لدعم مصر تبعًا لسعي كل منهما للاستفادة من معارضة السيسي المعروفة للإسلام السياسي لدفع أجنداتهما الإقليمية؛ فمن خلال تعميق التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع مصر، خاصة في أعقاب إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء، تأمل موسكو تعزيز موطئ قدمها في المنطقة، وبالمقابل نددت المملكة العربية السعودية بالتدخل العسكري الروسي الأخير في سورية، معتبرة ذلك محاولة من جانب موسكو لدعم نظام الأسد، حليف إيران، المنافس الإقليمي الرئيسي للرياض في المنطقة.
ذراع قوي وثابت
استغل السيسي الأزمات المتعددة التي تشهدها المنطقة لاستعادة دور مصر الريادي كقوة إقليمية، والذي فقدته جرّاء سقوط نظام حسني مبارك في عام 2011، وجرّاء الأزمات السياسية المتعاقبة التي شهدتها البلاد عقب ذلك، وفي خضم سعيه لتحقيق هذه الغاية، يرمي السيسي لتطوير برنامج نووي مدني في مصر؛ فعلى الجبهة الداخلية، ستساعد الطاقة النووية على تخفيف نقص الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي المستمر الذي تشهده مصر في هذه الفترة، وعلاوة على ذلك، يمكن لهذه المحطات النووية أن توفر الطاقة اللازمة لتشغيل عمليات تحلية المياه، والتي قد تمد مصر بكميات كبيرة من مياه الشرب، علمًا أنه وفي الوقت الراهن، تعتمد البلاد لتوليد الطاقة على الوقود الأحفوري باهظ الثمن.
الأمر يأتي بدوافع سياسية أيضًا؛ فالانضمام إلى النادي النووي يستقطب المكانة الدولية والتأييد المحلي، وبعبارة أخرى، يمكن للسيسي استخدام البرنامج لحشد التأييد المحلي عن طريق عكس عدم الاستقرار المزمن والشعور بالضيق الاقتصادي المستشريان في مصر، بالإضافة إلى استعادة دور مصر القيادي في العالم العربي، ومن شأن البرنامج النووي المصري أن يساعد القاهرة على إعادة تعريف علاقاتها مع روسيا، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، فمن خلال هذه اللعبة السياسية يمكن للسيسي الحصول على شروط تمويل مواتية من الرياض وأبو ظبي من خلال موازاة سياسته مع العدو السياسي لهذه الدول المتمثل بموسكو.
يُنظر إلى مصر، وهي الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، على أنها مركز سياسي وعسكري وثقافي مهم في العالم العربي، وحتى لو لم تذكر ذلك علنًا، تتوقع دول الخليج أنه في مقابل تزويدها بمساعدات نقدية، ستعمل مصر على استعمال مواردها العسكرية ومكانتها السياسية لمساعدة هذه الدول لتحقيق مصالحها.
لكن مصر تلعب لعبة خطرة إذ كانت تعتقد بأنها قادرة على إدارة القوى في المنطقة بسهولة، فبعض نقاد الاتفاق النووي الإيراني كانوا يخشون أن تؤدي هذه الصفقة إلى افتتاح سباق تسلح نووي إقليمي بين المملكة العربية السعودية وإيران، كما أن الاتفاق المصري – الروسي قد يخول القاهرة في نهاية المطاف لبناء برنامج نووي عسكري حتى في ظل تمسكها بتطبيق معاهدة حظر الانتشار النووي.
محطة للطاقة في محافظة المنيا المصرية
اللحاق بالركب
أشار كبار المسؤولين الإسرائيليين، ومن بينهم وزير الدفاع موشيه يعلون، بأن البلدان التي تعتبر إيران دولة مهددة لمصالحها، كمصر، ستسعى للحاق بركبها، وهذا ما سيستتبع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، كما أن مصر إذا قررت تطوير برنامج نووي عسكري، فإنها لن تبدأ من نقطة الصفر؛ كون المساعي النووية السابقة للبلاد تركتها مع مفاعلين نوويين مخصصان للبحث، مجموعة من الفيزيائيين والمهندسين من ذوي الخبرة، وعدد من الجامعات القادرة على تدريب جيل جديد من العلماء النوويين.
وبشكل عام، لن يستطيع العالم ثني مصر عن تحقيق هذه النتيجة، كونه وافق مسبقًا على تأسيس البرامج النووية في الشرق الأوسط من خلال سماحه بالاتفاق النووي مع إيران، ولكن بالتأكيد، هذا لا يعني بأن البرنامج النووي العسكري المصري سيتبع مشروع الطاقة النووية السلمي بشكل محتم، فما زال اتجاه البرنامج النووي المصري غير مؤكد، رغم وجود بعض الاحتمالات الواقعية.
