دور العبادة في سوريا، التي طالما تغنى الشعراء بأجراس كنائسها المتلاصقة مع مآذنها، وبالصليب المجاور للهلال..وكما كان السوريون يساوون بين اليهودية والمسيحية والإسلامية منها، ساوى النظام الأسدي بينها، فحطم الكنائس والمعابد والمساجد، ولم يرحم في ذلك دينا ولا حضارة ولا تراثا تاريخيا.
إمام جامع دوما الكبير، الشيخ أبو جود البدري، يرى بأن المساجد خاصة أصبحت هدفا إستراتيجيا لقوات الرئيس بشار الأسد، لأنها كانت ولازالت نقطة الانطلاق الرئيسية للمظاهرات المناهضة للنظام والمطالبة بإسقاطه، حيث يقول الشيخ أبو جود البدري أنّ “جامع دوما الكبير كان ولا يزال قبلة للأحرار لذلك اعتبره النظام هدفاً استراتيجياً”، ويضيف أبو جود: “من هذا الجامع وبتاريخ 19-03-2011، خرجت أول مظاهرة في دمشق وكانت الثالثة في سوريا، وكان عدد المتظاهرين حينها 12 عشر شخصا”.
ويعتبر “جامع دوما الكبير” من أقدم المساجد في ريف دمشق، ويعود تاريخ بنائه إلى حقبة الخليفة عمر بن الخطاب، عندما كان مسجدا صغيرا مبنيا من الطين والقش وحجارته كانت مرقمة، وأعيد بناؤه بالشكل الجديد في عام 1978، وفي شهر حزيران من العام الماضي، تعرض الجامع للقصف بالصواريخ وقذائف الهاون، حتى دمر وحُرق القسم الأكبر منه، ومازالت جدرانه مغطاة بالسواد حتى الآن.
وحول استهداف جامع دوما الكبير، يقول الشيخ أبو جود: “النظام قصف جامع دوما الكبير عدة مرات بقذائف الهاون، بيد أن أكبر ضربة تلقاها المسجد كانت بصاروخ دمر القسم الأكبر منه واشتعلت النيران فيه لثلاثة أيام والتهمت كل كتبه المقدسة وأغلب ممتلكاته”، مضيفا: “لم يتبق من الجامع سوى جزء من القسم السفلي، تقدر مساحته بـ 30% من المساحة الجملية للجامع، وهي بالكاد تكفي لصلاة مائة شخص بعد أن كان جامع دوما يستقبل في صلوات العيد والمناسبات أكثر من خمسة آلاف مصل”.
صورة لجامع دوما الكبير بعد تدميره.
كنيسة النبي إلياس الغيور للروم الأرثوذكس في مدينة حرستا بريف دمشق، وهي الأقدم في المنقطة، تعرضت للقصف بقذائف الهاون ، وهي الآن مهجورة بعد أن خربت أجزاء منها بقذائف الهاون التي استهدفت، وأجزاء أخرى بالقذائف التي استهدفت مناطق مجاورة لها، وعلى أحد جدرانها قام ناشطون معارضون ببخ عبارة كبيرة كتبوا فيها:”لا للطائفية، نعم للحرية”.
زاهر، وهو طالب جامعي وناشط إعلامي (من مواليد 1987) من سكان مدينة حرستا، قال لـ DWعربية أنّ الكنيسة تقع في شارع كانت تنطلق منه المظاهرات في بداية الاحتجاجات عام 2011، وأنّ الشارع اسمه “الثانوية وكان نقطة تجمع انطلاق التظاهرات”، مضيفا: “سكان الحي معظمهم من المسيحيين، وكانوا يرشون علينا الرز أثناء المظاهرات، وأذكر أن من أجمل الهتافات الثورية التي كّنا نردّدها: هز كفك هز دين محمد كلو عز، هز كفك هز دين عيسى كلو عز”.
صورة كنيسة النبي إلياس الغيور قبل استهدافها.
وأما كنيس “سيدنا الخضر”، وهو أقدم معبد يهودي في المنطقة، والذي يقع في حي جوبر في شرق العاصمة السورية دمشق، والذي تسيطر عليه المعارضة السورية، فقد استهدفته قوات النظام، وانتهكت حرمته، حيث تعرض هذا المعبد للقصف واخترقت القذائف جدرانه وسقفه، وطال الدمار عمقه وهُدم جزء كبير من السور الخارجي المحيط به.
وعند مدخل المعبد بقيت شجرة ياسمين صامدة رغم الخراب الحاصل، كما بقي الباب النحاسي الأصفر الصغير في مكانه رغم هشاشة جدرانه، في حين سقطت عشرات الثريات والشمعدانات النحاسية على الأرض، وتناثرت محتويات المكتبة، ومن بينها مئات الكتب التاريخية وعشرات المخطوطات القديمة في محيط المكان، ويقول أبو لؤي المكلف بحراسة المعبد لـ DWعربية أنّ “تاريخ بناء المعبد يعود إلى عام 720 قبل الميلاد، وقسم كبير منه دمر، في حين تعرضت بعض مقتنياته للسرقة”.
صورة للوحة الخارجية لكنيس “سيدنا الخضر”.
ومن الجدير بالذكر، أن الهيئة العامة للثورة السورية، نشرت تقاريرا تفيد بأن “عدد المساجد التي تعرضت للدمار يبلغ 748 مسجداً، منها مساجد سويت بالأرض وأخرى لم تعد تصلح لأداء الصلاة فيها، بعضها أثري يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من ألف عام”، كما أشارت أيضا إلى أن 23 خطيبا وإمام جامع لقوا حتفهم على أيدي النظام، مؤكدة أن “8 منهم قتلوا تحت التعذيب”.
ويعتبر الجامع العمري في مدينة درعا بجنوب سوريا، وهو مهد الثورة السورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أول دار للعبادة تتعرض للاعتداء في نهاية شهر آذار/ مارس 2011، وذلك بالإضافة إلى مئذنة المسجد الأموي في مدينة حلب، والتي دمرت في نهاية شهر نيسان/ أبريل من العام الجاري، في حين خرب جامع الصحابي خالد بن الوليد ودمرت أجزاء كبيرة منه، وبعد سيطرة النظام عليه عمدت عناصره إلى تخريب ضريح الصحابي خالد ابن الوليد.
صورة لضريح الصحابي خالد ابن الوليد بعد تخريبه.