أكد تحقيق أعدته وكالة “رويترز” للأنباء أن شبكة من ضباط سابقين بالجيش والمخابرات العراقية قاموا بتأسيس ما يُعرف بـ”مخابرات الدولة الإسلامية” التابعة لتنظيم الدولة “داعش”، حيث إن هؤلاء الضباط الذين عملوا في عهد الرئيس العرقي الراحل صدام حسين كانوا عاملاً قويًا في صعود الدولة الإسلامية وبخاصة فيما حققه التنظيم من انتصارات بالعراق العام الماضي.
هذا وقد شكل التنظيم بالنسبة إليهم قوة بديلة لحزب البعث اجتذبت آلافًا من السنة، كما انضم المجندون الجدد إلى صفوف ضباط صدام الذين يشغلون بالفعل مناصب مهمة بتنظيم داعش.
يعكف هؤلاء على تعزيز شبكات جمع المعلومات التابعة للتنظيم، وعززوا بالفعل من التكتيكات على ساحات المعارك، وهم يعدوا العنصر الرئيسي في بقاء دولة التنظيم التي أعلنها زعيم التنظيم “أبوبكر البغدادي”.
وذلك وفقًا لما ورد في مقابلات أجرتها رويترز مع عشرات من بينهم قياديين سابقين بالحزب وضباط سابقين بالمخابرات والجيش ودبلوماسيين غربيين و35 عراقيًا فروا في الآونة الأخيرة من مناطق يسيطر عليها التنظيم إلى كردستان.
يذكر بعض من المحللين أن البعثيين السابقين الذين يعملون مع الدولة الإسلامية تدفعهم رغبة في الحفاظ على النفس وكراهية مشتركة للحكومة التي يغلب عليها الشيعة في بغداد، وهناك آخرون مؤمنون بفكر التنظيم بعد أن سلكوا طريق التشدد في السنوات الأولى التي أعقبت الإطاحة بصدام وبعد أن آمنوا بذلك النهج في ساحات المعارك أو في السجون العسكرية الأمريكية أو السجون العراقية.
وهو ما أكده أيضًا مسؤول أمني كبير سابق في حزب البعث لرويترز قائلاً: “بصمات الدولة العراقية القديمة واضحة في عملهم، يمكنك أن تحسها، وتعاون الطرفين هو في الأساس زواج مصالح من أوجه عديدة، فليس ثمة عامل مشترك يذكر يجمع بين معظم ضباط البعث السابقين وتنظيم الدولة الإسلامية”.
نقطة التحول كانت في تكريت
عقب الإطاحة بحكم صدام حسين عام 2003 بالغزو الأمريكي للعراق، بدأ البعثيون في التعامل مع تنظيم القاعدة في العراق، والذي يُعد البذرة الأولى التي انبثق عنها ما أصبح يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
والمعروف عن دولة صدام حسين أنها دولة بوليسية قمعية بالدرجة الأولى، ومع حل الاحتلال لحزب البعث ومنع مسؤوليه من المستويات العليا بل والمتوسطة من العمل في الأجهزة الأمنية الجديدة، غادر الكثيرون منهم البلاد، وانضم بعضهم للتيارات المقاومة للاحتلال الأمريكي داخل العراق.
عودة البعثيين
في العام 2014 عاد البعثيون والمتشددون لعقد تحالف فيما بينهم، ومع اجتياح مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية لوسط العراق انضم إليهم جيش رجال الطريقة النقشبندية وهي جماعة تضم مقاتلين بعثيين، ويؤكد مسؤولون أمنيون أن رجال الطريقة النقشبندية هم الذين جمعوا سكان الموصل في الانتفاضة على بغداد وهم الذين خططوا وقادوا جانبًا كبيرًا من الزحف العسكري في العام الماضي.
أما على صعيد تكريت فقد فتح مقاتلو الدولة الإسلامية سجنًا وحرروا ما يصل إلى 200 من أنصار التنظيم، بالإضافة إلى تدفق المزيد من المقاتليين على تنظيم الدولة الإسلامية في المدينة، بعدما استولوا على كافة الأسلحة الثقيلة والذخائر.
وبعد أيام من سقوط تكريت في يونيو من العام 2014، التقى الزعماء السنة في البلدات الرئيسية في منزل أحد أعضاء حزب البعث من شيوخ عشائر تكريت ومسؤولون بعثيون، وقد خيرهم تنظيم الدولة إما بالانضمام إليهم أو إزاحتهم من المشهد، فكانت الاستجابات متباينة بين هذين الخيارين حيث قرر البعض الانسحاب من المشهد، بينما بقي آخرون ليملأوا صفوف تنظيم الدولة بذوي الخبرات الأمنية من البعثيين.
