ترجمة ليث إبراهيم عن ساينس ديلي
شكلت مادة الرياضيات لمعظم طلاب هذا الكوكب شبحـًا مُرعبـًا، والقلة منهم من تجاوزها بصعوبة، وحتى لأولئك المتفوقين، كانت الرياضيات شيئًا يطول الحديث في صعوبتها، وحجم الجهد المبذول لاستيعابها، والخوف الذي تسببه ليلة الاختبار، لذلك أخذت هذه المادة – لما سببته للطلاب – نصيبـًا وافرًا من دراسة الباحثين والأبحاث العلمية، واحتلت هذه المادة وموضوعاتها الكثير من العناوين في صفحات الأبحاث العلمية.
“رهاب الرياضيات” أو “قلق الرياضيات” هو أحد المصطلحات العلمية التي يستخدمها الباحثون في هذا المجال، ويُعرف “رهاب الرياضيات” وفقـًا للبروفيسور Mark H Ashcraft بأنه: “شعور بالتوتر والتوجس، أو الخوف الذي يؤثر على التحصيل في الرياضيات”.
في دراستين أجراهما الباحثان Zhe Wang وStephen Petrill خلصت نتائجهما إلى أن المستويات المعتدلة من رهاب الرياضيات ارتبطت بالتحصيل الجيد فيها لدى الطلاب ذوي الحافز المرتفع لتعلم الرياضيات، أي الطلاب الذين يمتلكون قدرات حسابية عالية، أما الطلاب ذوو الحافز المنخفض لتعلم الرياضيات فقد ارتبط رهابهم من الرياضيات بتحصيلهم الضعيف فيها.
ويقول الباحثان إن استنتاجاتهما تشير إلى أن العلاقة السلبية بين رهاب الرياضيات وتعلم الرياضيات ليست من المُسَلمات، إذ إن وجود حافز لتعلم الرياضيات يمكن أن يخفف من التأثيرات السلبية للرهاب.
وفي حين أن صعوبة الرياضيات هي سبب الإصابة بالرهاب عند بعض الأطفال، فإن آخرين منهم تكون رغبتهم بالتحصيل الجيد فيها هي السبب في إصابتهم به، وقد افترض الباحثون أن اختلاف دوافع مجموعتي الدراسة قد يؤدي إلى اختلاف تحصيلهم وطريقة تعلمهم.
في الدراسة الأولى قام الباحثون بأخذ بيانات 212 زوجــًا من الأطفال متوسط أعمارهم 12 عامًا، ثم قاموا بإجراء اختبارات لقياس مستويات رهاب الرياضيات لديهم وعلاقته بحافزهم للتعلم، ثم طُلب منهم القيام بست مهمات تهدف إلى قياس أدائهم في الرياضيات، ومعرفة بعض المهارات الحسابية لديهم مثل تمثيل المقادير العددية، واستخدام البراهين الحسابية في حل المسائل.
خلُصت هذه الدراسة إلى أن رهاب الرياضيات والدافع له لا علاقة لهما بعُمْر الطلاب، وخلُصت أيضًا إلى أن البنات لديهنّ ميول أكثر من البنين في الإصابة بالرهاب.
عندما ربط الباحثون بين رهاب الرياضيات والدافع له في دراستهم كانت النتائج ذات نمط معقد؛ فبالنسبة للأطفال ذوي الدافع المنخفض لتعلم الرياضيات ارتبط الرهاب لديهم بتحصيلهم الضعيف، بينما الأطفال ذوي الدافع المرتفع لتعلم الرياضيات، كانت العلاقة بين تحصيلهم والرهاب لديهم تشكّل منحنى يأخذ شكل حرف (U) مقلوبًا، أي كالتالي: يزداد التحصيل طرديًا مع الرهاب في البداية، ثم يصل التحصيل لأعلى مستوى له عند مستويات متوسطة من الرهاب، ثم يأخذ التحصيل بالتناقص والرهاب بالتزايد إلى نهاية المنحنى.
الدراسة الثانية التي اُجريت للتأكد من نتائج سابقتها كانت قد اُجريت على 237 طالبًا جامعيًا، وظهرت نتائجها كما كان متوقعًا؛ ارتبط رهاب الرياضيات بالتحصيل الضعيف عند الطلاب ذوي الدافع المنخفض، وعند أقرانهم ذوي الدافع المرتفع لتعلم الرياضيات كانت العلاقة بين الرهاب والتحصيل منحنى يأخذ شكل حرف (U) مقلوبًا، كما شُرح سابقًا.
ويقول الباحث Petrill مُعلقًا على نتائج الدراستين إن هذه النتائج تشير إلى أن الجهود التي تهدف إلى معالجة رهاب الرياضيات لدى الطلاب قد لا تثبت فعاليتها لديهم جميعًا، إذ إن بعض الطلاب يؤثر الرهاب سلبيًا على تعلمهم للرياضيات، وقد يخفف دافعهم للتعلم من الأثر السلبي للرهاب، وبشكل خاص، فإن وجود مستويات معتدلة من الرهاب لدى الأطفال ذوي الدافع المرتفع للتعلم قد يكون مساعدًا فعالاً في تعلمهم بشكل أفضل.