سياسة الصين الخالية من الشروط نجحت في جذب النخب الأفريقية

جاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي أقيم هذه السنة بجنوب أفريقيا ليؤكد على تماسك ودفئ العلاقات بين الصين والدول الأفريقية في الآونة الأخيرة التي تزايدت بازدياد قوة الصين الجيوسياسية والاقتصادية ووقوف الولايات المتحدة عاجزة عن حل المشاكل المزمنة التي تعاني منها القارة الأفريقية.
لدي بعض الملاحظات أريد صياغاتها في شكل مقالة تتمحور حول الدور الصيني في أفريقيا ونظرتها للعلاقات بنظيرتها في القارة الأفريقية، آفاق هذه العلاقة ونظرة الدول الأفريقية للمعطى الصيني.
الملاحظة الأولى أن سياسة الصين ما بعد الإصلاح والانفتاح سياسة براغماتية ولكنها ليست نفعية، ومن ثم فإن الصين عندما تكثف تعاونها وعلاقاتها مع أفريقيا تريد تحقيق مصالح جوهرية ومكاسب حقيقة لها، ولكن في ذات الوقت تحقيق مصالح ومكاسب للطرف الآخر بتعظيم الاستفادة من إمكانات كل طرف، وفي الحالة الصينية الأفريقية تتمتع الصين بمزايا عالية في مجال التقنيات ورأس المال والخبرات الفنية، وتتمتع أفريقيا بتفوق في الموارد الطبيعية وإمكانات التنمية والتطوير والأسواق.
الملاحظة الثانية أن الصين لا تنظر إلى أفريقيا من منطلق المصلحة الاقتصادية وحسب، وإنما من منظور شامل في إطار إستراتيجي أوسع كثيرًا، يشمل مجالات التعاون السياسي على الصعيد الدولي وتأمين إمدادات الطاقة ومكافحة الإرهاب والأعمال الهدامة، وخير شاهد على ذلك هو وجود القطع البحرية الصينية على الشواطئ الأفريقية في الساحل الصومالي من أجل التعاون مع قوى دولية أخرى في مكافحة عمليات القرصنة في البحر الأحمر، هذا يعني توسع إطارها الإستراتيجي ليشمل نطاقات أبعد من محيطها الأسيوي.
الملاحظة الثالثة أن تاريخ العلاقات الصينية قديمًا وحديثًا لم يعرف أي خلافات جوهرية وليس للصين ماض استعماري في أفريقيا؛ ومن ثم فإن علاقات الطرفين تخلو من الحساسية والمخاوف والشكوك.
الملاحظة الرابعة أن هناك تكاملاً مثاليًا لاقتصاديات الطرفين، حيث تتوفر تقريبًا لدى كل منهما احتياجات الآخر؛ فالصين لديها رأس المال والتقنيات وتمر بمرحلة نمو اقتصادي في حاجة إلى موارد عديدة، وأفريقيا أرض بكر للاستثمارات ومتعطشة لتقنيات تناسب ظروفها وبحاجة لشريك دولي يستثمر وينمي مواردها دون أن تكون له مطامع أبعد من الاستفادة الاقتصادية المشتركة.
الصين تريد إذن من أفريقيا أن تكون الشريك الأبدي لها، وتحتاج الموارد الأولية المتوفرة في أفريقيا وفي مقدمتها النفط، وتريد مجالاً أرحب لاستثمار فوائضها المالية التي تبلغ 2.13 تريليون دولار أمريكي، وأسواقًا لكثير من منتجاتها التي لا تناسب الأسواق الأكثر تطورًا في أوروبا وأمريكا الشمالية، ولكن الصين لا تريد كما فعلت القوى الاستعمارية الغابرة أن يكون لها وجود يحمل أي صفة استعمارية ولا تسعى إلى فرض نفوذها وتوجهاتها ومبادئها ونظمها الاجتماعية والسياسية أو الثقافية في أفريقيا.
الصين تريد تحقيق الربح المشترك ولهذا فإن المحاولات الغربية والادعاءات بأن الصين تمارس استعمارًا جديدًا في أفريقيا لم تفلح في أن تجد من يسمع لها في أفريقيا.
هذا ما تريده الصين، فماذا تريد الدول الأفريقية؟
إن الشعوب الأفريقية التي ذاقت مرارة الاستعباد والاستعمار واستنزاف مواردها صار لها من الوعي والفطنة بحيث يمكنها أن تميز بين من يأتيها رافعًا شعارات براقة ويضمر أهدافًا خفية ومن يأتيها طالبًا المشاركة في ثمار الاستثمار.
إن خبرة الأفارقة مع الغرب خلال مئات السنين علمتهم دروسًا عديدة، وأتذكر ما قاله عميد السلك الدبلوماسي الأفريقي السابق لدى الصين إيليه إيليه إتيان: “إن من يروجون لمقولة الاستعمار الصيني الجديد، إنما يهينون أبناء القارة السمراء أكثر، خاصة وأن من يردد تلك المقولات هم الذين ما زالت لحوم الأفارقة عالقة في أظافرهم وما زالت ندوب ظلمهم موجودة في أفريقيا”.
هناك العديد من الاعتبارات التي يجب أن تراعيها الصين في علاقتها مع أفريقيا حتى تواصل هذه العلاقات نموها وازدهارها، ولتكون نموذجًا لعلاقات صحية سليمة وحيوية بين الدول النامية ومن هذه الاعتبارات:
أولا: أن تحرص الصين على توعية أبنائها من المستثمرين أو التجار أو العاملين في أفريقيا على مراعاة الحساسية الأفريقية تجاه أي ميول أو نزاعات سيطرة أو استعلاء قد تكون غير متعمدة، ولكنها تترك أثرًا بالغ السوء لدى الأفارقة على خلفية ماضيهم مع الاستعمار الغربي.
ثانيًا: أن تتحمل الشركات الصينية العاملة في أفريقيا واجباتها الاجتماعية، وأن تعتبر جزءًا من عوائدها وأرباحها حقًا للمجتمعات التي تحتضنها وذلك من خلال تبني مبادرات العمل الخيري في مجالات مختلفة حتى يشعر المواطن العادي في تلك المجتمعات بقيمة الاستثمار الصيني ونفعه على المستوى الوطني والشخصي.
ثالثًا: أن تكون الاعتبارات البيئية في أولويات المشروعات التي تقيمها الصين في أفريقيا، حيث تتزايد الهواجس البيئية يومًا بعد يوم على المستوى العالمي؛ لذا وجب العناية والتركيز على إيجاد السبل والطرق الناجعة لضمان محيط بيئي يتماشى مع تطلعات الشعوب الأفريقية.
رابعًا: أن تتجاوز مبادرات الصين لتدريب الكوادر والإطارات الحكومية لتشمل كافة أطياف المجتمع المدني حتى يتحقق التواصل مع الفئات الاجتماعية.
ختامًا يمكن القول إن الصين متمسكة دائمًا في علاقاتها مع الدول الأفريقية بمبدأ الاحترام المتبادل وقاعدة التعامل المتكافئ، وتعتبر الصين تعزيز العلاقات مع الدول النامية من أساس سياستها الدبلوماسية، ومن ثم فإن العلاقات مع أفريقيا التي تضم معظم الدول النامية “ركيزة أساسية لعلاقات الصين الخارجية”.