ترجمة وتحرير نون بوست
شهدت الساحة السياسية اللبنانية، التي تعاني من انقسام مزمن، انفراجة مهمة في الأسبوع الماضي، بعد مرور أكثر من عام عاشتها البلاد بدون رئيس للجمهورية، إبان إخفاق البرلمان المشتت على الاتفاق على خليفة العماد ميشال سليمان على منصب الرئاسة منذ انتهاء فترة ولايته في مايو 2014، رغم المحاولات الـ32 التي شهدت انعقادًا لجلسات مجلس النواب بغية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولكن يبدو أن إجماعًا جديدًا شرع في الظهور بعد لقاء سعد الحريري، قائد تيار المستقبل المدعوم من السعودية، مع الحليف الأوثق لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وزعيم تيار المردة اللبناني، سليمان فرنجية، في باريس، حيث نص اتفاق الحريري – فرنجية على تعيين الحريري في منصب رئيس الوزارء مقابل ملء فرنجية لسدة الفراغ الرئاسي.
من المثير للدهشة في هذا السياق، الترحيب السعودي بهذه المبادرة، حيث صرّح سفير المملكة السعودية في لبنان، علي عواض عسيري، قائلًا: “نحن نبارك هذه الخطوة”.
من الرياض إلى فيينا، تُعقد المؤتمرات في جميع أنحاء العالم في وقت متزامن تقريبًا لإيجاد حل للحرب الطاحنة التي تشهدها سورية، في الوقت الذي تبدو فيه القوى العالمية والإقليمية محاصرة بالجمود السياسي الناجم عن سنوات من تفكك السياسة الخارجية، تدخل القوى الإقليمية غير المنقطع في الشؤون السورية، والفظائع غير الخاضعة للمساءلة التي يرتكبها النظام السوري.
بالتزامن مع تمزق سورية جرّاء المؤتمرات الفائضة عن الحاجة المعقودة في الخارج، تشير التطورات الأخيرة في لبنان إلى تقديم تنازلات كبيرة من قِبل القوى الإقليمية، مما سيسفر في نهاية المطاف عن صياغة مستقبل سورية في تكرار هزلي للتاريخ الماضي.
فرنجية في لبنان والأسد في سورية
في عام 1970، تم انتخاب جد سليمان فرنجية، الذي يدعى أيضًا سليمان، رئيسًا للبنان بعد نجاحه بفارق تصويت ضئيل للغاية، بفارق صوت الوزير السابق وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني كمال جنبلاط، واليوم، حفيد سليمان فرنجية، سليمان، تم اقتراحه كمرشح محتمل للرئاسة بتأييد من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
سعد الحريري هو نجل رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري الذي اغتيل، ربما على يد النظام السوري، قبل عقد من الزمن، أما وليد جنبلاط، فهو نجل الزعيم الراحل كمال جنبلاط، الذي يُعتقد أيضًا بأن النظام السوري قام بتصفيته في عام 1977، والجدير بالذكر بأن نجلي الزعيمين المغتالين يتهمان النظام السوري بشكل صارخ بضلوعه في اغتيال والديهما.
إضافة إلى هذه المفارقة الوراثية، تمت رعاية وصول وانتخاب سليمان فرنجية الجد إلى سدة الحكم في عام 1970 من قِبل النظام السوري بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد، ويُتوقع بأن ترتيب وصول فرنجية الحفيد اليوم إلى الرئاسة اللبنانية يلاقي رضا نجل حافظ الأسد، بشار، الذي تشبث بمنصبه رغم الانتفاضة الشعبية العارمة التي خرجت للإطاحة به.
بشكل عام، لن يكتب النجاح لمبادرة الحريري المدعومة سعوديًا، والساعية لتسمية حليف الأسد كرئيس للبنان، إلا من خلال الحصول على موافقة إقليمية وحتى دولية، كما ستتطلب عملية إيصال فرنجية إلى القصر الرئاسي تنازلات دبلوماسية مكثفة من قِبل جميع الأطراف، وهو أمر مرجح للغاية ولكن حصوله يبقى غير مؤكد.
بغض النظر عن الشكوك التي تحوم حول الموضوع، فإن تحقق هذا السيناريو سيسفر حتمًا عن تدمير سورية ولبنان بطرق مختلفة، خاصة لجهة أمننة سياسة لبنان لصالح دمشق وإعادة تمحور بيروت في دائرة نفوذ الأسد.
الدور اللبناني في الأزمة السورية
كان للبنان دورًا محوريًا بالنسبة للثوار السوريين والنظام السوري على حد سواء، حيث وفرت الحدود اللبنانية طرق تنقل آمنة للثوار السوريين، كما تم استخدام الوديان اللبنانية المهجورة كمعقل لتدريب المقاتلين، وعلاوة على ذلك، تمخضت الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لعشرات السنوات عن ولادة أمراء حرب من ذوي الخبرة ومستثمرين في أهوال الحرب، الذين رأوا في الوضع السوري فرصة سانحة لإعادة الاستثمار في اقتصاد الحرب، ناهيك عن وجود حفنة من وحدات الاستخبارات الخارجية المترسخة في الداخل اللبناني.
خلال الأزمة السورية، تم إحياء قنوات تجارة الأسلحة مع أوروبا الشرقية التي اضمحلت منذ عقود، حيث أفسحت الأزمة السورية المجال لازدهار حركة تهريب المخدرات بالأطنان عبر الحدود، وتمثل التأثير الأكثر ضررًا الذي أحدثه لبنان على الأزمة السورية بانضمام آلاف من مقاتلي حزب الله في الحرب الدائرة بسورية، وفرار أكثر من مليون لاجئ سوري إلى لبنان، وبالمجمل لعبت الجارة السورية دورًا في جميع أجزاء الحرب الدائرة، عدا الاعتراف الصريح بتدخل لبنان في الشأن السوري.
وفقًا لما تقدم يتوضح بشكل جلي أن السياسة في كلا البلدين متشابكة للغاية، وترشيح فرنجية، صديق طفولة الأسد، لرئاسة الجمهورية اللبنانية، يؤكد على هذه الحقيقة.
إخوة السلاح
البيانان الرئيسيان اللذان أدلى بهما فرنجية يلخصان وجهات نظره بشأن أزمة الرئاسة في لبنان؛ فأولًا، أكد فرنجية عدة مرات بأن الظروف السياسية الحالية تتطلب انتخاب رئيس توافقي، وثانيًا، صرّح دون مواربة بأن أي رئيس محتمل للبنان يجب أن يحظى بقبول الأسد، صديق طفولته.
يتبجح سليمان فرنجية بعلاقته “الأخوية” مع الأسد، فعائلتا فرنجية والأسد ليستا حلفتين سياسيًا فحسب، بل تتمتعان أيضًا بعلاقات صداقة أسرية وثيقة تم توارثها من جيل إلى آخر، ومن هذا المنطلق، إذا وافقت القوى الإقليمية والدولية على تعيين فرنجية للرئاسة، فسيرزح أكثر من مليون لاجئ سوري تحت رحمة التعاون الأمني الوثيق بين المخابرات اللبنانية والسورية.
الحضور السوري الذي استمر لمدة 30 عامًا في لبنان انتهى قبل عقد من الزمان إبان الاحتجاجات الواسعة التي أعقبت اغتيال رفيق الحريري، ولكن احتمالية وصول فرنجية إلى سدة الرئاسة، ترجح، كما يقول كارل ماركس، إمكانية تكرار التاريخ لنفسه “في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة”.
المصدر: ميدل إيست آي