هذه ليست القاعدة التي قاتلتها التنظيمات السنية أو يُعرف بالصحوات، حيث أصبحت تكتيكاتهم مختلفة، إنهم تعلموا في كليات أركان الحرب، من بينهم من هم قادة سابقين في الجيش وليسوا من المقاتلين ذوي العقول البسيطة، بل لديهم خبرات متكاملة.
صرح بعض شيوخ العشائر السنية أن من أبرز البعثيين المنضمين لتنظيم الدولة أيمن السبعاوي ابن أخ صدام حسين ورعد حسن ابن عم صدام، وكلاهما كانا طفلين أيام صدام لكن الصلات الأسرية تحمل دلالة رمزية قوية.
ويذكر تقرير رويترز أن من الضباط الكبار في تنظيم الدولة الآن وليد جاسم الذي يعرف أيضًا باسم أبو أحمد العلواني، والذي كان نقيبًا في المخابرات في عهد صدام حسين وكذلك فاضل الحيالى المعروف باسم أبو مسلم التركماني والذي يعتقد البعض أنه كان نائبًا لأبي بكر البغدادي زعيم الدولة الإسلامية إلى أن قتل في ضربة جوية هذا العام.
وقد ذكر أيضًا المحلل العراقي هشام الهاشمي أنه على رأس الوكالة الأمنية للتنظيم في العراق وسوريا ضابط مخابرات سابق من الفلوجة عمل في عهد صدام حسين يدعى إياد حامد الجميلي الذي انضم للتنظيم بعد الغزو مباشرة، حيث يعمل الآن تحت إمرة البغدادي بشكل مباشر.
هذا وقد أجرت رويترز مقابلات مع 35 شخصًا فروا في الآونة الأخيرة من قرى حول الموصل يسيطر عليها تنظيم الدولة، وهو ما أتاح الحصول على تفاصيل نادرة لما يجري داخل الأراضي الخاضعة للتنظيم، وقد علمت رويترز بهذه الروايات من خلال المقدم سرود عبد الصلال وهو مسؤول مخابرات كردي في قاعدة تقع وراء خط الجبهة جنوبي إربيل، ومعظم أصحاب الروايات أعضاء سابقين في قوات الأمن العراقية التي هزمها تنظيم الدولة بالموصل.
حيث يروي عدد من الفارين أن الوكالة الأمنية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية جمعت في شهر سبتمبر نحو 400 من أفراد قوات الأمن العراقية السابقين وأعدمتهم، وتسلمت أسر من ألقيت جثثهم في الخفسة ورقة تفيد بتنفيذ الإعدام في ذويهم، ويصف شاب عمره 21 عامًا من قرية تقع إلى الشرق من الموصل كيف أن جثة ابن عمه وصلتهم في ثاني أيام عيد الأضحى.
ومن الصعب على الحكومة العراقية حتى الآن في بغداد إثناء البعثيين السابقين والضباط الذين عملوا في عهد صدام عن العمل مع تنظيم الدولة الإسلامية، بل أن الحكومة العراقية نفسها تكابد انقسامات داخلية في حين أن أطراف حزب البعث التي لم تنضم للدولة الإسلامية لا تستطيع أن تتفق على ما إن كانت تريد محادثات بل وعلى من يمثلها.
وقد تضمن تقرير رويترز روايات عن عشرات الحالات التي تصف الوضع المعيشي داخل أراضي التنظيم، حيث سرد بعضهم أن الناس هناك ممنوعون من مغادرة أراضي الدولة الإسلامية، ومن يضبط وهو يحاول الهرب يكون مصيره الموت، وروى اثنان ما آل إليه مصير مجموعة من الرجال ضبطوا أثناء محاولتهم الرحيل في الآونة الأخيرة، حيث أمسكتهم الدولة الإسلامية وألقى جلادوها حاجزًا خرسانيًا فوق رؤوسهم، وصورت الواقعة وعرضت على شاشات ضخمة أقامها المتشددون في ساحات عامة.
وتحدث الآخرون عن قوة الجهاز الاستخباراتي الداخلي الذي يقوم عليه البعثيون، الذي أسفر عن تضييق على مناحي الحياة وعن مناخ من الشك المرضي بين الناس، حيث لا يمكن الوثوق في شخص حتى من بين الأقارب.