شهدت العاصمة السعودية الرياض، حراكًا لقوى الثورة السورية هو الأول من نوعه، حيث اجتمعت القوى السياسية السورية المناهضة لنظام الإجرام الأسدي القابع في دمشق وبالأخص الفصائل الثورية المسلحة العاملة على الأرض ومنها الكتائب الإسلامية الرئيسية.
ومن أهم الجهات العسكرية التي شاركت في المؤتمر: حركة أحرار الشام الإسلامية، جيش الإسلام، نور الدين زنكي، الجبهة الجنوبية، فيلق الشام، الفرقة الساحلية الأولى والثانية، وغيرها من فصائل الجيش الحر، وكان هدف الاجتماع الرئيسي توحيد الكيانات الثورية السياسية والعسكرية وتشكيل وفد منها يتمتع بتخويل ورؤية واحدة إزاء مستقبل البلاد، وقد أكدت المملكة العربية السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير أن “بشار الأسد أمام خيارين: إما أن يترك السلطة عبر المفاوضات وهذا أسرع وأسهل، أو عبر القتال”.
وقد أكد الأمير محمد بن نايف في لقاء جمعه مع ممثلي الفصائل العسكرية السورية بالرياض على هامش فعاليات المؤتمر، أن السعودية لن تتخلى عن شعب سوريا تحت أي ظرف، وتعهد بالدعم غير المحدود للثورة السورية، سواء نجح مؤتمر الرياض أو لم ينجح، وتابع “نحن معكم وإلى جانبكم حتى تحقيق طموحات الشعب السوري البطل، مهما كلفنا ذلك من ثمن”، مشددًا على القول “ارفعوا سقف مطالبكم، وإياكم أن تفرطوا بدم الشهداء، أو أي ذرة تراب من سوريا ووحدة أرضها وشعبها”.
وبالفعل توصلت المعارضة السورية إلى اتفاق على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد وعصابته في بداية المرحلة الانتقالية، وأكدت التزامها بالحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وإعادة هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية، والتمسك بوحدة الأراضي السورية، وضرورة بناء دولة عادلة، لا تستثني أيًا من مكونات الشعب السوري، وأكدوا على رفض الميليشيات الطائفية الموالية للنظام.
أما حركة أحرار الشام، الحركة الأبرز من فصائل المعارضة السورية، فوضعت شروطًا قبل حضورها للمؤتمر أهمها “تطهير كامل الأراضي السورية من الاحتلال الإيراني وكافة القوات الأجنبية في سوريا، إسقاط النظام بأركانه ورموزه كافة وتقديمهم لمحاكمة عادلة، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية”، وقد اعترضت الحركة على منح هيئة التنسيق الوطنية المحسوبة على النظام دورًا في المؤتمر، الأمر الذي شكل اختراقًا واضحًا وصريحًا للعمل الثوري بحسب الحركة، ولذا فقد أعلنت انسحابها من المؤتمر، ثم ما لبث أن وقع ممثلها ومسؤول علاقاتها الخارجية لبيب النحاس بعد مشاورات مع مجلس شورى الحركة في الداخل السوري وبعد تطمينات من قيادات سعودية، وكما قال الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي: فإن “اجتماع المعارضة السورية في الرياض يأتي لقطع الطريق أمام أي محاولات لصبغ الثورة السورية بالإرهاب، هذا ما يسعى إليه الروس بقصف مقرات الثوار بمختلف أطيافهم، بينما يتركون تنظيم داعش”.
والحق أن مؤتمر الرياض، جاء في وقت حاسم، لرص صفوف الجماعات الثورية السورية، حيث إن الهدف من المؤتمر كان إعداد فريق للتفاوض باسم الثورة السورية وإبطال الحجج الروسية التي تقول بأنه لا يوجد من يتم التفاوض معه، ولكن هذا التفاوض وعلى مسؤوليتي لن يحدث وإن حدث فسيفشل، لأن روسيا وإيران متمسكتان بالأسد وإن تخلتا عنه فسيأتيان بأحد أركان نظامه وهذا ما لن يقبله الشعب السوري أبدًا.
فعربدة القيصر المتهور بوتين والتواطئ الغربي الواضح (المتمثل في منع مضادات الطائرات عن الثوار) يؤكد أن هناك ما يحاك لتلك الثورة اليتيمة، فالغارات الروسية التي تحرق الأخضر واليابس في كل المدن الثائرة، واستقدام الغواصات والسفن الحربية ومنظومة s400 وزج إيران بعشرات الآلاف من الحرس الثوري الإيراني والمليشيات اللبنانية والأفغانية والباكستانية والعراقية الشيعية، ولقاء بوتين وخامنئي في إيران، كلها عوامل مجتمعة تؤكد أنهم يسعون لما أعلن عنه وزير الخارجية الروسي لافروف من سنتين والذي يتلخص في هذه العبارة “لن يحكم السنة سوريا”، والخطة “ب” جاهزة، فإذا لم يتمكنوا من الحفاظ على سوريا الحالية، سيتجهون لما يعرف الآن باسم سورية “المفيدة” التي تشمل الساحل السوري بما فيه جبلي التركمان والأكراد واللاذقية وطرطوس وأجزاء من حماة وحمص والقلمون ودمشق.
وما يؤكد ذلك أن رد الديكتاتور الطائفي بشار الأسد على المؤتمر كان وقحًا كالعادة إذ قال: “الولايات المتحدة تريد أن تشارك جماعات إرهابية في محادثات سلام اقترحتها قوى عالمية، وأنه لا يعتقد أن أحدًا في سوريا يمكن أن يقبل مثل هذه المحادثات”، وتابع “عندما تكون الجماعات مستعدة لتغيير منهجها والتخلي عن سلاحها فإننا مستعدون، أما أن نتعامل معها ككيانات سياسية فهو أمر نرفضه تمامًا”.
الأسد هنا ينقل وجهة النظر الإيرانية والروسية لأنه لم يعد إلا ناطقًا بأسماء من يحمونه من الثورة السورية، وعليه فلا حل في سوريا سوى الحل العسكري، فعلامات الساعة لدى الشيعة المتعلقة بأرض الشام خصوصًا والمنطقة عمومًا ستجعلهم يرفضون أي حلول سوى بقاء الحكم الطائفي في سوريا حتى لو وافق بشار على أي حل، أما الروس فأيقنوا بعد شهرين الآن من الإجرام أنهم قد زرعوا في الشام كراهية لهم ستستمر إلى يوم الدين، وأن تلك النار التي زرعوها في الشام والقرم سيحصدونها في القوقاز وفي قلب ديارهم، وهذا يعني أننا أمام كرة لهب ستزداد اشتعالاً وستحرق نيرانها كل من ساهم في قصف الأبرياء بالبراميل المتفجرة وصواريخ “السكود” و “الأسلحة الكميائية” و”الفسفور الأبيض”، وإن غدًا لناظره قريب.