ورث بشار الأسد اقتصاداً اشتراكياً مثقلاً بالفقر المدقع والبطالة والفساد المستشري في أرجاء الدولة فوضع نصب عينيه تحقيق عدة وعود على الصعيد الاقتصادي منها تطبيق استراتيجية طموحة وتدريجية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتمكين اقتصاد السوق الاجتماعي، وتهيئة مناخات الاستثمار الاقتصادي بصورة أفضل وإنشاء المدن الصناعية والمناطق الحرة وتحرير التجارة، وتطوير القطاع المالي والمصرفي والترخيص لمصارف وشركات التأمين الخاصة وسوق الأوراق المالية.
ثبت للسوريين بعد فترة وجيزة من المضي في الحكم أن كل هذا الكلام ليس أكثر من حبر على ورق، وكلام معسول لاستمالة مشاعر الشعب الذي ضجّ من فترة حكم أبيه بسبب التطور الذي يشهده العالم في حين أن الاقتصاد السوري جماد لا يتحرك. كما تبين للسوريين بعد فترة رئاسية أولى أن تلك القرارات لم تكن لصالح الشعب بقدر ما كانت ضرورة ملحّة لرجالات الأسد من حوله ليزيدوا ثرواتهم ويوسعوا دائرة سيطرتهم على مقدرات البلاد.
شهد عام 2000 وصول معدلات الاقتصاد حالة مزرية حيث انخفض معدل النمو السنوي وازداد معدل نمو السكان بنسبة 2.5 بالمئة وارتفعت نسبة البطالة والتضخم المالي فحدث ركود اقتصادي خنق البلاد طولا وعرضاً وشكل تأففاً من طريقة إدارة السلطة الحاكمة للبلاد فجاء “المنقذ” بشار الأسد إلى السلطة ليُعلن عن سوريا جديدة وحقبة إصلاح ستطال الاقتصاد بالدرجة الأولى ليحقق الرفاه للشعب المضطهد، وولدت الخطة الخمسية التاسعة 2001-2005 ومهندسها عصام الزعيم وهو مفكر سوري اقتصادي ماركسي عاد إلى سوريا بعد استدعاءه من قبل بشار الأسد لإيجاد علاج للاقتصاد السوري الذي فتكت به قوى الأوليغاركية (حكم الأقلية) التابعة للأسد وتقاسمته فيما بينها، فأسندت للزعيم وزارة الصناعة وهيئة تخطيط الدولة لرفع حجم القطاع العام ومكافحة البطالة من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، واستبشر الشعب خيراً لما عُرف عن الزعيم من طيب سيرته وخبرته حيث برز كأحد ألمع الاقتصاديين الماركسيين في العالم في العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي. ولكن مجرمي السلطة ومن يلحق بهم جاهدوا لإفشاله وإلحاق الهزيمة بمشروعه لتنمية اقتصاد البلاد ونقله من الضحالة إلى الرقي حتى تسببوا له بذبحة قلبية أدت لوفاته بعد سلسلة قرارات الحجز على ممتلكاته المنقولة والغير منقولة وقيام وسائل الإعلام الرسمية بحملة تشويه وتشهير ضده.
شهد عهدُ بشار الأسد في أوله تشكل شبكات فساد من تزاوج السلطة وبيروقراطيتها مع المصالح المتداخلة لرجال الأعمال، شكل هذا التزاوج سبباً في إفشال مساعي الزعيم وغيره من الرجالات الوطنية المعارضة التي كانت تسعى للنهوض بالاقتصاد، وأدخلوا سوريا في متاهة مافوية عمادها تهميش الغير وتفقير الشعب ومع الوقت توالدت هذه الشبكة وتزايد عددها ودخل إليها مستفيدين آخرين يخدمون مصالح الشبكة وأزلامها.
وحتى لا يظهر بشار الأسد مع تلك الزمرة الطاغية حرص على ضخ إبر تخديرية للشعب من خلال فتح باب الاستثمار المباشر لرأس المال الخارجي والداخلي وسن قوانين تسمح للجامعات الخاصة بالعمل وغيرها من قوانين تمس الحياة اليومية، ليقول الناس “الحمد الله” دخل النت إلى سوريا، وتم جذب رؤوس الأموال السورية في الخارج للعودة للاستثمار في الوطن مرحّباً بهم، فتم إصدار 1200 قانون ومرسوم بين عامي 2000- 2005 عملت على جذب السوريين المقيمين في الخارج بالفعل ظناً منهم أن عهد بشار الأسد سيكون مغايراً عن عهد أبيه القمعي ولكن ما إن يبدأ رجل الأعمال بمعاملة الاستثمار حتى يصطدم مع ذلك الاخطبوط الغير مرئي لوضعه في ثنائية خشبية إما مشاركته أو اغتصاب عمله دون وجه حق، ما يؤدي برجل الأعمال أن يترجل عن استثماره ويسحب الأوراق بعد أن يكون خسر ما خسر ويعود أدراجه جاراً ذيول التشاؤم والاشمئزاز مما وجد.
