عٌقدت عدة جلسات على مدار اليومين الماضيين لبعض أطياف المعارضة السورية السياسية والعسكرية التي تمت دعوتها إلى عاصمة المملكة العربية السعودية “الرياض”، لحضور ما يُعرف بمؤتمر الرياض الذي هدف إلى توحيد هذه الأطياف لاتخاذ موقف تفاوضي موحد مع النظام السوري تحت راية محادثات فيينا الأخيرة، التي قضت ببدء مرحلة تفاوضية بين نظام الأسد وما اسمتها بالمعارضة السورية المعتدلة التي تكلفت السعودية تسميتها مع عدة أطراف فاعلة في القضية السورية.
غير معلوم بالضرورة شروط الدخول في معسكر الاعتدال الذي وُضع كشرط للإنضمام لهذا المؤتمر، ومن واقع الحضور كان الترحيب بالضيوف انتقائيًا وخاضع لتوازنات الدول الراعية لمثل هذا المؤتمر، إذ ظهر ذلك في موقف الأتراك من حضور ممثل عن أكراد سوريا، لكن الدول صاحبة الرعاية هذه أجمعت أنك مرحب بك ما دمت خارج نطاق تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أو “جبهة النصرة” التي لولا تمسكها ببيعة القاعدة لكانت على رأس المدعوين.
أجندة المؤتمر المعلنة كانت تستهدف تضييق هوة الخلاف السياسي بين مكونات المعارضة السورية بشتى تنويعاتها، من خلال تحديد أُطر زمنية للمرحلة الانتقالية التي تحدثت عنها محادثات فيينا الأخيرة، كأولى خطوات الحل السياسي في سوريا، والتي تبدأ بمرحلة المفاوضات المرتقبة مع نظام الأسد في يناير القادم.
السعودية بدعم تركي اقتنصت الدور الحاضن للمعارضة السورية المشرذمة، من أجل تشكيل وفد تفاوضي يجابه موسكو التي ستتفاوض مع المعارضة السورية من خلف ستار الأسد ونظامه، بعدما نجحت في فرض شروطها على الاجتماعات الدولية التي تمت مؤخرًا في فيينا، فربما يمكن قراءة هذا المؤتمر السعودي أنه رد فعل سريع على التوجيه الروسي للأزمة السورية.
وقائع المؤتمر
شدد المشاركون في بداية مؤتمر الرياض حول الأزمة السورية، أن الهدف الأساسي للتسوية السياسية المرجوة، هو تأسيس نظام سياسي جديد بدون مستقبل لبشار الأسد وقيادات نظامه في سوريا، مع عدم الاعتراض مبدأيًا على عملية الدخول في مفاوضات مع ممثلي النظام السوري، وذلك بالاستناد لبيان جنيف بشأن القضية السورية.
ليس من السهل مطلقًا أن تصل إلى رؤية موحدة بين فصائل سياسية وفصائل عسكرية تخون بعضها البعض، لذا كانت هذه العقبة التي عمل المؤتمر على إزالتها، لكنه بلا شك لم ينجح في ذلك من أول وهلة، بسبب تراكمات قرابة خمس سنوات، شهدت ميلاد واندثار قوى معارضة أو هكذا تسمى نفسها.
الرهان الأساسي ربما في المؤتمر كان على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي أمل قبيل الاجتماع بأخذ النصيب الأكبر من الدعم ليكون ممثل رئيسي في المفاوضات بسبب خوضه مفاوضات سابقة مع النظام في جنيف، هذا الائتلاف الذي يدعي تمثيل كافة أطياف المعارضة السورية منذ تأسيسه عام 2012 في الدوحة بموجب اتفاق بين المجلس الوطني السوري وقوى معارضة أخرى.
انسحاب أحرار الشام
أحد العلامات الفارقة التي شهدها المؤتمر كانت انسحاب حركة أحرار الشام الإسلامية، إحدى أبرز الفصائل المعارضة المسلحة في سوريا، كاد هذا الانسحاب أن يقلب المؤتمر رأسًا على عقب، بسبب الثقل النوعي التي تمثله الحركة على الأرض في سوريا، بعدما أكدت أن المؤتمر لم يعط “الفصائل الثورية” المسلحة “الثقل الحقيقي” بحسب وصفها.
وقد أوردت الحركة في بيان لها عقب الانسحاب: “ذهبنا إلى مؤتمر الرياض شاكرين من دعانا إليه حاملين تكليفًا من أهلنا في الداخل الذين عاهدناهم على النضال السياسي والعسكري للحفاظ على مبادئهم وثوابتهم التي تم الإعلان عنها مسبقًا.
وأضاف البيان: “إلا أننا نجد أنفسنا أمام واجب شرعي ووطني يحتم علينا الانسحاب من المؤتمر والاعتراض على مخرجاته”، و قد قدمت الحركة ثلاثة أسباب واضحة لهذا الانسحاب هي بحسب البيان: “إعطاء دور أساسي لهيئة التنسيق الوطنية وغيرها من الشخصيات المحسوبة على النظام، بما يعتبر اختراقًا واضحًا وصريحًا للعمل الثوري”.
و”عدم أخذ الاعتبار بعدد من الملاحظات والإضافات التي قدمتها الفصائل لتعديل الثوابت المتفق عليها في المؤتمر وعدم التأكيد على هوية شعبنا المسلم”، أما السبب الثالث فهو، بحسب البيان “عدم إعطاء الثقل الحقيقي للفصائل الثورية سواء في نسبة التمثيل أو حجم المشاركة في المخرجات”.
