يُعد شهر ديسمبر الجاري شديد الأهمية بالنسبة للبنك الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي فكلاهما يتوجب عليه إعطاء قرار فيما يخص السياسة المالية المتبعة ولذلك تترقب الأسواق المالية بعد أسبوع من الآن في 16 ديسمبر /كانون الأول اجتماع الفيدارلي الامريكي وقراراته التي ستتصدر عناوين الأخبار حال خروج رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي( البنك المركزي الامريكي) جانيت يلين في الإفصاح عمّا في جعبتها من قرارات تخص سعر الفائدة وسياسات مالية أخرى، يذكر أن الفائدة على الدولار هي 0.25 % لم تتغير منذ 2008 عندما عصفت العالم الأزمة المالية وسببت في ركود حاد في الاقتصاد العالمي.
المركزي الأوروبي اتخذ قراره في هذا الشهر بخصوص سياستة المالية وسعر الفائدة فجاء مغايراً للتوقعات ومخيباً للآمال حيث قرر رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي تمديد فترة البرنامج التحفيزي حتى شهر مارس عام 2017 بعد أن كان من المقرر أن ينتهي في سبتمر من العام 2016 بينما الأسواق أرادت من المركزي زيادةً في حجم برنامج المركزي لشراء الأصول إلا أنّ المنظم دراغي مدد برنامج التيسير الكمي وأبقى سعر الفائدة كما هو عند 0.05%. وانعكست قرارات دراغي على الأسواق الاوروبية بشكل سلبي حيث أصبيت البورصات الأوروبية بخيبة أمل لإن القرارات لم ترتقي لمستوى التوقعات فسجلت بورصة فرانكفورت انخفاضا بنسبة 3.58% وأسهم لندن انخفضت هي الأخرى بنسبة 2.27 %.
وزارة العمل الأمريكة أفادت أن الوظائف في قطاعي الخدمات والصناعة زادت بمقدار 12000 الشهر الماضي وتم تعديل بيانات سبتمبر/ أيلول الماضي وأكتوبر/ تشرين الثاني لتظهر 35 ألف وظيفة إضافية عن التقدير السابق واستقر معدل البطالة عند أدنى مستوى في سبع سنوات ونصف البالغ 5 % وأكدت هذا رئيسة المجلس الاحتياطي الاتحادي حيث قالت : “التقدم الحالي في سوق العمل يتناسب مع مسألة أن توقعات التضخم على المدى الطويل لا تزال في حدود المعقول وثابتة بشكل جيد وتميل إلى تعزيز الثقة في إعادة التضخم إلى 2% وعلاوة على ذلك فالحفاظ على سعر فائدة الأموال الاتحادية عند مستوياتها الحالية لفترة طويلة يمكن أن يشجع علىى الإفراط في المجازفة وتقويض الاستقرار المالي”
الجدير بالذكر أن مؤشر نمو الوظائف الأمريكية في شهر نوفمبر تشرين الثاني عزز توقعات المحلليين لرفع البنك الفيدرالي لأسعار الفائدة في اجتماع المركزي القادم، فهذا يؤكد على متانة الاقتصاد الأمريكي وإضافته لوظائف جديدة والمسير قدما نحو تحقيق معدلات نمو جيدة في نهاية السنة المالية. علماً أن البنك الفيدرالي الأمريكي لم يرفع الفائدة منذ نحو عشر سنوات لذلك ستكون المرة الأولى إن صحّت التوقعات.
السؤال الذي يطرح نفسه كيف سينعكس رفع أو خفض سعر الفائدة الأمريكية على اقتصاديات الدول في العالم وعلى سلع الملاذ الآمن مثل الذهب؟
بالنسبة للأسواق الناشئة عند دخول الاقتصاد العالمي في ظل الأزمة المالية عام 2008 في الركود الاقتصادي دعمت تلك الأسواق الخروج من هذا الركود وعلى رأسها الصين من خلال معدلات النمو المرتفعة التي تمتعت بها خلال السنوات الماضية، لذلك عدم رفع سعر الفائدة بمعنى (تثبيتها) من قبل الفيدرالي قد يؤجل تخارج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة. أما في حال تم رفع سعر الفائدة بمعدل عال يفاجئ الأسواق فإن الأسواق الناشئة قد تشهد عمليات تخارج رؤوس الأموال إلى اللاستثمارات الأمريكية. فيما يخص سوق العملات (الفوركس) فإن رفع الفائدة يعني ازدياد قوة الدولار مقابل العملات الرئيسية اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني والفرنك السويسري.
