تعاني القطاعات الاقتصادية المحلية من ركود وكساد وانكماش في كافة أوجه النشاط الاقتصادي، وذلك بسبب قلة الطلب على السلع والخدمات، الناتج عن تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، وتدني السيولة النقدية المتاحة بين أيديهم، إذ من الواضح للعيان تراجع وتيرة الاستثمارات المحلية.
في ذلك، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش معلقا على وضع الاستثمار المحلي: “لم تعد القوة الاقتصادية للمصانع والمنشآت كما في السابق، وذلك نتيجة لتحميلها كلفا تشغيلية في ظل تعاظم رفع أسعار الكهرباء وتشريع الضرائب”.
ورأى عايش أن “سياسة الحكومة المنفرة تجاه الأوجه الاقتصادية، تسببت بزيادة نسب البطالة، وتراجع عجلة الاقتصاد المحلي، الأمر الذي تراجع معه حجم الاستثمار والتصنيع والتجارة”.
وبين عايش أن “النشاط الاقتصادي المحلي، يعاني من تحديات وضغوط عدة، أهمها الرسوم المفروضة على المنتجات الوطنية، وارتفاع الكلف التشغيلية للمصانع الوطنية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة “.
تخبط في السياسات الحكومية.. وانتقادات دولية
قبل يومين تناقلت وكالات محلية تصريحات هامة للسفير الصيني بعمان، حول السياسات الاقتصادية الأردنية، وذلك خلال حفل تكريم له بعد أن أنهى فترة عمله وأحيل على التقاعد. حيث قال الرجل أن “السياسة الحكومية الاردنية طاردة للاستثمار وفاشلة باستقطاب المستثمرين”، كما عبر عن “عجز رجال الاعمال الصينين عن بناء قاعدة تعاون واستثمار بالاردن بالرغم من تحفيز حكومة الصين وعلى عكس دبي التي لم تحاول الحكومة الصينية توجيه المستثمرين لها الا ان سياستها الذكية استقطبت اكثر من 3 الاف شركة صينية و300 الف رجل اعمال وتاجر صيني”.
وبحسب وكالة “عمون” فإن السفير الصيني تحدث بعقل مفتوح عن مميزات الاردن ورغبة الجميع بالتعاون معه اقتصادياً، الا ان “السياسة الاردنية عجزت عن مواكبة هذا الجهد مما افشل اغلب محاولات الصينين”.
وحين سُأل السفير الصيني عن الخلل الاقتصادي، فقد ابتسم قال “الحكومة ترفع الضرائب كل اليوم بهدف تحفيز الاقتصاد “.
إلى ذلك فقد كان عضو غرفة صناعة الأردن محمد الرفاعي، قال في تصريحات صحفية سابقة، أن “سياسات الحكومة الاقتصادية المتخبطة، أدت إلى إغلاق ما يقارب 1600 مصنع وإيقاف العديد من خطوط الإنتاج”.
وبين الرفاعي أن “إغلاق هذه المصانع تسبب بتسريح ما يزيد عن 8 آلاف فرصة عمل خلال العامين الماضيين”، في حين توقع الرفاعي أن “يغلق ويتوقف هذا العام ما يزيد عن 400 مصنع وخط إنتاج ، ما يعني مزيد من هجرة رؤوس الأموال إضافة لتسريح مئات الأيدي العاملة”.
من ناحيته، أبدى هشام المصري، صاحب مشغل حلويات في عمان، استغرابه من حال مئات الصناعيين المتردي والمتراجع، متسائلا “هل ستستمر الحكومة بهذه السياسة تجاه القطاعات التشغيلية الداعمة للاقتصاد؟”.
وقال المصري: “نأمل في هذا الوضع الاقتصادي الصعب، بتدارك الخسائر، وتسديد الالتزامات المترتبة علينا، من إيجارات وفواتير ورواتب”، مؤكدا : “الحديث عن حالنا الصعب ليس من باب المبالغة بل واقع نعيشه ويدركه جميع المتعاملين بالقطاعات الصناعية والتجارية”.
أما التاجر فريد السالم، فقد أشار إلى “حالة من الركود التجاري غير المسبوقة في الأسواق، الأمر الذي يتسبب في خسارة التجار وبالتالي إغلاق محلاتهم التجارية، لعدم مقدرتهم على تسديد التزاماتهم المالية تجاه المصانع والمستوردين”.
وقال السالم الذي يملك محلا لبيع الملابس والإكسسوارات في وسط العاصمة عمان “إن ارتفاع أسعار السلع يؤثر بشكل سلبي على حجم المبيعات، وبالتالي فهو لا يخدم مصلحة التجار، بل يزيد أعباء القطاع التجاري”، داعيا الجهات المختصة إلى إعادة النظر في الضرائب والرسوم التي عملت على ترك آثارا سلبية على النشاط الاقتصادي المحلي”.
