يبدو أن عاصفة الحزم التي هبت رياحها العاتية على اليمن لمواجهة النفوذ الإيراني “السرطاني” المتصاعد في المنطقة، لم تكن تستهدف اليمن فقط، فقد سارعت الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية لمواجهة التغلغل الإيراني كذلك في أفريقيا، تلك القارة التي تغلغلت فيها إيران حتى النخاع، فإيران قد توسع نفوذها في أفريقيا، خصوصًا بعدما أنفقت عشرات المليارات في نشر التشيع في البلدان السنية الأفريقية، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر والحرب العالمية على جمعيات الإغاثة الإسلامية، تلك الحرب التي لم تطل إيران من قريب أو من بعيد.
ولكن أخيرًا أدركت هذه الدول أن الأمن الإستراتيجي الخليجي يبدأ من أفريقيا عمومًا والقرن الأفريقي خصوصًا، وأن عليهم بذل جهود سريعة لمحاصرة نفوذ طهران في مختلف بلدان الضفة الأفريقية المقابلة لساحل الجزيرة العربية (القرن الأفريقي)، فهذه المنطقة كانت خلال العقدين الماضيين بمثابة “حديقة خلفية” لنظام الملالي، تستخدمه لاختراق البلدان الأفريقية، وتعزيز عملياتها الاستخباراتية، والأخطر أن الأمر امتد إلى استئجار الحرس الثوري الإيراني جزر إريترية في البحر الأحمر لتدريب عناصر من المليشيات الحوثية ومليشيات شيعية “عربية” بهدف زعزعة أمن المنطقة، هذا فضلًا عن محاولات “التشييع الممنهجة” للمسلمين السنة في هذه المناطق المنسية.
ويستبعد المراقبون حسم التحالف العربي معركته في اليمن بحرًا دون مساعدة دول جنوب البحر الأحمر في القرن الأفريقي، وعليه؛ فإن المساعي السعودية تصب جميعها لمصلحة التحالف وإحداث هذا النوع من التوازن الأمني والعسكري في المنطقة.
مواجهة النفوذ الإيراني في السودان
المؤكد أن ارتفاع وتيرة التواصل السياسي بين القيادة السودانية والقادة الخليجيين يعكس رسوخ قناعة لدى الخرطوم بأن مصلحتها مرتبطة بدول الخليج وليس بإيران، وقد شهدت العلاقات السودانية – الإيرانية مؤخرًا توترًا جديدًا بعد انضمام السودان إلى التحالف العسكري بقيادة السعودية في اليمن، حيث انتقد وزير الخارجية الإيراني، حسين عبداللهيان، مشاركة قوات سودانية في اليمن، قائلًا إنها “لن تجدِ نفعًا”، وذلك في أول تعليق رسمي من مسؤول إيراني ضد الخرطوم، منذ شروع الأخيرة في تحجيم علاقتها مع طهران، والذي تجلى عندما أغلقت المركز الثقافي الإيراني وطرد موظفيه سبتمبر 2014.
وقالت صحيفة “وورلد تريبيون” الأمريكية: إن إيران ربما تفقد قبضتها على بوابتها إلى أفريقيا، وذلك بتقرب السودان بشكل أكثر للسعودية، وأبرزت إعلان وزير المالية السوداني، قبل أيام، تلقي البنك المركزي السوداني في شهرين وديعة سعودية بمليار دولار، واعتبرت أن مكاسب السودان كانت متوقعة بعد انضمام الخرطوم للتحالف الذي تقوده المملكة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وأضافت أن إيران والسودان لم تكونا أبدًا حليفتين إستراتيجيتين، لكنهما أقامتا خلال العقود القليلة الماضية علاقات عسكرية واقتصادية ودينية، وتحدثت الصحيفة عن أن أول إشارة كشفت عن شقاق في العلاقات بين البلدين ظهرت في سبتمبر 2014، عندما أمرت السودان بإغلاق كافة المراكز الثقافية الإيرانية على أرضها، وأعطت الدبلوماسيين الإيرانيين مهلة 72 ساعة لمغادرة أراضيها.
