“محظوظ أنني إسرائيلي، هذه الدولة تفعل كل شيء من أجل مواطنيها”، هكذا كانت أول تصريحات الجاسوس الإسرائيلي “عودة ترابين” للصحفيين أمام منزله في إسرائيل، بعد عودته من سجنه في مصر، لمدة تجاوزت 15 عامًا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.
حاولت السلطات الإسرائيلية بشتى الطرق إطلاق سراحه من قبل الحكومات المصرية المتعاقبة، لكن الرفض كان هو الرد المصري الدائم، حتى أن سفراء دولة الاحتلال في القاهرة كانوا على عادة دائمة وهي زيادة عودة بشكل مستمر للإطمئنان على أحواله في سجنه بمجمع سجون طرة.
وقد تزعم البرلماني الإسرائيلي أيوب قرا، تشكيل جبهة داخل الكنيست الإسرائيلي لمطالبة الحكومة الإسرائيلية بالضغط على الحكومة المصرية للإفراج عن عودة ترابين طوال السنوات الماضية، وهو ما يُفسر أن يكون النائب البرلماني أول من يستقبل عودة ترابين بعد عودته .
كان هذا حال عودة ترابين منذ أكثر من 15 سنة بعدما قضى محكوميته بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وبقي بعدها رهن الاعتقال لرفض مصر تسليمه إلى إسرائيل متذرعة بكون أصل عودة ترابين من العريش بسيناء قبيل منحه الجنسية الإسرائيلية.
https://twitter.com/MossadNews/status/675061393708699649?ref_src=twsrc%5Etfw
لكن اليوم نجحت الحكومة الإسرائيلية في صفقة تبادل يكتنفها الغموض أن تُفرج عن جاسوسها على الأراضي المصرية مقابل تسليم مصريين اثنين معتقلين لدى إسرائيل، دون أن تعلن مزيد من التفاصيل عن هوية هذين المصريين.
ولكن من هو عودة ترابين الذي تمسكت به إسرائيل طوال 15 عامًا؟
عودة سليمان ترابين بدوي من سيناء من قبيلة الترابيين التي لها جذور فلسطينية مقسمة في تواجدها بين سيناء والنقب الفسلطينية، والده سليمان ترابين جاسوس إسرائيلي حكمت عليه محكمة مصرية غيابيًا بالسجن25 عامًا بتهمة التجسس لصالح الكيان الصهيوني، حيث هرب الجاسوس الأب إلى إسرائيل عام 1990، وهو الأمر الذي أعلنت معه القبيلة تبرأها منه.
عمل الابن على خطى أبيه في مهنة جمع المعلومات لصالح إسرائيل من الجانب المصري، حيث اعتاد التسلل إلى سيناء عبر الحدود ومن ثم أداء مهام استخباراتية والعودة مرة أخرى، إلى أن انكشف أمره بعد محاولة لتجنيد عملاء جدد داخل سيناء كان من بينهم زوج أخته التي ما زالت تعيش في مصر.
حيث دخل عودة الابن إلى سيناء عام 1999 بعدما تجنس بالجنسية الإسرائيلية هو وعائلته التي هربت مع أبيه إلى إسرائيل، تحت ستار زيارة إخوته وأبناء عمومته، مصطحبًا معه مبلغًا مزيفًا من الدولارات التي كان يستخدمها في عمليات التجنيد وجهاز اتصال إسرائيلي، وقد كشفته السلطات المصرية عن طريق زوج أخته الذي أبلغ عنه، حتى تم الإيقاع به في العريش والقبض عليه، ومن ثم حكم عليه بالسجن 15 عامًا، كان خلالها عودة الابن على رأس قائمة أي صفقة محتملة لتبادل الجواسيس مع مصر، لكن الطرف المصري تمسك برفض تسليمه.
صفقة تبادل مشبوهة
ليست هناك ثمة معلومات توضح كيف تمت صفقة التبادل هذه التي أعلنها الجانب المصري، والتي بموجبها تم الإفراج عن ترابين في مقابل الإفراج عن مصريين لم يُعلن أي من طرفي الصفقة عن هويتهما ولا أسباب احتجازهم في السجون الإسرائيلية، ولماذا تم اختيارهم بالتحديد؟.
