يتعرض سنة العراق لجرائم خطف وقتل وإبادة جماعية على أسس طائفية، تتم تلك الجرائم بحقهم بنسق طائفي انتقامي وعلى ما يبدو بمباركة حكومية، الانتهاكات التي تحدث ضد السنة في العراق لا تطالهم من جانب واحد فقط، فالطائفة السنية في العراق محاطة بالمهلكات من كل جانب؛ فبين سجون السلطة العراقية الممتلئة بمئات منهم سواء كانو عراقيين أو عرب من جنسيات أخرى، والمحاكم العراقية تطلق الأحكام الجزافية بحق العشرات منهم، أو أن يقعوا ضحايا قتل واختطاف وتعذيب على يد قوات الحشد الشعبي – مليشيات شيعية موالية للحكومة -.
تقع العشائر السنية أيضًا تحت وطأة التهجير القسري من جانب الجيش العراقي والميلشيات التابعة له، والذي يتبرأ من تابعيتها أحيانًا إذا زادات وبرزت انتهاكاتهم في قتل يصل إلى مستوى التطهير العرقي ونهب وسرقة وتحطيم منازل أهل السنة، حتى أن المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة يتم استهداف المُتشكك في ولائهم أو المخالفين لفكر التنظيم، فضلًا عن وقوع مئات منهم ضحايا في الاستهداف العشوائي والتفجيرات التي يشنها التنظيم خلال محاولاته بسط سيطرته على المدن العراقية.
قبل عدة أيام، أعرب مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن بالغ قلق المفوضية إزاء ارتفاع معدل انتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الانتهاكات التي ترتكب ضد المجتمعات العربية السنية في مناطق العراق التي تمت استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة، ولفت إلى أن المسؤول الأول عن نهب وتدمير ممتلكات المجتمعات السنية، وعمليات الإخلاء القسري والاختطاف والاحتجاز غير القانوني وفي بعض الحالات القتل خارج نطاق القضاء هي قوات الأمن العراقية وقوات الأمن الكردية والميليشيات التابعة لكل منها.
وقالت المتحدثة الرسمية باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، سيسيل بويي، إن المجتمعات العربية السنية واجهت قدرًا كبيرًا من العنصرية والتمييز والمضايقة والعنف، وأوضحت بويي في حديثها للصحفيين في جنيف إلى محدودية فرص وصول العرب السنة إلى الخدمات والسلع الأساسية، مثل المياه والغذاء والمأوى والرعاية الطبية، كما لفتت المفوضية إلى اكتشاف نحو 16 مقبرة جماعية تحتوي على جثث أشخاص قتلوا على يد داعش في سنجار، وأبدت قلقلها على حياة نحو 1300 من العراقيين العرب السنة العالقين قرب سنجار في المنطقة الفاصلة بين قوات الأمن الكردية وداعش.
حياة تحفها المخاطر.. أو النزوح
هيئة علماء المسلمين في العراق أشارت أواخر الشهر الماضي إلى تعرض أهالي مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار (غربي العراق) للإبادة الجماعية وتحول المدينة إلى أرض محروقة، بسبب مواصلة القوات الحكومية والميلشيات التابعة لها القتل والتدمير فيها، كما حذرت من وقوع كارثة إنسانية بسبب الحصار الذي تفرضه القوات الحكومية والمليشيات عليها منذ مدة طويلة، وإغلاق معابر المدينة منذ ستة أشهر، باستثناء معبر “الشيحة” – المحفوف بالمخاطر -، هذا مع مواصلتها القصف اليومي على المناطق السكنية والأسواق التجارية، في محاولاتها استعادة السيطرة على مدن الأنبار التي يسيطر عليها تنظيم الدولة منذ أشهر.
لفتت الهيئة إلى وقوع نحو 8941 شخصًا بين قتيل وجريح، أغلبهم من الأطفال والنساء، مشيرةً إلى معاناة المشافي من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية وأيضًا الكادر الطبي فضلًا عن تعرضها للقصف المستمر، وضربت مثالًا بمستشفى الفلوجة العام الذي تعرض إلى 48 عملية قصف، تلك المدينة تعاني أيضًا من انقطاع التيار الكهربي منذ عامين، فيما لا تسطيع مولدات الكهرباء المحلية توفير الخدمة، خاصةً مع ندرة وجود المحروقات وارتفاع أسعارها، كما يقع أهلها في خطر إصابتهم بالأمراض عن طريق المياه التي لا تخضع لعمليات المعالجة اللازمة.
وفي مدن عراقية أخرى يواجه المواطنون السنة خطر الاختطاف والقتل بسبب هويتهم، فكانت وزارة الداخلية العراقية قالت في بيان لها الشهر الماضي إن الميلشيات تختطف يوميًا ما لا يقل عن ستة أشخاص في بغداد، وقالت تقارير أمنية إن أكثر من 30 ميليشيا مسلحة تتجوّل في العاصمة بغداد، ولديها مقرات معروفة كما تسيطر على مناطق بأكملها، حيث تنفذ عملياتها في وضح النهار وأحيانًا تمارس ذلك بالقرب من نقاط التفتيش وأمام مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية الحكومية، كما أن تلك الميليشيات تنصب نقاط تفتيش وهمية لممارسة عمليات الخطف بدوافع سياسية وطائفية.
تلك المخاطر التي يواجهها المواطن على أساس طائفي تدفعه لمواجهة مخاطر يعتد أنها أقل حدة من سابقتها ما يضطر الأهالي إلى ترك منازلهم خشية الخطف أو القتل، فيُلقِي الشخص بنفسه وبأسرته في دوامة النزوح، إذا لم يٌلق فيها عنوةً.