هذا التحول الكبير في علاقة السودان مع السعودية أحدث اختراقًا مهمًا يحسب لدبلوماسية المملكة التي تمكنت من نقل علاقات الخرطوم مع محيطها العربي إلى عهد جديد، بعد فترة من الجفاء مع بعض الدول، والبرود مع دول أخرى على خلفية العلاقات المتينة التي ربطت السودان بإيران طيلة سنوات.
جيبوتي وإريتريا
السعودية بالفعل قد اتخذت من جيبوتي قاعدة عسكرية للحصول على تسهيلات واسعة لتقديم الدعم العسكري لقوات التحالف العربي في عملياتها العسكرية، حيث تستخدام قوات التحالف العربي ميناء جيبوتي لإرسال الإمدادات العسكرية عبر البحر إلى ميناء عدن وموانئ جنوب الجنوب اليمني، وكذلك المساعدات الإنسانية والاقتصادية والوقود.
وقال رئيس وزراء جيبوتي، عبد القادر كامل، في كلمته بهذه المناسبة، إن الدعم السعودي لقوات خفر السواحل الجيبوتية “سيسهم في أمن البحر الأحمر من خلال تعزيز قدرات القوات البحرية الجيبوتية، فقرب جيبوتي من باب المندب الذي يعتبر الممر الرئيس للتجارة العالمية، يشكل أهمية كبرى، وسنلعب دورًا كبيرًا في محاربة القرصنة والإرهاب وحماية الملاحة الدولية”.
كما كشفت مصادر دبلوماسية عن توصل السعودية مع إريتريا إلى اتفاق تعاون عسكري وأمني واقتصادي لمحاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعة والقرصنة في مياه البحر الأحمر، وعدم السماح لأي تدخلات أجنبية في الشأن اليمني، وذلك خلال زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى السعودية.
خبراء ومحللون أكدوا أن خطوات الرياض جاءت إثر أنباء عن استقبال إريتريا لقوات وبارجات إيرانية في موانئها لتعزيز موقف الحوثيين ودعمهم في شن مزيد من الهجمات ضد السعودية، كذلك أشارت مصادر إلى أن طائرات عمودية (هليوكوبتر) سعودية عبرت الأجواء الجيبوتية قادمة من الأجواء الإريترية بالتزامن مع زيارة الرئيس الإريتري للرياض، حيث تفقدت تلك الطائرات ميناءي عصب ومصوع وعدة جزر إريترية متاخمة لليمن.
إثيوبيا وإغلاق الطريق على صالح
لم تتوقف مساعي السعودية في تعميق علاقاتها بدول القرن الأفريقي عند جيبوتي وإريتريا فحسب، بل استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز، رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام دسالني، وقد أشارت مصادر رفيعة إلى أن الرياض تسعى إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها بهدف إحداث توازن إسترتيجي في المنطقة، وتنوعت مباحثات الطرفين في مختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية، بالإضافة للمجال الزراعي، وتعزيز التبادل التجاري بينهما، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأحداث في المنطقة.
ويبدو أن هذه المساعي آتت ثمارها سريعًا فيما يتعلق بالملف اليمني، حيث أبلغت الرياض “دسالني” رفضها فكرة لجوء الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح إلى إثيوبيا، وأكدت أن مصيره يقرره الشعب اليمني وسلطته الشرعية المتمثلة في الرئيس هادي، ومن ثم فقد ألغت إثيوبيا فكرة لجوء صالح إليها حال طلبه ذلك.
ليس هذا فحسب فوفقا لمصادر أفريقية، فإن الرياض وعواصم خليجية ستشهد زيارات رسمية صومالية وتشادية، تأتي ضمن السياق ذاته أي “صيانة أمن دول الخليج العربي”.
إذا فنحن أمام مرحلة جديدة لمواجهة التهديدات الإيرانية في الإقليم ككل، وقد قررت السعودية المقارعة وعلى أكثر من صعيد، فالمواجهة الناعمة لن تشمل شرق أفريقيا فقط وإنما غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي كذلك، فهذه المنطقة شكَّلت في وقت سابق رئة بديلة لإيران طيلة فترة العقوبات والعزلة الدولية، فهل ستنجح بلدان السعودية ومعها بلدان الخليج في تحركاتها أم لا؟ هذا ما سنعلمه عن قريب.