الأردن: تراجع الاستثمار الأجنبي 65%
أما بالنسبة للاستثمار الأجنبي، فقد تراجع خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 65 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، وذلك بحسب بيانات البنك المركزي الأردني، في حين بلغ حجم صافي الاستثمار 177 مليون دينار، مقارنة مع 510.8 مليون دينار من الفترة ذاتها أيضا.
وبحسب المحلل الاقتصادي حسام عايش، فإنه من أجل عودة المستثمر الأجنبي وزيادة مشاريعه الاقتصادية داخل المملكة، لا بد من “توفير “بيئة حاضنة تتصف بالاستقرار والأمن الاقتصادي، تعمل على توفر الديمومة الاستثمارية، الأمر الذي يشجع المستثمر للحصول على عائد مالي مجزي، وربح مناسب، وزيادة دائمة في رأس المال”.
واعتبر الخبير المصرفي أن أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي في الأردن بات يستند إلى “أسباب غير تقليدية، فالتراجع لم يعد يرتبط بحجم الدين الخارجي، أو مؤشر التنافسية، أو حجم التسهيلات، أو حتى معدل الضرائب، بل بات مرتبطا بعنصر الأمن والاستقرار”.
ونوّه الخبير الاقتصادي عايش إلى أن غياب الاستقرار والأمن “سبب طارد لرأس المال الجبان”، الذي ما يلبث أن يهرب عند أول مؤشر يمكن أن يهدد وجوده أو أن يتسبب في ضياعه وتبخره، مشددا في الوقت ذاته على “ضرورة البناء على عاملي الأمن والاستقرار، وتسويقهما ليصبحا دعامتين من دعامات الاقتصاد، ووسيلتين مهمتين لتشجيع الاستثمار وتنشيط الأسواق”.
الاستثمارات في الدول العربية 3.6% من إجمالي الاستثمارات العالمية
إلى ذلك، لم يكن الأردن البلد الوحيد الذي تراجعت فيه نسب الاستثمار الأجنبي فقط، بل وطبقا لتقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول العربية تراجع بنسبة 8 بالمئة، أي إلى 44 مليار دولار في عام 2014، مقارنة مع 6ر47 مليار دولار في 2013.
وأضاف التقرير الذي صدر مؤخرا أن “حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى الدول العربية تمثل 6ر3 بالمئة من إجمالي الاستثمارات العالمية البالغة 23ر1 تريليون دولار، و4ر6 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الواردة للدول النامية والبالغة 681 مليار دولار”.
وكشفت المؤسسة في التقرير السنوي الـ 30 لمناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2015، الذي أطلقته من مقرها في دولة الكويت، عن تراجع عدد الشركات الأجنبية العاملة في الدول العربية تراجع إلى 6109 شركات في نهاية نيسان العام الحالي مقارنة مع 7423 شركة في نيسان من 2014.
بالمقابل، شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من الدول العربية تراجعا بنسبة 10 بالمئة إلى 4ر33 مليار دولار في عام 2014 مقارنة مع حجمها في 2013 لتمثل ما نسبته 5ر2 بالمئة من الإجمالي العالمي البالغ 1354 مليار دولار، و1ر7 بالمئة من إجمالي الدول النامية البالغ 468 مليار دولار.
في حين أن واقع الحال، يقول أن متطلبات الانطلاق والتطوير في الدول الناشئة يستدعي إعادة النظر في القوانين النافذة بما يتواكب مع حيثيات السمات الجاذبة للاستثمار، علاوة على أن دفع عجلة الاستثمار بحاجة إلى توحيد القوانين والأنظمة والقفز فوق كل ما يعيق عملها، بالإضافة إلى أهمية تقوية الهيكلية التنظيمية لمؤسساتنا، والارتقاء والنهوض بالقطاعات الخدمية.
في النهاية، كشف رئيس هيئة الاستثمار الدكتور منتصر العقلة عن استراتيجية جديدة لتشجيع الاستثمار يجري إعدادها حاليا هدفها استقطاب مشاريع جديدة إلى المملكة.
وقال العقلة في بيان صدر عنه إن “الهيئة رصدت 3.3 مليون دينار ضمن موازنتها لتنفيذ الإستراتيجية بداية العام المقبل لمدة ثلاث سنوات”، مؤكدا أن “إعداد الإستراتجية يأتي استجابة للرؤية العشرية للعام 2025 من خلال بناء قطاع خاص ديناميكي وقادر على المنافسة على الصعيد العالمي”، موضحا أن “الإستراتيجية تتضمن التركيز على قطاعات عدة أهمها، الترفيه والسياحية وتكنولوجيا المعلومات وخدمات الأعمال والكيماويات ومن ثم الطب والرعاية الصحية والعلوم الحياتية والخدمات المالية والخدمات الهندسية التصنيعية المتقدمة وبعدها القطاعات الأخرى كافة”.
المصدر: أردن الإخبارية