ترجمة حفصة جودة
في شوارع سد البوشرية الضيقة شمال بيروت تعيش “هنا” مع ابنتيها اللتين في مطلع العشرين من عمرهما، تلك العائلة العراقية التي وصلت إلى لبنان منتصف أغسطس عقب عام ونصف في تركيا وكانوا بالأصل هاربين من تلسكوف بالعراق مع والدهم مدمن الكحول والذي قرر بالنهاية أن يتركهم ويعود للعراق وحده.
تقول هَنا “أنا محظوظة لأن الفتاتين قد وجدتا عملاً ويساعداني في دفع الإيجار ولكن هذا ليس كافيًا بالمرة” .
لم تتصور هَنا يومًا أن ترجع للعراق مع زوجها ولم يكن لديها خيار سوى مغادرة تركيا والذهاب إلى لبنان ومحاولة البدء من جديد، وكانت صدمة لها تلك المعاناة التي وجدتها هنا لكي تبقي حتى على قيد الحياة، كان عليها أن تدفع 500 دولار إيجارًا شهريًا، وكان هذا مكلفًا؛ مما دفعها للبحث عن مكان أرخص لتعيش فيه مع المساعدات المؤقتة التي تحصل عليها والأثاث الذي وفرته لها مؤسسة نوتردام دي لا ميسركورد – مؤسسة دينية تساعد معظم العراقيين الكلدانيين – (الكلدان مجموعة عرقية مسيحية تسكن في الشمال ما بين النهرين في العراق وسوريا وتركيا).
في العام الماضي عندما هاجمت داعش مساحات شاسعة من العراق تم إجبار العديد من المسيحيين على الهرب من أراضيهم واللجوء للدول المجاورة، وفي تقديرات مفوضية شؤون اللاجئين فإن حوالي 84% من اللاجئين غير السوريين في لبنان هم من العراق، وبالرغم من تواجد اللاجئين العراقيين في لبنان منذ عام 2003 إلا أن عددهم ازداد بشكل ملحوظ في الفترة ما بين يوليو 2014 حتى فبراير 2015 وذلك بسب الأوضاع الأمنية المتدهورة في العراق.
وفي مؤسسة نوتردام الواقعة في الضواحي الفقيرة شمال بيروت يوجد ما بين 20 إلى 30 أسرة عراقية مسجلة لتتلقى المعونات الغذائية وبعض المساعدات الأخرى، يقول جورج خوري رئيس المؤسسة “العراقيون هنا منذ التسعينات لكن العام الماضي كان صعبًا وبالأخص للمسيحيين بسبب اضطهاد داعش لهم على أراضيهم، هنا يتم مساعدة معظم الكلدانيين المسيحيين بفضل الاتفاق بين الكنيسة الكلدانية اللبنانية والقيادة العامة للبطريركية العراقية”، وأضاف السيد خوري أن العراقيين الكلدانيين يُهاجمون بعنف من قِبَل قوات داعش لذا فهم يصلون إلى لبنان باستمرار، “حوالى 20 إلى 30 أسرة على الأقل يأتون شهريًا للتسجيل في المؤسسة منذ أكثر من عام ولا يمكلون أكثر من ثمن التذكرة إلى لبنان، لقد سُلبوا ممتلكاتهم وغادروا وهم فقراء معدمون”.
وكنتيجة لذلك فقد قرر البوشريون الكلدانيون أن يفتتحوا مكتبًا لاستقبالهم بشكل لائق عندما يأتون للتسجيل في سد البوشرية، حيث يستطيع معظمهم أن يجد مأوى لفقر المنطقة وانخفاض اللإيجارات بها، يقول السيد خوري أيضًا إن المؤسسة تساعد حوالي 3000 أسرة أي 15.000 شخص من أصل 50.000 عراقي موجود في لبنان.
إمكانيات محدودة ولاجئون بحاجة للمساعدة
يعمل في مؤسسة نوتردام مشرفان اجتماعيان وخمس متطوعين يساعدون اللاجئين بكل طاقتهم ويقدمون لهم الرعاية الطبية من خلال المركز الاجتماعي الطبي في منظمة كاريتاس، فهم يقدمون الملابس والطعام والمساعدات المالية والأثاث بعد عدة زيارات للاجئين في بيوتهم، تعتمد هذه الأنشطة على المعونات التي تأتي من الكلدانيين في الشتات ومن الكنائس الكاثوليكية في أوروبا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة.
يقول السيد خوري “يعتقد مسيحيو العراق عند قدومهم إلى هنا أن لبنان ستعاملهم كلاجئين، لكن لبنان بها الكثير من المشاكل بالإضافة إلى تجاهل المجتمع الدولي لهم”، مضيفًا “هذه المشكلة مهمة مثل السوريين تمامًا ولكنهم أقل عددًا بالرغم من أنهم يعانون من العنف في بلادهم طوال الـ 25 عامًا الماضية، ومن الصعب عليهم الحصول على وظائف هنا بسبب المنافسة السورية بالإضافة إلى محدودية موارد المجتمع اللبناني”.
