لا تزال وسائل الإعلام العربية والغربية تطالعنا بين الفينة والأخرى بأخبار غير دقيقة عن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، فقد أفادت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية الأربعاء 9 ديسمبر أن أبا بكر البغدادي فر إلى مدينة سرت الليبية إثر نجاته من غارة جوية في العراق حتى لا تلاحقه المخابرات العراقية، كما كشفت وكالة فارس الإيرانية أن البغدادي كان يقيم في تركيا في الفترة الأخيرة لتلقي العلاج.
وسائل الإعلام العربية تناست مصدر الخبر الذي نقلت عنه صحيفة “ديلي ميل” البريطانية وهي جريدة الشروق الجزائرية التي جاء في إحدى مقالاتها نقلاً عن بعض المصادر الليبية وجود معلومات في مدينة سرت تؤكد وصول أبي بكر البغدادي الخميس 3 ديسمبر إلى المدينة بشكل مفاجئ.
الخبر الذي هز وسائل الإعلام العربية هدفه الإثارة والإشارة وليس سوى محاولات فاشلة من بعض الصحف لكي يُشار إليها ويُنقل عنها مثلما فعلت “ديلي ميل” مع صحيفة الشروق الجزائرية.
بعض الصفحات المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي أرادت أن تتصدر المشهد هي الأخرى، فقد أكدت الصفحة الرسمية الوهمية لقوات “فجر ليبيا” – إحدى الفصائل المسلحة في ليبيا – أن البغدادي وصل سرًا إلى مدينة سرت الليبية الأيام الماضية، ومعه أبي بكر شيكاو زعيم جماعة “بوكو حرام” النيجيرية – ولاية غرب أفريقيا حاليًا بعد أن بايعت تنظيم الدولة الإسلامية منذ أشهر – وهو ما نفاه آمر غرفة عمليات المنطقة الوسطى التابعة لرئاسة الأركان العامة المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته العقيد محمود زقل في اتصال هاتفي بوكالة أخبار ليبيا 24، حيث أكد أنه لا توجد نهائيًا صفحة لجماعة فجر ليبيا على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” وأن الخبر عار عن الصحة تمامًا ولا وجود لأبي بكر البغدادي ولا أبي بكر شيكاو في سرت، كما أكد ذلك بعض منتسبي الغرفة المتواجدين بالمدينة.
من العجيب أن يصدق المتابعون للأحداث المتسارعة في المنطقة الساخنة والمراقبون للحملة الكبيرة على الإرهاب هذا الخبر لعدة أسباب يبقى أهمها استحالة خروج البغدادي من المربع الأمني المفروض عليه وعلى تنظيمه، فإن كان رجل الدين السني أحمد الأسير الذي يعتبر أقل خطورة من زعيم تنظيم الدولة قد ألقي عليه القبض من قِبل الأمن اللبناني في مطار رفيق الحريري ببيروت رغم تغيير شكله وعمليات التمويه التي سبقت إيصاله للمطار فما بالك بالبغدادي الذي صنفته وزارة الخارجية الأمريكية كإرهابي عالمي ورصدت من أجله 10 ملايين دولار.
أهداف هذه الإشاعة معلومة لمن كان له أدنى علم عن الحرب النفسية التي تمارسها وسائل الإعلام للوصول إلى أهداف معينة، ومن هذه الأهداف في قضية البغدادي محاولة جس النبض ومراقبة الاتصالات والتدوينات وكل الرسائل الإلكترونية بين أعضاء وقياديي التنظيم علهم يعثرون على خيط يمكنهم من الوصول إليه لاعتقاله أو قتله.
كذلك تهدف هذه الإشاعات لإظهار زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في شريط صوتي أو مرئي جديد دون أن يأخذ إجراءات الاحتياط والسلامة المعمول بها في كل كلماته خاصة وأنه من المعلوم أن أجهزة المخابرات الأمريكية كانت تحلل كل شجر وحجر وصوت في كلمات وفيديوهات زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن بهدف مساعدتها لتحديد مكانه.
أبو بكر البغدادي قتل وجرح أكثر من مرة وانتقل للعيش في أكثر من مكان في المدة الأخيرة بل ويعالج في تركيا لأنه مقعد بسبب إحدى الضربات الجوية التي استهدفت موكبه نقلاً عن وسائل الإعلام العربية وكل هذه الأخبار مجرد إشاعات كما سبق وذكرنا.
من المستحيل أن يغادر البغدادي أو العدناني حدود الدولتين – العراق وسوريا – لأن كل أجهزة المخابرات في العالم تترصد وتراقب فرصة أول ظهور لهما لكي يتم التعامل معهما، ومن المضحك أن تنتظر الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية خبرًا صادرًا في صحيفة عربية للتحرك صوب سرت لاعتقال زعيم تنظيم الدولة الإسلامية.
من غير المستبعد أن يكون البغدادي قد أصيب فعلاً في إحدى الغارات الجوية لطائرات التحالف الدولي خاصة وأن آخر ظهور صوتي له كان في 14 من شهر مايو الماضي عندما بثت مؤسسة الفرقان الإعلامية التابعة لتنظيم الدولة كلمة صوتية لزعيمها بعنوان “انفروا خفافًا وثقالاً” وذلك في أول رد على الأنباء الرائجة حول مقتله في غارة جوية.
في الأخير يبقى أبو بكر البغدادي سائحًا بين الدول، تنقل لنا وسائل الإعلام العربية أخباره وتحدد أماكن تواجده متى سنحت لها الفرصة بذلك ولم تكن هي الوحيدة التي نقلت لنا تحركات البغدادي بل وصلت عدوى وفوبيا البغدادي إلى السلطات الأوكرانية في شهر أبريل الماضي عندما أعلنت وزارة الداخلية الأوكرانية في بيان لها على موقعها الإلكتروني أنها تبحث عن العراقي إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي والذي يلقب بـ “أبي بكر البغدادي” على أراضيها بعد ورود أنباء عن وجوده في محافظة أوديسا جنوبي أوكرانيا.