أعدّ معهد ماكينزي تقريرًا عن السوق السعودية وكيف يمكنها الاستفادة من المدخرات الضخمة الناجمة عن طفرة ارتفاع أسعار النفط وكيفية تحول البلاد نحو اقتصاد أكثر استدامةً وأقل اعتمادًا على النفط، حيث تمحورت الدراسة حول إعادة هيكلة لنموذج إدارة اقتصاد البلاد من خلال التركيز على “الاستثمار والتحول نحو الإنتاجية” في بيئة العمل في المملكة؛ ما سيمكّن المملكة من ضمان معدلات نمو مرتفعة في المستقبل وإضافة فرص عمل إلى السوق للقضاء على البطالة وتحقيق الرخاء والازدهار في عموم المملكة، والافتكاك من المراهنة على أسعار النفط كل سنة في رسم موازنة الدولة على تقدير سعر وسطي لبرميل النفط.
أدى ارتفاع أسعار النفط بين عامي 2003 – 2013 إلى انتعاش الاقتصاد السعودي وجعل تصنيف المملكة في المرتبة الـ 19 بين الاقتصاديات الكبرى في العالم، ما أهّلها أن تحضر مؤتمرات دولية يجتمع فيها أقوى 20 اقتصادًا في العالم، وقفز الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى الضعف وارتفع دخل الأسرة بنسبة 75% وتم إضافة 1.7 مليون وظيفة في السوق خلال تلك الفترة بما في ذلك وظائف للنساء السعوديات، فاستثمرت الحكومة بكثافة في التعليم والصحة والبنية التحتية وعززت احتياطياتها النقدية فازدادت 100% بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي في حلول العام 2014.
لا تستطيع المملكة اليوم الاعتماد على إيرادات النفط والإنفاق العام من أجل زيادة النمو كما كانت تفعل في الأعوام الماضية، حيث تشهد أسعار النفط اليوم انخفاضًا حادًا بسبب سياسات الدول المنتجة للنفط والتي تعتمد على إغراق المعروض في السوق لاعتبارات تتعلق بأسباب اقتصادية في كل بلد، إضافة لذلك التحولات الديموغرافية في المملكة حيث من المتوقع أن تزيد نسبة الشباب في سن العمل بشكل ملحوظ في عام 2030 علمًا أن معدل مشاركة الشباب من العمالة الحالية هو 41% ومعدل النمو الإنتاجي 8% من عام 2003 حتى عام 3013.
تناول التقرير الاقتصاد السعودي والعمالة بالإضافة إلى القطاع المالي، وبحسب التقرير فإن المملكة إذا استجابت للتحديات التي تواجهها بالطريقة المعتادة كتغيير السياسة المالية مثل تجميد الميزانية أو فرض قيود على الوافدين العرب والأجانب؛ فإن البطالة سوف ترتفع بشكل دراماتيكي ودخل الأسرة سوف ينخفض والوضع المالي للحكومة سوف يتدهور، أمّا وفقًا لنموذج “الاستثمار والإنتاجية” المطروح في التقرير سوف يقود الاقتصاد لتمكين المملكة العربية السعودية من مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي مرة أخرى وخلق ما يقرب من 6 مليون فرصة عمل في السوق في حلول عام 2030، ومن أجل تحقيق هذه النتائج سيتطلب من الحكومة تشغيل 4 ترليون دولار في الاستثمارات في ثمانية قطاعات والعمل على هذه القطاعات يمكّن الدولة من خلق 60% من فرص النمو في المملكة خلال العقود المقبلة، هي: قطاع المناجم والمعادن، قطاع البتروكيماويات، قطاع التصنيع، قطاع مبيعات التجزئة والجملة، قطاع السياحة، قطاع الرعاية الصحية، قطاع التمويل، وقطاع البناء.
تحتاج المملكة من أجل تمكين هذا النموذج إلى تسريع التحول من طريقة الإدارة المركزية لاقتصاد البلاد إلى طريقة السوق الحر، فمشاركة الرجال والنساء السعوديين في العمالة بشكل فاعل أكثر يؤدي لتحقيق دخولات أعلى للأسرة السعودية، ومن أجل تسريع النمو في الإنتاجية يتطلب هذا من القيادة السعودية تحسينات في الأنظمة والقوانين التي تحكم الأعمال وانفتاح وتشجيع أكثر على المنافسة والتجارة والاستثمار، وفي سبيل تحسين الإنفاق العام وتنويع مصادر الدخل واستدامة النظام المالي في المملكة يتطلب ذلك فرض ضرائب على بعض السلع والخدمات وتسعير أعلى في المنتجات النفطية في الأسواق المحلية حيث تصنف أسعار البترول (البنزين والمازوت) في المملكة من أرخص الأسعار مقارنة بالأسعار في العالم.
كما يتطلب من المستثمرين في القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء أن يعملوا معًا من أجل إنجاح هذا النموذج، وعلى الدولة السعودية أن تعتمد على إيصال فلسفة جديدة للسوق من خلالها تتبنى الأعمال في بيئة تنافسية أكثر، وعلى المواطن السعودي أن يأخذ على عاتقه مزيدًا من المسؤولية للعمل من أجل ازدهار بلده.
من المؤكد أن عملية الانتقال إلى النموذج الجديد هذا ستكون صعبة وفيها تحد كبير، ولكن ستلحظ المملكة نموًا وازدهارًا في الاقتصاد والتوظيف ما يجعله أكثر مرونةً واستقرارًا وديمومة من تلك السنوات التي شهدت طفرة في أسعار النفط في العقد الماضي، لدى المملكة العربية السعودية القدرة على مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 على الرغم من كل التحديات التي تظهر أمامها.