البعض ذهب إلى أن هذه الصفقة هي أحد تجليات التنسيق الأمني التام بين مصر والكيان الإسرائيلي الذي يتصاعد منذ انقلاب الثالث من يوليو بطريقة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية، حتى وصل ذروته مع وصول الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، حيث نجحت إسرائيل فيما لم تنجح فيه مع نظام مبارك وفترة حكم المجلس العسكري، وفترة الرئيس السابق محمد مرسي بشأن الإفراج عن الجاسوس عودة ترابين.
ربط آخرون بين الإفراج عن عودة ترابين ومطالبة إسرائيل مصر بسداد 1.76 مليار دولار تعويضًا عن خسائر لحقت بإسرائيل بسبب تكرار وقف تصدير الغاز، حيث أعقبت هذه المطالبة إعلان من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أنه سيوفد مبعوثًا إلى القاهرة لإيجاد حل وسط.
لكن لا أحد يعلم ما هي ماهية الحل الوسط الذي تحدث عنه نتنياهو، الذي قد تكون أحد شروط المضي فيه هو الإفراج عن عودة ترابين، وهو الأمر الذي يضع صفقة التبادل هذه في موضع الشبهة والشك بسبب الطريقة السرية التي تمت بها دون الإعلان عن كافة تفاصيلها للرأي العام.
السجناء المصريون في إسرائيل
عدد المصريين المسجونين داخل إسرائيل غير معلوم بطريقة دقيقة، ولكن بعض المراكز الحقوقية التي تتابع الأمر تتحدث عن غالبية من السجناء الجنائيين، وترجع السفارة المصرية في إسرائيل عدم وجود إحصاء رسمي دقيق لديها لعدد السجناء المصريين في السجون الإسرائيلية، إلى أن معظمهم تجنب إبلاغ السفارة المصرية في تل أبيب بالقبض عليهم؛ لأن بينهم من دخل إسرائيل بتأشيرة سياحية ثم ظل هناك للعمل وهي مخالفة جنائية.
تضاربت الأرقام التي تتحدث عن وجود أسرى مصريين بالإضافة إلى المسجونين الجنائيين في إسرائيل، حيث قدرت بعض الأعداد الغير رسمية مجموعهم بـ 47 شخص، بينما تُشير مصادر إسرائيلية إلى أن الأعداد تخطت 280 معتقل على خلفية جنائية وآخرين في حكم الأسرى، لكن ليست هناك أي معلومة دقيقة عن كيفية وقوع هؤلاء في الأسر.
كانت أشهر الصفقات المصرية مع الجانب الإسرائيلي في هذا الصدد هي صفقة الجاسوس “عزام عزام” الذي أفرجت عنه السلطات المصرية في عام 2004 في صفقة تبادل مع طلاب مصريين اعتقلتهم إسرائيل بتهمة التخطيط لتنفيذ هجمات داخل إسرائيل.
وقد فتحت هذه الصفقة هذا الملف المغلق بعدما ادعت الحكومة المصرية أن صفقة عزام عزام كانت لإنقاذ الطلاب المصريين، لكن التساؤلات ظهرت حينها عن بقية السجناء المصريين في إسرائيل، حيث نشرت مجلة “الأهرام العربي” في مطلع 2005 تحقيقًا عن قضية المصريين في سجون الاحتلال، تحدث عن نحو 45 مصريًا مازالوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي دون محاكمات أو مساعدات قانونية.
لتفتح القضية مجددًا بعد صفقة عودة ترابين، التي أسفرت عن خروج مصريين اثنين لا أحد يعلم عنهم شيئًا، لتبقى التساؤلات مفتوحة دون إجابة لماذا لم يتم الإفراج عن المزيد من السجناء المصريين في إسرائيل؟ وما هو مصير الباقين؟، إذا كانت هذه الصفقة جادة بما فيه الكفاية، ولم تتم تحت ضغوط اقتصادية وسياسية على النظام الحالي.