واصل محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية المقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومستشار ولي عهد أبوظبي، تحركاته الدولية المدعومة من الإمارات للتحريض ضد دولة تركيا في المحافل الدولية، فبعد السياسة الإعلامية المعادية لدولة تركيا وحكومتها التي تنتهجها وسائل الإعلام الممولة إماراتيًا، يظهر مستشار أمني لولي عهد إمارة أبوظبي ليستكمل المسيرة بشكل رسمي.
فقد كانت هناك كلمة لدحلان أثناء انعقاد “مؤتمر الأمن التعاوني والتهديدات المترابطة “الذي اختتم أعماله في مدينة بروكسل البلجيكية برعاية وتنظيم من منظمة حلف شمال الأطلسي ومعهد الاتفاقية الأطلسية.
بدأ الكلمة كعادته بوصلة من الهجوم على حركات الإسلام السياسي في المنطقة، واضعًا كافة هذه الحركات في سلة واحدة واصمًا إياه بالإرهاب، وهو توجه إماراتي إقليمي معروف، كما لم يخلُ حديث دحلان عن تركيا بالتحريض المباشر، حيث اتهم تركيا بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية كداعش، قائلًا: “إن أوروبا الرسمية تعالج قضايا الإرهاب بطريقة خاطئة يشوبها الكثير من النفاق السياسي، فأوروبا تدرك تمامًا بأن تجارة النفط من قِبل داعش تتم عبر تركيا، وهي تغض الطرف عن ذلك، وتعلم أن الجزء الأكبر من الإرهابيين وصلوا إلى سوريا من خلال تركيا وتغض النظر عن ذلك أيضًا، وتساءل لو كانت تجارة نفط الإرهاب وتوفير ممر لعناصره يتم من خلال دولة عربية، فهل كانت دول أوروبا أو الناتو ستغض النظر؟”.
هذه الادعاءات التي يروجها دحلان هي ذاتها التي لا يكف الإعلام الممول إماراتيًا عن ترديدها بتأييد روسي واضح تحت نفس المزاعم، وهي مسؤولية تركيا عن الإرهاب في سوريا، حيث أضاف دحلان: “لقد كان الغرب يقول لنا في الماضي وينصحنا كعرب: انظروا لأنفسكم في المرآة، ونحن نقول لكم اليوم انظروا لأنفسكم أنتم اليوم في المرآة، هل موقفكم المتفرج على تركيا وهي تغذي الإرهاب في سوريا موقف مسؤل؟”.
إذن هو تحريض مباشر لدول أوروبا ضد تركيا، وخاصة في حضور الناتو الراعي للمؤتمر، وذلك رغم علمه الكامل بعضوية تركيا في هذا الحلف، إلا أنه آثر أن يقلب الحلف على تركيا عن طريق ترديد ما يردده الروس عن تركيا، والذي ردت عليه الحكومة التركية مرارًا مطالبة بأدلة دامغة على هذه الادعاءات.
ويستكمل دحلان هجومه على الأتراك وبالتحديد هنا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مدعيًا أن سياسته تعمل على تدمير الدول العربية لاستعادة الإمبراطورية العثمانية على حساب العرب، في حين يُلقي اللوم على الغرب لتركه تركيا هكذا دون تدخل ربما كما حدث في مصر، مرجعًا أسباب الإرهاب إلى هذا الصمت الأوروبي على تركيا.
ربما يأتي هذا متناسقًا جدًا مع سياسة من يمثلهم دحلان في هذه اللقاءات الدولية، حيث يكمن الخلاف بين الأتراك وحكام الإمارات حول الربيع العربي بالتحديد، فبينما جندت الإمارات محمد دحلان ليكون رأس حربة في إفشال ثورات الربيع العربي، رأت تركيا أن مصالحها في دعم هذا الربيع حتى ينتصر.
ومنذ ذلك الحين وتحولت العلاقات التركية الإماراتية إلى منحى التآمر والدسائس؛ فالإمارات لا تكف عن دعم بعض أطياف المعارضة التركية بشكل مشبوه لإثارة القلاقل داخل الدولة التركية، كما لم تمل الإمارات من المواجهات الدولية مع تركيا مدفوعة الثمن على صفحات الجرائد العالمية وفي اللقاءات الدولية المختلفة.