بشكل أولي، قد تتبع مصر نموذج تطوير الطاقة النووية المعتمد من قِبل دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي وافقت في عام 2009 على عدم القيام بأي أنشطة لتدوير الوقود النووي، وذلك من خلال اعتمادها الحصري على الأسواق الدولية للإمدادات النووية التي تدخل إلى أراضيها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يمنعها من تخصيب المواد النووية المستعملة لتصنيع الأسلحة النووية، ومن خلال اعتماد هذه السياسة، بالإضافة إلى التزام أبوظبي بسياسة الشفافية والامتثال بلوائح وكالة الطاقة الذرية، تكون الإمارات قد اتبعت كامل مقتضيات سياسة منع انتشار الأسلحة النووية، وفقًا لما صرحت به وزارة الخارجية الأمريكية.
في ذلك الوقت، وضعت دولة الإمارات شروط وأحكام برنامجها النووي السلمي كبديل واضح عن النموذج الإيراني، ولكن بعد صفقة إيران، أعربت أبو ظبي عن تحفظاتها حول منعها من تخصيب اليورانيوم، وفي أكتوبر المنصرم، أخبر سفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، بأن أبوظبي لم تعد تشعر بأنها ملزمة بالاتفاق النووي السابق مع الولايات المتحدة، وبجميع الأحوال، يبقى انعكاس هذه التصريحات على تغيير السياسة الراهنة التي تتبناها الإمارات أمرًا يجب علينا أن ننتظر لنعرفه.
اللعبة الدولية
على أية حال، لجوء مصر إلى روسيا للحصول على المساعدة، وضعها بالفعل في موقف مواجهة مع الضغوط الأمريكية الساعية لإبقاء منطقة الشرق الأوسط على وضعها الحالي، خالية من الأسلحة النووية، ونظرًا لالتزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواضح بالحد من هيمنة الولايات المتحدة العالمية، فقد تسمح موسكو للقاهرة بتخصيب اليورانيوم الخاص بها في المستقبل البعيد، علمًا بأن الأمر يستغرق قرابة العشر سنوات لتطوير القدرات الصناعية والتقنية الكافية لإنشاء برنامج للأسلحة النووية؛ لذا فإن مصر يمكن أن تنفق السنوات الخمس الأولى ضمن الحدود القانونية بالتزامها بعدم انتشار الأسلحة النووية، وتحت غطاء من الامتثال، يمكن للقاهرة أن تعمل مع روسيا وغيرها لبناء برنامج نووي لأغراض عسكرية بشكل سهل نسبيًا.
من جانبها، من المرجح أن تعمل واشنطن من خلال شراكتها المتواصلة مع الجيش المصري، على ممارسة ضغوط كبيرة على مصر للالتزام بأحكام معاهدة حظر الانتشار النووي، فارضة عليها ألّا تبدأ بتخصيب اليورانيوم بنفسها، ومانعة إياها من أن تتسلم جزءًا من عملية معالجة الوقود النووي المستنفد بعد انتهاء استخدامه المدني، ولكن السيسي ينظر إلى الولايات المتحدة كحليف لا يمكن الاعتماد عليه، نظرًا لدعم الأخيرة المبدئي لجماعة الإخوان المسلمين، والتوترات في علاقة القاهرة مع واشنطن ستجعل السيسي أكثر اهتمامًا بالبحث عن شريك آخر، مثل روسيا، وربما أكثر ميلًا ليتحول في نهاية المطاف بالبرنامج النووي المدني إلى برنامج أسلحة نووية.
أيا كان الأمر، وعلى المدى القصير، فإن البرنامج النووي الناشئ لمصر سيضاعف من جرأة السيسي في المنطقة؛ فالاتفاق النووي بين إيران ودول الخمسة زائد واحد وضع معيارًا جديدًا للمنطقة، لذلك من غير المتصور ألا تشجع السابقة الإيرانية دول الشرق الأوسط الأخرى للمطالبة بذات “الحقوق” التي مُنحت لطهران بشأن القدرة على تخصيب اليورانيوم، وحتى إذا التزمت إيران بجانبها من الاتفاق، فإن أمن الطاقة والهيبة الوطنية ستبقى خيارات محفزة قوية مطروحة على الطاولة بالنسبة لمصر لمواصلة وتطوير برنامجها النووي، وعلى المدى الطويل، من المرجح أن يستخدم السيسي البرنامج النووي لأهداف أوسع، بما في ذلك الضغط على الولايات المتحدة، وسواء أتم استخدام هذا البرنامج للوصول إلى غاية تصنيع الترسانة نووية أم لم يتم ذلك، فإن مصر تتطلع لتأكيد قوتها في المنطقة التي يطرد انعدام استقرارها مع مرور الوقت، مما يجعل هذه المهمة أسهل نسبيًا بالنسبة لها.
المصدر: فورين أفيرز