حتى أكبر المستثمرين عرباً ام أجانب واجه صعوبات كادت تؤدي لإلغاء استثماراتهم، وقد يؤدي بالمستثمر ان يتكلم مع بشار الأسد بنفسه أكثر من مرة يشكو له أولئك الأشخاص الذين يحاولون عرقلة مشاريعه ولكن بدون جدوى حتى يُذعن المستثمر لرغبة زبانية الأسد في إدخالهم شركاء معه أو يوقف المشروع. كما حصل مع مشروع البوابة الثامنة التي تنفذها شركة إعمار وشركة ما وراء البحار أو كما حصل مع عدة جامعات خاصة بعد تأسيسها يتم تلفيق عدة تهم وتلبيسها للمستثمر حتى ينفر من الاستثمار ويبيعه لهم بسعر زهيد وإلا يسيطرون عليه بالقوة دون رادع فهم الأجهزة الأمنية وهم القضاء وهم الوزارات وحتى أعلى سلطة تنفذية في الدولة لها نصيب في ذلك.
أثمر انسحاب الدولة من مجالات كانت حكراً لها في قطاع الخدمات الإنتاجية وفتحها أمام باب الاستثمار للقطاع الخاص لشركات مساهمة أو في شراكة بين الدولة والشركات الكبرى عبر المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2000 رجال أعمال “أفذاذ” منهم أقوى شخصية اقتصادية في سوريا على الإطلاق والذي استغل قانون الخصخصة ليحوله إلى ” رمرمة” نسبة لاسمه رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد ومديره العام نادر قلعي، تعود ثروة مخلوف للفساد الإداري الهائل في كل الاقتصاد السوري حيث يسيطر على 60% منه وهذا رقم كاف للتعرف على حجم الفساد المستشري الذي يقوده رامي مخلوف وأزلام النظام الآخرين والتي تعود تأسيسها وفوائدها على رأس الهرم السلطوي بشار الأسد.
أسس رامي مخلوف شركة سيريتل المملوكة بالكامل له والتي تقدر أرباحها السنوية مليار دولار بالإضافة لأم تي إن التي يمتلك نصف أسهمها علماً انهما شركتا الاتصالات الوحيدتان في سوريا، واستخدم رجال المخابرات والقضاء لتخويف خصومه ورجال الأعمال من الاستثمار في مشروع ما دون إذنه ومشاركته، حتى ظهرت مقولة في سوريا “لا يمكن لأي شركة أجنبية أن تقوم باستثمار أو أعمال تجارية في سوريا من دون موافقته ومشاركته”. كما تأسست شركة الشام القابضة المملوكة من قبل السلطة الحاكمة ويديرها رامي مخلوف أيضاً، أكبر شركة للعقارات (شركة بنا للعقارات)، أكبر شركات تعهدات ( عطاءات في مجال العقارات)، أكبر المصارف ( مجموعة بنوك سورية الدولي الإسلامي وبنك بيبلوس سورية) وشركات التأمين والأسواق الحرة وشركات تسويق النفط والغاز والمنتجات الزراعية الخاصة ووكالات السيارات والأدوية والتجميل والملابس والمشروبات وغيرها.
خمسون شركة معلنة في سورية مملوكة لعائلة مخلوف، ويعد رامي مخلوف الواجهة المعروفة لهذه الثروة، فهذا الرأس الظاهر من جبل الجليد بينما تختبئ الشركات الأم المخفية والعمليات المعقدة والحسابات المصرفية وتبييض الأموال لتشكل الجزء الغير معلن عن امبراطوريتهم المالية، تم الكشف عنها في تحقيق أجرتهُ “العربي الجديد” لتكشف المستور من الحقائق بالوثائق عن الشبكة الخفية والسرية لإدارة أموال عائلة مخلوف المعروف بالخال نسبة إلى خؤولته لبشار الأسد.
ختاماً يشكل الاقتصاد السوري ما يتضمنه من استثمارات نموذجاً فريداً لاقتصاد مافوي مهمته نهب أرزاق البلاد والعباد أكثر من كونه اقتصاد بلد يعمل من أجل خلق فرص عمل والقضاء على البطالة والفقر وتحقيق الازدهار والرفاهية للشعب، الاقتصاد السوري عبارة عن كلمة تحورها السلطة العليا بإدارة بشار الأسد لشكل النظام الاقتصادي الذي يخدم مصالحها فتارة اشتراكية وتارة اجتماعية وأخرى رأسمالية.هذه الإدارة وظفت مجموعة من الرجالات من داخل وخارج السلطة لتتوالد شبكات مافوية متوسطة وصغيرة الحجم تابعة كلها للإدارة العليا من أجل تنفيذ أجندات إجرامية تسعى لتطوير أساليب سرقتها واحتكاراتها للاستثمارات والثروات في سوريا.