فيما تضاربت الأنباء حول نجاح فصائل في المؤتمر في إقناع الحركة بالعودة إلى المفاوضات، وعلى أية حال فقد ذهب البعض في تفسيراتهم إلى أن اتجاه الحركة للانسحاب هو معامل ضغط بسبب إحساس الحركة بتفوقها النوعي العسكري، لذا من المحتمل أن تكون ورقة الانسحاب ضغط في يدها للعب دور أكبر في الفترة القادمة.
مخرجات المؤتمر
بعدما اختتم المؤتمر أعماله، صدر البيان الختامي من القوى المعارضة يؤكد على التمسك بوحدة الأراضي السورية، كما التمسك بمدنية الدولة، وسيادة سوريا على كافة الأراضي، إضافةً إلى تقديم إلتزام من هذه القوى بالقبول بالديموقراطية التي تنشئ نظام تعددي يمثل كافة أطياف الشعب السوري.
وقد تعهد الجميع بالعمل على الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، مع ضرورة إعادة هيكلة مؤسساتها الأمنية والعسكرية وتشكيلها من جديد، كما أعلنوا في البيان الختامي رفض الإرهاب بكافة أشكاله ومصادره، بما في ذلك إرهاب النظام وميليشياته الطائفية، واتفقوا على أن مؤسسات الدولة السورية الشرعية والتي يختارها الشعب السوري عبر انتخابات حرة ونزيهة، هي التي ستحتكر حق حيازة السلاح.
أبدت المعارضة أيضًا في هذا المؤتمر استعدادًا للتفاوض مع النظام تحت إشراف الأمم المتحدة، باشتراط واضح وهو رحيل بشار الأسد من سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية، وهو مطلب سعودي بامتياز كان متوقع حسمه في هذا المؤتمر، وهو الذي دعى عادل الجبير وزير الخارجية السعودية أن يُصرح بثقة مطلقة عقب المؤتمر في اجتماع خليجي أن بشار الأسد لديه خياران متماثلان وهما الرحيل بالمفاوضات السياسية أو الرحيل بالقتال.
وقد ربط المؤتمر عملية التفاوض بتنفيذ النظام بخطوات تثبت حسن النية، منها على سبيل المثال إجبار النظام السوري على إيقاف أحكام الإعدام الصادرة بحق السوريين، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بوصول قوافل المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة، وعودة اللاجئين، والوقف الفوري لعمليات التهجير القسري، وإيقاف قصف التجمعات المدنية بالبراميل المتفجرة.
وقد بدأت إجراءات التحضير للمفاوضات، وقد خرج المؤتمر بإعلان تشكيل “هيئة عليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية مقرها العاصمة السعودية الرياض”، لتكون بمثابة مرجعية للوفد المفاوض مع النظام السوري، ومن أبرز مهامها اختيار الوفد التفاوضي.
الأنباء الآتية من الرياض تقول إن عدد أعضاء هذه الهيئة 30 شخصًا، تشكيلاتهم كالآتي:
الثلث ممثلون للفصائل المسلحة، الثلث الآخر للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، و البقية من موزعة على بعض الممثلين المستقلين، والقوى الأخرى الحاضرة للمؤتمر.
هذا المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من 100 شخصية من المعارضة السورية السياسية والمسلحة يُعد الأول من نوعه الذي يجمع بين هذه المكونات السياسية والعسكرية للمعارضة على رؤية سياسية شاملة تدعمها دول إقليمية، بالإضافة إلى المعارضة المقبولة من النظام السوري الحالي، والفصائل المسلحة التي وصفت بـ”المعتدلة”.
هذه الفصائل التي اجتمعت على هامش المؤتمر مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، الذي أكد لهم أن المملكة لن تتخلى عن الشعب السوري تحت أي ظرف، كما أضاف أن السعودية تقف إلى جانب السوريين في رفض وجود بشار الأسد في أي صيغة حلّ مؤقتة أو دائمة.
هذا ربما أبرز ما أكد عليه مؤتمر الرياض قبيل اجتماع حول الملف السوري بين موسكو وواشنطن في نيويورك يُفترض أن يبني على نتائج مؤتمر الرياض، التي لن تروق للطرف الروسي كثيرًا، الذي كان يُخطط لإطالة عمر نظام الأسد أطول فترة ممكنة، لكن السعودية قطعت عليه الخط بإعلان موقف رئيسي قبيل بدء أي مفاوضات مع نظام الأسد، عن طريق طرف المعارضة الذي احتوته الرياض ليؤكد وجهة نظرها في رحيل الأسد سواء بالحل السياسي أو العسكري.
كما ستظل نتيجة المؤتمر والمفاوضات متوقفة على الطرف الآخر وهو نظام الأسد، الذي عليه الوفاء بالتزامات خرج بها مؤتمر الرياض مطالبًا بإجبار نظام الأسد عليها، لإثبات جديته في هذه المفاوضات حتى لا تلحق بمفاوضات جنيف الميتة إكلينيكيًا، كما سيتوقف الأمر على مدى قبول الغرب لهذه النتائج وجديته في إرغام نظام الأسد على القبول بمطالب المعارضة لبدء الحوار المباشر.
بينما ستصدق الأرض كل هذا أو تكذبه، هذه الأرض التي يُسيطر على غالبيتها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وجبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة، وقد غابا عن مثل هذه اللقاءات، إذن تنتظر كافة هذه الفصائل التي حضرت مؤتمر الرياض إيقاف الحرب مع الأسد، لتشتعل مع التنظيمين الأكثر شراسة عسكريًا، ليدخل الصراع السوري بهذا منعطفًا جديدًا في حالة سارت الأمور بهذا النسق.