في عام 2015 منحت مفوضية شؤون اللاجئين حوالي 3.7 مليون دولار لللاجئين غير السوريين في لبنان، هذه المساعدة استُخدمت في توفير الحماية والمساعدات القانونية وكوبونات الغذاء بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي والطوارئ المؤقتة للاحتياجات الخاصة والمساعدات النقدية الشهرية والتعليم والرعاية الصحية وإعادة التوطين، ففي هذا العام تم إعادة توطين 1300 لاجئ غير سوري من خلال هذه الإجراءات، ولكن السيد خوري يؤكد أن هذا ليس كافيًا “20% فقط من المساعدات الدولية تذهب للعراقيين في لبنان التركيز كله مع سوريا”.
جنان مطر، مديرة المنظمة المسيحية تريومفان ميرسي والتي أسُست عقب الحرب مع إسرائيل عام 2006، واجهت هذا الموضوع قائلة “في يونيو 2014 لاحظنا وصول عدد من العراقيين معظمهم مسيحيين إلى بيروت، في البداية كان من الصعب دمجهم في مشروعنا لأن المساعدات التي تأتينا كانت للسوريين ثم بالتعاون مع دوركاس – منظمة مسيحية أخرى – قمنا بوضع سياسية داخلية لضمهم، هذا واجبنا تجاه إخواننا الشهداء، بالإضافة إلى أننا ليس لدينا اتصال مباشر مع مفوضية شؤون اللاجئين لذا نستطيع أن نقرر من نساعد الآن، نستطيع مساعدة اللبنانيين والعراقيين والسوريين حسب حاجتهم وليس حسب السياسات”.
تقول السيدة جنان أيضًا “لقد قدمنا مساعدات لأكثر من 600 عائلة ونتلقى المعونات من جمعية الكتاب المقدس ومن المنظمات المسيحية اللبنانية ومن الشتات ومن الكنائس، وبالرغم من تركيزنا الآن على مسيحيي العراق إلا أننا لم ننس فقراء لبنان، فهم موجودن دائمًا في برامجنا بالتوازن مع العراقيين”، ترى أيضًا السيدة جنان أن العراقيين غير منسيين في المساعدات الدولية حتى لو لم يكونوا مستهدفين بشكل مباشر”.
عائلات تحيا في ظروف سيئة
يقوم المتطوعون في مؤسسة نوتردام بزيارة اللاجئين في منازلهم للتأكد من المعلومات المرفقة في ملفاتهم، يقول رافييل كوبالي “لدينا ملف لكل أسرة وبه قائمة المساعدات التي تلقوها والاحتياجات التي لم تصلهم بعد؛ لذا أقوم بزيارات يومية لأسر مختلفة للتأكد من صحة المعلومات ونرى ما يمكننا فعله”.
إحدى تلك الأسر السيدة سطيحة وأبناؤها الثلاثة: رنين 21 عامًا – هانز 16 عامًا – مازن 5 أعوام، تعيش الأسرة في شقة صغيرة بلا كهرباء أو ماء معظم اليوم وتتفاقم تلك المشكلة في الصيف، تقول السيدة “مازال زوجي في العراق مع أمه المريضة وهانز ورنين يبحثان عن أي عمل”، تقول رنين “درست الطب وكنت أعمل في إحدى مستشفيات الموصل، كنت أرغب بالتخصص في طب الأطفال لكن هذا ليس ممكنًا فشهادتي ليس مُعترفا بها في لبنان”.
يقول كوبالي “لقد وصلت تلك الأسرة منذ شهرين وقدموا ملفهم لمفوضية شؤون اللاجئين، لديهم مقابلة في ديسمبر ولكن ليس لديهم سوى شهر آخر في التأشيرة للبقاء في لبنان، إذا أرداو البقاء فيجب عليهم دفع غرامة مقدارها 200 دولار شهريًا لكل فرد، وإذا رغبوا في التجديد فسوف يتم رفض طلبهم أمنيًا، وإذا عادوا إلى العراق فسيتم منعمهم من دخول لبنان لمدة خمس سنوات”.
لبنان.. الخيار الأول للاجئي العراق المسيحيين
يقول السيد خوري “بعض مسيحيي العراق يذهبون إلى كردستان العراقية ولكن لبنان بالنسبة لهم الدولة الديموقراطية التي تحترم جميع الديانات، لكن لبنان هي أول خطوة قبل الهجرة إلى كندا أو الولايات المتحدة أو أستراليا، إن أمكن ذلك، فهم لا يشعرون بالراحة من تواجدهم وسط لاجئي سوريا المسلمين”، وكما تقول السيدة جنان “لبنان هي الخيار المنطقي للاجئي العراق المسيحيين؛ فهنا يمكنهم الحصول على التأشيرة عند قدومهم من المطار دون إجراءات مسبقة، ويمكنهم أيضًا التواصل مع جميع السفارات ومكاتب الأمم المتحدة، وبسبب صدمتهم من هجمات الدولة الإسلامية فهم يحتاجون للحضور المسيحي الموجود في لبنان، وبالرغم من ذلك فهم يرغبون بالهجرة للخارج لأن الشعب اللبناني يضيق ذرعًا باللاجئين وهم يشعرون بذلك أيضًا”.
المصدر: ميدل إيست آي