مصر المستغيثة
من المتوقع أن يشهد الاقتصاد المصري عجزًا في الموازنة العامة قد يفوق 9% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الجاري 2015-2016، حيث تعاني مصر عِوزًا في الدولار من أجل تلبية حاجة البلاد من الغذاء والطاقة؛ فقد هبط الاحتياطي الأجنبي من 36 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير 2011 إلى 16.4 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي، بمعنى أن الاحتياطي الأجنبي فقد أكثر من 50% من قيمته منذ اندلاع ثورة يناير 2011 وفي الوقت نفسه ارتفع معدل التضخم إلى 11.1% خلال شهر نوفمبر الماضي بمعنى ارتفاع المعدل العام لأسعار السلع والمحروقات.
عجز الموازنة دق ناقوس الخطر لدى حكومة السيسي حيث استنفرت جهودها – قبل أوامر الملك سلمان بتقديم الدعم لمصر – لاستجلاب الدعم الدولي؛ فسعت وزيرة التعاون الدولي سحر نصر إلى التوجه لواشنطن خلال الشهر الحالي وذلك للتقدم بطلب لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 6 مليار دولار بسعر فائدة 1.5 و2% قابلة للتفاوض والغرض الأساسي للقرض هو دعم عجز الموازنة.
كثيرةٌ هي الأسباب التي أدت بالاقتصاد المصري للانحدار حتى خلّفت عجزًا في الموازنة منها الفساد المالي المستشري في قطاعات الدولة والتي تستنزف من الاقتصاد المصري 5 مليار دولار سنويًا، واستكلاب “إمبراطورية العسكر” على الاقتصاد المصري، فبحسب صحيفة واشنطن بوست أفادت أن الجيش يسيطر على 60% من اقتصاد مصر من بينها المشاريع الاستثمارية القومية، ما يفرض فزعًا على القطاع الخاص المصري والأجنبي على حد سواء من تمدد نفوذ الجيش الاقتصادي وخصوصًا بعد صدور قرار السيسي الأخير الذي أجاز للجيش إنشاء شركات بمشاركة رؤوس أموال محلية وأجنبية، أضف إلى ذلك تدهور قطاعات مهمة في الدولة أهمها السياحة والاستثمارات الأجنبية بسبب الأحداث التي تشهدها سيناء من قتال مع فلول تنظيم الدولة الإسلامية، وأخيرًا حادثة سقوط طائرة الركاب الروسية ما أدى إلى إحجام السياح الروس وغيرهم عن السفر إلى مصر.
وما يضع الاقتصاد المصري في خانة اليك جملة من الأخبار حول ما كشفته مصادر حكومية مصرية أن عدد قضايا التحكيم المُقامة ضد مصر بسبب نزاعات استثمارية يتجاوز 25 قضية غالبيتها لشركات أوروبية وعربية وأمريكية؛ حيث قدَّرَ خبراء حجم الخسائر في حال خسرت مصر هذه القضايا بنحو 20 مليار دولار وهو ما يعادل ربع إيرادات مصر خلال الموازنة المقدرة للعام المالي الحالي، وما يزيد الطين بلّة تغريم مصر 1.76 مليار دولار لإيقافها تصدير الغاز لإسرائيل في أعقاب عمليات تفجير متكررة لخط التصدير الرئيسي، كما أظهرت بيانات هيئة قناة السويس أن إيرادات البلاد من القناة انخفضت إلى 408.4 ملايين دولار في نوفمبر من 449.2 مليون دولار للشهر الرابع على التوالي، وهذا يعني نقصٌ في القطع الأجنبي من خزينة الدولية بوتيرة أكبر.
الملك سلمان منقذ مصر
تعددت استغاثات السيسي للدول العربية والأجنبية للحصول على المال بدءًا بمؤتمر شرم الشيخ وليس انتهاءً بأوامر الملك سلمان في المؤتمر الأخير الذي عُقد في القاهرة في 15 ديسمبر.
فبعد مؤتمر شرم الشيخ في مارس الماضي تلقت مصر تعهدات قيمتها الإجمالية 12 مليار دولار من دول الخليج، وفي مجلس التنسيق السعودي المصري الذي أنشأ في يوليو الماضي في القاهرة للعمل معًا في قضايا الدفاع وتحسين التعاون الاستثماري والتجاري بحضور الأمير محمد بن سلمان عبد العزيز ولي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء المصري المهندس شريف إسماعيل، حيث قررت السعودية حسب أوامر العاهل السعودي الملك سلمان مساعدة مصر في تلبية احتياجاتها البترولية على مدى الخمس سنوات المقبلة وزيادة الاستثمارات السعودية هناك لتصل إلى أكثر من 30 مليار ريال أي ما قيمته 8 مليار دولار، ودعم حركة النقل في قناة السويس من قِبل السفن السعودية، وتم على هامش اللقاء الاتفاق على عقد اجتماع آخر للمتابعة بين البلدين في الرياض في الخامس من يناير.
