في أول ظهور إعلامي منذ الانقلاب العسكري في مصر لهذه الشخصية القيادية البارزة في جماعة الإخوان المسلمين بمصر، الدكتور محمود حسين، الذي شغل منصب الأمين العام للجماعة منذ العام 2010، والذي يخوض الآن نزاعًا إداريًا داخل الجماعة لإثبات بقائه في منصبه حتى اللحظة.
خرج حسين على الهواء مباشرة من مدينة إسطنبول التركية مقر إقامته بعد إبعاده من دولة قطر، ليعلن أنه ما زال باقيًا في منصبه كأمين عام للجماعة، على عكس ما صرح به في السابق المتحدث الإعلامي باسم الجماعة “محمد منتصر” الذي أعلن أن محمود حسين لم يعد أمينًا عامًا للجماعة.
برر الدكتور حسين بقائه في منصبه حتى الآن بعدم حدوث أية انتخابات على صعيد مكتب الإرشاد – أعلى هيئة إدارية بالجماعة -، ولا على صعيد مجلس الشورى العام – الهيئة التشريعية للجماعة التي تنتخب مكتب الإرشاد من ضمنها وتُشرف عليه -، بعكس أيضًا ما أكدته مصادر داخلية للجماعة في وقت سابق أن ثمة انتخابات جرت في مطلع العام الماضي.
تصريحات محمود حسين في اللقاء رسخت وجود انقسام إداري فعلي داخل الجماعة ضمن صراع شرعيات بين قياداتها في الداخل والخارج، على عكس ما تمناه بعض أعضاء الجماعة لهذا اللقاء قبيل إذاعته، إذ تمنوه إعلانًا لإنهاء هذا الانقسام.
تمسك حسين بصفته كأمين عام للجماعة، حتى وإن اتفق أنه لن يستطيع القيام بمهامه الموكلة إليه بحكم منصبه داخل الجماعة لظرف وجوده خارج الدولة، في حين رأى ذلك بعض أعضاء الجماعة خاصة من الفئات الشبابية تمسكًا بسلطته داخل الجماعة بلا أي داعٍ.
اللقاء لم يحمل في هذا الاتجاه أي جديد، بل يمكن وصفه بأنه دفاع لطرف في أزمة الإخوان الداخلية عن نفسه، بعد هجوم الطرف الآخر عليه إعلاميًا طوال الفترة الماضية، رغم محاولات نفي الدكتور محمود حسين لوجود أزمة من الأساس، وإلصاقها بتنوع الرؤى داخل الجماعة.
في نفس اللقاء أرجع محمود حسين التمسك بالمناصب الإدارية للجماعة إلى عدم وجود انتخابات تغير الوضع القائم وتفرز قيادات أخرى، مُعزيًا حق الدعوة للانتخابات إلى مجلس الشورى العام، وحين سُئل لما لا يدعو المجلس إلى انتخابات، قال إنه لا يرى أن الظروف مناسبة.
بهذا رأى البعض أن ثمة تعنتًا إداريًا واضحًا لا يسمح بأي إجراءات تغيير حقيقية تحت مسمى اللوائح والقوانين، حيث ترى جبهة داخلية من قيادات الجماعة أيضًا أنها في ظرف استثنائي يفرض التغيير ولا يعطله كما تعلل القيادي محمود حسين في تصريحاته الأخيرة.
في هذا اللقاء نفى حسين أن يكون مسؤولًا عن بعض الإجراءات الإدراية المتعلقة بالجماعة في الخارج كإغلاق القناة الإعلامية الممولة من الجماعة “مصر الآن”، رغم تأكيدات العديد من القيادات المتصلين بأزمة القناة على أن محمود حسين كان أحد أطراف الأزمة التي أدت إلى إغلاق هذه القناة.
تضارب الأنباء بهذه الطريقة بين أطراف الخلاف، جعل مجموعات من شباب الجماعة يميل إلى فقدان الثقة في قيادتها، التي يرونها تتخبط منذ انقلاب الثالث من يوليو، دون أن تعطي أفرادها رؤية واضحة لحل الأزمة التي وقعت فيها الجماعة، وهو ما استدعى الخلاف المنهجي بين أفراد القواعد الواقع بين السلمية والعنف والثورية والإصلاحية.
يدعي حسين من خلال ظهوره الإعلامي الأول بعد الانقلاب العسكري، أن السبب الرئيسي وراء خروجه لوسائل الإعلام في هذه اللحظة، هو إجهاض محاولات إفشال حراك الخامس والعشرين من يناير القادم الذكرى الرابعة للثورة المصرية، من قِبل أطراف لم يسمها، من خلال إشاعات تروج أن قيادات الجماعة تسعى للتفاوض مع النظام، وهو ما ينفيه تمامًا.
إذن أراد الرجل أن تكون رسالة لمن أسماهم “صف الإخوان” لطمأنتهم على تمسك الجماعة بموقفها الحالي من الانقلاب العسكري، لكنها رسالة ليست بالجديدة إذا كان هذا هدفها فقط، وربما كانت الرسالة التي أراد الدكتور محمود حسين أن يوصلها لعموم الإخوان في الأساس من وراء هذا الظهور هو أنه ما زال الأمين العام للجماعة، مؤكدًا أن سيطرة الجناح الذي يمثله في الخلاف الدائر هي الأقوى بدليل خروجه على الإعلام بكل أريحية لإعلان بقائه في منصبه دون معارضة من الطرف الآخر في الأزمة الداخلية.
وقد جاءت هذه الرسالة في بداية لقائه وهي ما يعتبره المراقبون أهم ما جاء في اللقاء، لأن بقية الحديث كان عن أشياء لا تخفى على كثيرين، كأمور التفاوض مع النظام غير الموجود بالأساس، بعد حسم النظام الصراع مع الإخوان داخليًا، وإعلان حسين تمسك الجماعة بشرعية الرئيس السابق محمد مرسي، رافضًا الاصطفاف مع القوى الوطنية إلا على أساس شرعية مرسي بحسب تصريحاته.
فيما رأى آخرون أن هذه الإعلانات بمثابة مغازلة للجناح الأشد تطرفًا من القواعد في التمسك بهذه الأمور كثوابت داخل الجماعة، للقبول باستمرار هذه القيادة على رأس الجماعة، في حالة إعلان حسم الخلاف لصالحهم أمام الطرف الآخر الذي يُطلق عليه “الجناح الثوري” في الجماعة، وربما أراد حسين أن يظهر بثورية أكثر من مخالفيه.
لكن أتى اللقاء أيضًا بمجموعة من التناقضات التي أبرزها شباب الجماعة الساخطين على تصريحات القيادي محمود حسين، من بينها مناداته فئات السلطة سواء مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام للانضمام إلى مبادئ الثورة والشعب، وهو ما رأوه أن حسين يطلب من الذين ثار الشعب عليهم أن ينضموا للثورة بسذاجة شديدة، وحديثه عن إصلاحية وثورية الجماعه في نفس الوقت، والأحاديث عن سلمية الثورة بشكل أو بآخر دون تحديد معاني كثيرة في حديثه.