لم ينس دحلان في كلمته أمام الناتو أن يُصفي حساباته الشخصية وحسابات دولة الإمارات مع حركات الإسلام السياسي؛ حيث أرجع السبب الرئيسي لنمو ظواهر التطرف والإرهاب هو بحسب زعمه “اختطاف الدين الإسلامي المتسامح من قِبل أفراد وجماعات لتنتجه على شكل دين جديد: دين بن لادن، دين القاعدة، دين داعش، دين العريفي، ودين القرضاوي”.
التيارات الجهادية عند دحلان بشتى تنويعاتها في سلة واحدة، ولا مانع من وضع مشايخ معروفين بتوجهاتهم الرافضة لمسالك التيارات الجهادية في نفس البوتقة دون أي تمييز لمجرد عدم رضاهم عن المسلك الإمارتي في مواجهة ثورات الربيع العربي.
وما داموا أيضًا في جهة خصومه من تيارات الإسلام السياسي شديدة التنوع، تلك التيارات التي أخرجته من قطاع غزة بعد انكشاف أمره في التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي ضد المقاومة ليهرب بعدها إلى مصر ومنها إلى الإمارات ليمارس هذا الدور، وهو ما أعلنته حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد ما عُرف بأحداث الحسم قبيل سيطرتها على قطاع غزة، وهذا هو نفس التوجه الإماراتي الذي لا يُفرق بين أي من هذه التنويعات ويصمها جميعًا بالإرهاب، كما فعل دحلان في هذا المؤتمر، تعبيرًا عن هذا التوجه الإقليمي الإماراتي.
وادعى دحلان في حديثه أيضًا أن الدول الغربية التي تعاني من تفشي الإرهاب هي نفس الدول التي احتضنت لسنوات عديدة رموز جماعة الإخوان وتركتها تزدهر في مدنها وعواصمها لتولد ما أسماه “إسلامًا متطرفًا” لا علاقة له إطلاقًا بعقيدة الأغلبية الساحقة من المسلمين في أوروبا، قائلًا: “من تلك المدن والعواصم انطلق عشرات ومئات الإرهابيين للجهاد في سوريا والعراق”.
هذا وقد دعا دحلان خلال كلمته الدول الأوروبية إلى عدم تصنيف الإرهاب إلى درجات مثل إرهاب جيد وآخر سيء بحسب وصفه، داعيًا إلى اتخاذ مسلكه ومسلك الإمارات، حيث قال إن “الإرهاب كله سيء وقديمًا كنتم تقولون إن الإخوان المسلمين سيئون حتى ظهرت القاعدة وبعد ظهور تنظيم الدولة ربما يقول القادة الأوروبيون إن إرهاب القاعدة أفضل من إرهاب داعش”، وأضاف دحلان أن محاربة الإرهاب لا تتم إلى عبر دول المنشأ الديني مثل مكة والأزهر والأقصى، موضحًا أن العلمانيين لا يمكنهم مواجهة الفكر التكفيري.
هذه الكلمات يمكن تصنيفها ككلمات استفزازية للغرب للقيام بشن هجوم أكثر ضراوة على حركات الإسلام السياسي المسلحة منها وغير المسلحة وإلغاء أي حلول سياسية سلمية، واستدعاء واضح لفكرة الإمارات في معاداة الجميع، تحت راية من ليس معنا فهو ضدنا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حساب هذه الكلمات على دحلان وحده، ولكن يمكن اعتبارها تعبيرًا واضحًا عن وجهة نظر دولة الإمارات الراعي الأول لدحلان.
وما يؤكد ذلك هو ظهور دحلان في أكثر من موضع دولي، ليكرر نفس هذه الأفكار، والتي كان آخرها حضوره اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع عدد من المسؤولين والقادة داخل مقر الكرملين في موسكو.
ظهور دحلان في هذه المحافل بصورة كثيفة لا يُعرف له سبب حتى الآن ولا تحت أي صفة، لكن بلا شك تحاول الإمارات الترويج دوليًا له كمحارب إقليمي للإرهاب، مسوقة نجاحاته بمساعدتها في الإجهاز على ثورات الربيع العربي.