أعلن الأمين العام لحركة نداء تونس، محسن مرزوق، نيته تقديم استقالته من منصب الأمانة العامة للحزب لرئيس الحزب محمد الناصر، مؤكدًا أن الشكل الحالي لنداء تونس انتهى ولا بد من روح جديدة.
واعتبر مرزوق في اجتماع جمعه مع قرابة الألف من نساء حزبه في منتجع الحمامات بمحافظة نابل جنوب تونس العاصمة، أول أمس الأحد، أن خطة الأمين العام أصبحت بلا معنى بعد حل المكتب السياسي للحزب الأول في البرلمان التونسي (86 مقعدًا).
خطوة اعتبرها بعض المتابعين بداية الانقسام الفعلي لحركة نداء تونس، فالأمر تجاوز التلاسن وضرب العصي بين الأنصار، تجميد العضوية لقيادات، الانسلاخ من الكتلة البرلمانية لنواب، والتهديد بالانسحاب من الحزب لمؤسسين إلى الاستقالة الفعلية للأمين العام.
استقالة يرى فيها البعض إيذانًا ببداية التحضير لبعث حزب جديد، الأمر الذي لم يستبعده القيادي بالحركة لزهر العكرمي، الذي أشار إلى إمكانية إطلاق حزب جديد في ظل الانشقاقات التي يشهدها نداء تونس، حسب قوله.
وشدد العكرمي على أن حزب النداء قد تم حله في شكله الحالي، وأن نداء تونس شهد تلاعبًا بأكثر من معنى وأكثر من حيلة بعد الانتخابات .
وكانت انطلاقة الأزمة داخل حركة نداء تونس مع بداية الأشهر الأولى لتكوينه منتصف 2012؛ فالنداء جمع بين تيارات وأشخاص لا رابط بهم سوى فكرة إرباك حركة النهضة الإسلامية وإخراجها من الحكم والنيل من أنصارها وقياداتها، فالنداء ضم من جملة ما ضم طيفًا محسوبًا على اليساريين، آخر محسوب على الدستوريين البورقيبيين (نسبة إلى الحبيب بورقيبة رئيس تونس الأسبق)، والتجمعيين (نسبة إلى حزب التجمع الدستوري المنحل) بالإضافة إلى المستقلين والنقابيين.
أزمة سرعان ما ظهرت للعيان ولاح دخانها مع تحديد القوائم الانتخابية المشاركة في الانتخابات التشريعية التي أُجريت في 26 أكتوبر 2015، وتحديد رئاسة هذه القوائم في عديد المحافظات داخل تونس وخارجها، لتتطور مع بدء تشكيل الحكومة وظهور خلافات حول منصب رئيس الحكومة والتعيينات والحقائب الوزارية والمناصب بالإضافة إلى مسألة التحالفات في الحكم، خاصة التحالف مع حركة النهضة، عدو الأمس حليف اليوم.
أزمة تلو الأزمة عجلت بانقسام الحزب الأول في البرلمان التونسي إلى شقين؛ أول يتزعمه نجل مؤسس الحزب، رئيس الجمهورية الحالي حافظ قائد السبسي، الذي يشغل منصب نائب رئيس الحزب إلى جانبه عديد القيادات الأخرى ووزراء الدولة، وشق ثاني بقيادة الأمين العام للحركة محسن مرزوق والوزير المستقيل لزهر العكرمي.
واُنتخب محسن مرزوق أمينًا عامًا لحركة نداء تونس في 13 من مايو الماضي خلفًا لوزير الخارجية الحالي الطيب البكوش، ويعتبر مرزوق من مؤسسي نداء تونس في يونيو 2012 كما قاد الحملة الانتخابية الرئاسية للباجي قائد السبسي شتاء 2014.
وأمام احتداد الأزمة وتعمقها وإنذارها بالدخول إلى مرحلة “اللا عودة” بادر مؤسس الحزب ورئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي، بخرق الدستور، الذي ينص في فصله 76 على عدم الجواز لرئيس الجمهورية الجمع بين مسؤولياته حال تقلده منصب رئاسة الجمهورية، بالإعلان عن تشكيل لجنة تضم 13 نائبًا من حزب نداء تونس تعمل على تحقيق التوافق داخل الحزب لحل أزمته.
لجنة حُلت قبل الانتهاء من عملها، حسب ما صرح به القيادي في شق مرزوق، لزهر العكرمي، الأحد الماضي، وكانت لجنة الـ13 قد أعلنت في وقت سابق عن مقترح للتسوية بين شقي الحزب ينطلق بعقد مؤتمر أول توافقي في 10 يناير القادم، وتنظيم مؤتمر ثاني انتخابي في 30 و31 يوليو 2016.
مقترحات رفضها العكرمي وقال إن موضوع التحضير للمؤتمر الوطني لم يعد مطروحًا لأن النداء ليس حزبًا الآن وإنما مجموعة من الأشخاص المنقسمين بعد حل المكتبين التنفيذي والسياسي، حسب تعبيره.
بدوره اعتبر محسن مرزوق أن قرارات لجنة الـ13 التي شكلها مؤسس الحزب الباجي قائد السبسي غير واقعية ولا يمكن تطبيقها ومنحازة لطرف معين في الحزب، في إشارة إلى نجل الرئيس حافظ قائد السبسي .
وأمام هذه التطورات المتسارعة وازدياد حدة الأزمات داخل الحزب، الذي بُعث لإنقاذ تونس من براثن الفوضى حسب مؤسسيه، يرى مراقبون أن الانقسام الهيكلي لقيادات الحزب بات وشيكًا، بعد تأكد الانقسام الفكري بينهم، فلا رابط يجمعهم ولا فكر يؤلف بين قلوبهم ولا كبير يقودهم.
ومن المُنتظر أن تكشف الأيام القليلة القادمة عن مصير هذا الحزب، إما الاتفاق بين الشقين وتغليب لغة التوافق بينهم، الأمر المستبعد حاليًا، فالطريق وصل إلى نقطة مسدودة، وإما الانقسام النهائي ليفتح الباب بذلك على فرضيات كثيرة، انطلاقًا من إمكانية تشكيل حزب جديد معارض ينضم إلى الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية)، أو تشكيل حزب يساير خطى حركة نداء تونس الأم ولا يخرج عن طوعها ويكون التغيير في الأسماء لا أكثر، أو اندثار القيادات التي انشقت عن النداء وإعلان موتها سياسيًا، وهو الأقرب.