العلاقة المتبادلة بين السعودية ومصر
ما تحاول المملكة العربية السعودية عمله هو ربط الدول العربية بقوام مشروع عربي إقليمي يهدف بالمقام الأول لحماية الدول المشتركة في التحالف من أي خطر خارجي إرهابي يحدق بها من جهة، وتشكيل قلعة سنية ضد التمدد الشيعي والأجندة الطائفية التي تعمل طهران عليها في المنطقة العربية ولاحتواء مشروعها من التمدد، وعلى هذا الأساس جاء التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب ومقرّه الرياض.
شهدت العلاقات السعودية المصرية توترًا في بداية عام 2015 بعد سريان شائعات بأن الملك سلمان يتبنى موقفًا أكثر ليونة من الإخوان المسلمين إلا أنه للضرورة أحكام، وأحكام الملك سلمان كانت تعتمد في هذا الوقت تحجيم التدخل الإيراني واحتواء دور إيران من لعب دور الشرطي في المنطقة بعد سيطرتها على عدة عواصم عربية، فاقتضت الحاجة وليس عامل الثقة أو السياسات المشتركة بين البلدين (السعودية ومصر) لتكون المحفّز خلف تجدد العلاقات بين البلدين.
الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للسعودية هي الحركات الاستفزازية التي قام بها السيسي منها تقربه من روسيا عندما شعر ببرود العلاقة مع السعودية (أكبر ممّول وداعم لمصر في الفترة الأخيرة) في محاولة منه لتنويع مصادر الدعم الدولي لبلاده وعدم مزاوجة المصلحة المصرية مع المصلحة السعودية، فعمل على تعزيز أواصر العلاقات مع روسيا في محاولةٍ لإنعاش مكانة مصر وجعلها تستعيد دورها الإقليمي كقوةٍ إقليمية، وهذا ما أكده وزير الخارجية المصري بترحيبه بخطوة التدخل العسكري الروسي في سوريا.
ومنها أيضًا عدم إيمان السيسي بمشروع المملكة في احتواء إيران وعدم إظهاره عداوة شديدة لها مفضلًا مقاربة أكثر براغماتية معها، وما يدعم ذلك التصريح الذي جاء من دبلوماسيين مصريين في أبريل الماضي بترحيب مصر بالاتفاق النووي بين إيران والغرب وأنها ستعتمد سياسات مفتوحة مع طهران بعد إبرام الإتفاق.
إلا أنّ السعودية تُدرك أن خسارة المملكة لمصر تعني انضمامها لحلف آخر يقف ضد مصالح المملكة في المنطقة، ومقابل كل الدعم السخي الذي تقدمه السعودية لمصر تنتظر من السيسي موافقة عمياء وبدون تردد على مشاركة ميدانية في المغامرات العسكرية التي تقودها المملكة في اليمن، علمًا أن مصر شاركت بـ 800 جندي فقط في حين كانت تعوّل السعودية على مصر في تغطية الحملة البرية بشكل أكبر، ومشاركة مصر في التحالف الإسلامي الذي شكلته المملكة مؤخرًا.
تورط السعودية في اليمن بتوغل أكثر يعني ازدياد الحاجة إلى مصر كدولة حليفة على الصعيدين العسكري والسياسي، لذلك لا تنظر المملكة إلى مصر كمشروع اقتصادي يتم الاستثمار فيها بمشاريع بعيدة المدى بقدر ما تنظر إليها كحليف إستراتيجي تحتاج إليه في الأوقات العصيبة التي تواجهها الآن وفيما بعد، ولقاء بقاء مصر في الحلف تغدق المملكة الدعم المالي والمادي لمصر بين فينة وأخرى، وبالمقابل فإنَّ مصر ستحافظ على عدم إزعاج السعودية وبنفس الوقت تتبنى خطابًا براغماتيًا وتتصرف وفق مصالحها الإستراتيجية مع دول المنطقة؛ لذلك تدرك مصر أنَ المملكة ستحافظ على علاقتها بها مادامت بحاجة لها وإلا ستنبذها حالما ينتهي دورها، وقد تعيد تفعيل علاقتها مع الإخوان المسلمين أعداء السيسي وتتبنى خطابًا شديدًا ضده.
وفي النهاية وبناءً على ما سبق ذكره فإن العلاقة بين مصر والسعودية هي علاقة مصالح يشوبها القطيعة في أحيان والرضى في أحيان أخرى ومن الوارد أن تبقى العلاقة بينهما في شدٍ وجذبٍ حتى تتغير المعادلات الإقليمية وترجح الكفة لأحدهما.