قبل أيام، أعلن رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي وصول عدد النازحين المسجلين رسميًا في العراق إلى 3.5 ملايين شخص، لافتًا إلى وجود أعداد أخرى لكنها غير مسجلة لدى وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، ولا يعيش النازحين حياةً أقل صعوبةً من سابقتها فمتطلباتهم ومستلزماتهم الأساسية لا تٌوفر لهم.
تهجير قسري وحرمان من حق العودة
أما من يتمسك بأن يحيا في بلدته رغم كل تلك الظروف الصعبة، فربما تجبره الميلشيات المتقاتلة على ترك مسكنه عرضة للنهب والسرقة والحرق والهدم وهو على علمٍ تام بأنه لن يستطيع العودة إليه من جديد، فوفقًا لتقارير منظمات حقوقية محلية ودولية، فإن مليشيات الحشد الشعبي هجّرت آلاف العائلات السنية بالقوة من محافظتي ديالى وصلاح الدين، وأشارت تلك التقارير إلى وصول التهجير حد التطهير العرقي، فيما تتخذ ميليشيات الحشد الشعبي من محاربة تنظيم الدولة غطاءً لجرائمها تلك.
كما أن الميلشيات تمنع أهالي بعض المناطق التي تحررها من قبضة تنظيم الدولة من العودة إليها، فكان أحد شيوخ قبيلة البوناصر في مدينة تكريت العراقية (160 كلم تقريبًا شمالي بغداد) ويدعى فلاح حسن الندى قد أكد أن ميلشيا الحشد الشعبي تمنعهم من العودة لديارهم بعد تحرير المدينة من قبضة تنظيم الدولة، وذلك بعد أن هُجّروا منها إلى إقليم كردستان بعد سيطرة التنظيم عليها سلفًا، ولفت كذلك إلى الدمار الهائل الذي لحق ببيوتهم من هدم وحرق، وذلك خلال تصريحاته التي أدلى بها في حلقة من برنامج “الواقع العربي” الذي تبثه فضائية الجزيرة.
فيما يُرجع متابعون سبب منع الأهالي من العودة لمنازلهم إلى خشية الحكومة من كشف الجرائم التي ارتكبتها مليشيات الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين، وبالتحديد في تكريت، فيما أوضح المركز الوطني للعدالة على لسان مديره محمد الشيخلي على امتلاكه أدلة موثقة على تعرض نحو 8 آلاف منزل إلى النهب والسرقة والحرق والتدمير بالعبوات الناسفة، فيما أكد الرجل على صعوبة أن يلجأ السنة للقضاء، مؤكدًا أنه مسيس ويعاني من أسوأ مرحلة في تاريخه.
انتهاكات بالجملة في السجون وأحكام جائرة
السلطات العراقية متهمة من قِبل منظمات حقوقية عدة بممارسة اعتداءات طائفية ضد المعتقلين “السنّة” في سجونها، وبين هؤلاء المعتقلين عشرات النساء اللاتي يعانين التعذيب والاعتداءات الجنسية، فكان تقرير مشترك بين مركز بغداد لحقوق الإنسان والمنظمةُ العربية لحقوق الإنسان ببريطانيا نُشر في مايو الماضي قد أكد وقوع انتهاكات مروّعة ترتكب ضد نحو 7400 معتقل عراقي معظمهم من السنة وذلك في سجن الناصرية (جنوبي العراق)، وأبدت الثانية في نفس الشهر قلقها حيال حياة المعتقلين في سجن المطار المعروف باسم “كروبر”، موضحةً تعرض المعتقلين السنة بالسجن – بينهم معتقلين عرب غير عراقيين – البالغ عددهم نحو 200 للتعذيب الدوري والضرب المبرح والطعن بالسكاكين أحيانًا علاوةً على السب الطائفي.
وفي الشهر الذي سبقه أفادت هيئة علماء المسلمين في العراق عن مقتل 16 معتقلًا جراء الصعق الكهربائي الذي تعرضوا له في سجن الناصرية بمحافظة ذي قار (جنوبي العراق)، كما لفتت إلى وجود أثار تعذيب على جثث المعتقلين الستة عشر، مشيرةً إلى وجود كسر في الأضلع وعظام الأيدي والأرجل لعدد منهم، وتحدثت الهيئة عن منع القوات الحكومية أهالي الضحايا من مقابلتهم قبل أكثر من ستة أشهر على قتلهم، وذلك بحجة اتخاذ إجراءات مشددة لمنع هروب المعتقلين.
خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري أصدرت محاكم الناصرية نحو 300 حكمًا بالإعدام على معتقلين سنة، بعد انتزاع اعترافات تحت التعذيب والتهديد باغتصاب الأقارب، أو بناءً على إفادات مخبرين سريين، بحسب منظمات حقوقية دولية، كما أن محكمة الناصرية التي أصدرت تلك الأحكام الجزافية لا تسمح للمحامين بالانتداب للدفاع عن المتهمين، وهو الأمر الذي دفع رئيس غرفة المحامين المنتدبين في الناصرية المحامي صالح الزهيري للاستقالة من منصبه.
لتصبح الطائفية هي العنوان الأساسي للحياة في العراق، وسط عجز حكومي أو إن شئت قل تجاهل السلطات لكل هذه الجرائم التي شاركت فيها بشكل رئيسي، مما يزيد معاناة أهل السنة في العراق، الذين وقعوا ضحية بين الإهمال الحكومي والجرائم الطائفية.