بالنسبة للمنطقة العربية نظراً لارتباط سعر صرف معظم العملات العربية بالدولار الأمريكي فإن الخيارات محدودة أمام واضعي السياسة النقدية،حيث لوحظ في السعودية أن أسعار الفائدة المحلية (المتمثلة في أسعار الفائدة بين المصارف السعودية) تتغير بعد تغيير البنك الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة لإن المصارف المحلية تعتمد على المصارف الدولية للحصول على تمويل بالعملة الصعبة، لذلك ارتفاع في سعر الفائدة قد يعني آثاراً سلبية على الناتج المحلي الإجمالي والناتج المحلي الإجمالي الغير نفطي فمن الناحية النظرية اذا ارتفع سعر الفائدة ينخفض الاستهلاك والاستثمار بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض لتمويل الاستهلاك والاستثمار وبالنهاية يصبح الوضع أقل جاذبية للأسر والشركات للحصول على قروض. كما أن اثار سعر الفائدة المرتفع من خلال الإئتمان المصرفي هامة حيث يزيد تكلفة رأس المال مما يقلص في نهاية المطاف من القروص المصرفية وتحديداً قد يؤدي ارتفاع سعر الفائدة بين المصارف السعودية إلى آثار سلبية على كل من الإئتمان المصرفي لقطاع البناء والتشييد وقطاع النقل والاتصالات وقطاع التصنيع والإنتاج والإتمان المصرفي لقطاعات أخرى. وفي الدول التي يهيمن عليها القطاع الخاص بشكل واضح قد يؤدي رفع سعر الفائدة إلى انخفاض في الطلب الكلي ومن ثم في الإنتاج.
فيما يخص الذهب فإن رفع سعر الفائدة سيؤثر بالسلب عليه حيث سيدفع المستثمرين للتخارج من صنادق الاستثمار المتداولة بالذهب، بحكم ارتباط الذهب بالدولار فإن قوة الدولار ستدفع الناس لسحب أموالها من الذهب لشراء الدولار وبالتالي سيعكس ذلك انخفاضاً على أسعار الذهب. علماً أن الذهب سجل سابع هبوط له في ثمانية أسابيع مع تقليص المستثمرين مراكزهم من المعدن الأصفر إستعداداً لزيادة مرتقبة في أسعار الفائدة، سجلت أسعار الذهب اليوم 1065 دولار للأونصة لذلك من المتوقع أن تؤدي أول زيادة في الفائدة الأمريكة في حوالي عشر سنوات إلى تقويض الطلب على الذهب.
تتوقع جانيت يلين رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية وكان البنك الدولي قد بعث برسائل للبنك الفيدرالي يناشده بعدم رفع سعر الفائدة هذا العام مما يعزز نظرية تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع القادم، أما البنك الدولي فقد حذر الإدارة الامريكية من رفع أسعار الفائدة خلال العام الجاري مرجحاً أن يتسبب ذلك في مزيد من المخاطر السياسية والاقتصادية التي تواجه واشنطن.
ختاماً لقد أظهرت محاضر اجتماع لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي الامريكي خلال الأشهر الماضية أن مسؤولي البنك يريدون رؤية مزيد من العلامات على تعافي الاقتصاد الأمريكي قبل رفع أسعار الفائدة، مسؤولي البنك المركزي الأمريكي اليوم أكثر ثقة في أن الظروف الاقتصادية تشير إلى ضرورة رفع سعر الفائدة ففي محضر اجتماع أكتوبر جاء فيه أن الظروق الاقتصادية ربما “ستكون مواتية” خلال انعقاد الاجتماع القادم في ديسمبر/ كانون الاول حيث يشهد سوق العمل تحسناً وتتجه معدلات التضخم إلى هدفهم السنوي البالغ 2%.