بعد تفكير و بحث توصلت أن المهم هو أن تجد “الخبر الصحيح” وسط هذا الكم الهائل من الأخبار و الإشاعات، و بعد فترة قليلة من وصولي لنتيجتي هذه بدأت أقرأ بعض الكتب “لناعوم تشومسكي” و لآخرين كلها عن كيفية توجيه الرأي العام و السيطرة عليه من خلال الإعلام التي تسيطر عليه مؤسسات عِدة منها المؤسسة العسكرية.
علي الرغم من أن تلك الكتب كانت تتحدث عن تجربة السلطة الأمريكية و سيطرتها علي شعبها و كيفية توجيهه من اليمين إلىٰ اليسار و العكس و ذلك كله دون أن يشعر الشعب أن ” تمثال الديموقراطية” قد مُسّ بسوء.
حينها عرفت أن ذلك “الخبر الصحيح” قد يكون صحيح في ذاته، خاطيء في مقصده و موجّه للرأي العام عند نشره، و لأنني علي ثقة من دور المخابرات الأمريكية في الإنقلاب فلا استبعد أن الأخبار الصحيحة قد تكون مضللة أكثر من تلك الخاطئة !
عندها وصلت لنتيجة أن الخبر الصحيح مهم جداً لكن الأهم هو تحليل الخبر و تحليل وقت النشر و البحث عن الأسباب، فإن لم تجد سبباً مقنعاً فاعلم أن الأمر مازال مبهماً فلا تتخذ رأياً بشأن الموضوع.
كمثال عملية القبض علي قيادات جماعة الإخوان و توقيتها، بمعني أنني كمخابرات عامة مصرية أو مخابرات أمريكية من المهم جداً بالنسبة لي أن يكون الرأي العام مشوشاً، هل تم القبض على فلان أم لا ؟ و حتي الخبر الصحيح و هو أنه تم القبض عليه فعلاً يجب أن يأتي في توقيت مناسب لي لتوجيه رأي مؤيدي و رافضي الإنقلاب لمربع كلٌ منهم ظنّ أنه إختاره لكنه في الحقيقة فُرِض عليه، فالمخابرات تعرف أماكن كل القيادات من أول يوم بعد فض #رابعةلكنها تجعل الخبر الصحيح و هو القبض علي فلان في وقت ما يجعل من الخبر الصحيح خاطيء المقصد، فإما أن يكون الخبر لافتاً للانتباه بحيث يغفل الناس عن موضوع آخر أكثر أهمية و إما أنا يكون الخبر كاسراً لنفوس البعض و في الحالتين أن الرابح الوحيد كمخابرات.
الحصول علي المعلومة الصحيحة مهم ثم الأهم هو تحليلها فإن لم تجد تحليلاً مناسباً لمصدر و توقيت المعلومة فلا أقول لك كذّبها لكن لا تصدقها بنسبة كبيرة، فتصديق المعلومة التي اتفقنا أنها أصلاً صحيحة هو ما يريده الذي يفصح لك عنها دون معرفة أسبابها لكي تتخذ موقفاً ما بناء عليها هو في الأصل يريده منك.
و هناك معلومة هي صحيحة في ذاتها لكنها غير مقنعة عند تحليلها، المعلومة هي “مرسي كان ضعيف الشخصية في فترة حكمه” المعلومة صحيحة أليس كذلك ؟! نعم هي صحيحة ١٠٠٪ لكن تحليل معلومةٍ كذلك ليس مقنعاً، فشخص مثله كان قبل حكمه برلمانياً قوياً ثم بعد الثورة رئيساً لحزب الحرية و العدالة بشخصية قوية لا يختلف عليها إثنان.
و بعد الإنقلاب كذلك أظهر صموداً و ثباتاً و قوةً بشكل غير معقول، حتي أثناء حكمه كان “خارجياً” مع الدول الأخري ذو شخصية ليست بالضعيفة أبداً !
لكنه داخلياً كان ضعيفاً جداً، هي معلومة صحيحة لكن تفسيرها مبهم، لهذا لا تتخذ رأياً ما بناء معلومة ليس لها تفسير مقنع، هناك أسباب جعلته ضعيف، أسباب لا تراها الآن أو أنك تراها، المهم هو أنه عند غموض الأسباب اعلم أن رأيك قد تم توجيهه و لو بدا لك غير ذلك ! فمن أعطاك معلومة صحيحة و لم يظهر لك أسبابها له غرض في هذا.
معلومة أخري صحيحة “مرسي كان ديكتاتورياً لا يأخذ برأي مستشاريه” الخبر صحيح و جعل أغلب مستشاريه يستقيلون، لا أتحدث عمن إستقال للمزايدة، بل أتحدث عن الشرفاء الذين رفضوا البقاء معه لكنهم نصروه عندما كان الحق معه و الدكتور “سيف عبدالفتاح” مثال عن الشرفاء.
معلومة كهذه كلنا شعر بها فعلاً و تأكد أنها صحيحة لكنه كذلك غير مفسره و مبهمة المعالم، فمرسي كشخص يتبني فكر الإخوان و تربي وسطهم منذ نعومه أظافره، و من أهم مباديء الإخوان هي تلك “الشوري” التي قد نختلف أحياناً علي طريقة تطبيقها، لكنها أهم أساس من أسس إدارة الإخوان لجماعتهم، فالشوري أساس صلب و الإلتزام بها أمر لا نقاش فيه !
مرسي أصلاً دخل السباق الرئاسي “كإستبن” كما يقولون بناءً علي تلك الشوري التي فرضت عليه أن يرضي لنفسه أن يكون بديلاً.
ثم فجأة يكون هذا الشخص ديكتاتورياً لا يأخذ برأي أحد حتي أن بعض الإخوان كانوا يُصدمون بقراراته و خطاباته، الأمر غير واضح المعالم لهذا فمن المؤكد أن رأيي ستشوبه بعض الأخطاء حتي و إن اعتمدت علي معلومات صحيحة.
المعلومات السابقة تجعل “مرسي” مخطيء لكنها قد تجعلنا كذلك نفهم الخطأ عندما نحللها التحليل الصحيح و نجد التفسير المقنع للمعلومات الواردة.
أؤكد أن فهمك لأسباب خطأ من أمامك لا تعفيه من المسئولية أو ترفع الحرج عنه، لكنها ترفع الحرج عنك أنت أن تُحمّل المخطيء فوق طاقته.
الأخبار كثيرة أغلبها خاطىء و بعضها صحيح، فقم بتنقية الأخبار ثم تحليلها و تفسيرها ثم كوّن الرأي، قم بهذا لكي تحافظ علي حريتك في الرأي و التعبير التي تنادي بها، قم بهذا لكي لا تُساق و أنت تظن أنك حرٌ، قم بذلك كي لا نكون كالشعب الأمريكي !