قبل أيام قليلة فقط خرج علينا في الإعلام الصهيوني بخبر مفاده أن رسالة نصية وصلت عبر وسطاء دوليين لعائلة الجندي شاؤول آرون الأسير لدى كتائب القسام والذي قالت عنه إسرائيل إنه فُقدت جثته خلال الحرب، انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، فيما أصابت حالة من الإرباك والتخبط في أوساط الإعلام الصهيوني، وخرجت عائلة الجندي بمؤتمر صحفي تطالب حماس بالكشف عن مصير ابنها، وتجاهلت حماس الخبر جملةً وتفصيلاً حتى أنها لم تنف أو تؤكد صحة تلك الرسالة.
المحلل العسكري الإسرائيلي يوسي ميلمان اعترف أن حركة حماس نجحت في حربها النفسية، باللعب على وتر المشاعر والأعصاب في قضية الجندي المفقود في قطاع غزة شاؤول آرون، وقال ميلمان في مقال نشرته صحيفة معاريف العبرية: “لا شك أن المناورة التي قامت بها حماس باللعب بمشاعر وأعصاب عائلة الجندي المفقود رقيب أول شاؤول آرون المشدودة، حققت هدفها، سواء تلقت عائلة شاؤول رسالة، أم لم تتلق”.
وأضاف ميلمان: “كون أن العائلة عقدت مؤتمرًا صحفيًا فهذا إنجاز للحرب النفسية التي تقوم بها حماس، بل أكثر من ذلك، فالأم زهافا توجهت إلى زعيم حماس بغزة إسماعيل هنية وإلى دولة إسرائيل للعمل من أجل ابنها وأوضحت: لحظة عرضك إثباتات عن الوضع الحقيقي لابني، أعد أننا سنقلب الدولة رأسًا على عقب ونقلب العالم لأجل إتمام صفقة تبادل”.
وأوضح أنه خلال المؤتمر الصحفي أمس ادعت الأم تلميحًا أنها لم تتلقَ أي رسالة، لكن من المنطق الافتراضي أنها تلقت توجيهات من الأجهزة الأمنية لإنكار ذلك، بالرغم من أن الأجهزة الأمنية رفضت أمس التعقيب على الأمر، من الواضح أنه إن وصلت رسالة فإنها بالتأكيد مزورة.
وقال ميلمان:”أجهزة الاستخبارات واقعة في ظرف حساس، هي معنية أن تصل إلى وضع خلاف للماضي وألا تصل قضايا الأسرى والمفقودين إلى حديث الشارع والاهتمام الإعلامي، إنها تتواصل وتُطلع العائلات وتطلب منها الحفاظ على صمت لاسلكي”، وأضاف المحلل العسكري الإسرائيلي: “العائلات واقعة في ضائقة: إنها تستمع إلى طلبات الأجهزة الأمنية، لكنها تعلم أيضًا أن الضغط الشعبي فقط حرك في الماضي مبادرات وإجراءات قرّبت وأدت إلى الصفقات”، وتابع: توجه حماس هو جزء من جهود الحركة لممارسة ضغوط على حكومة إسرائيل بواسطة عائلات القتلى وإثارة الموضوع في الرأي العام الإسرائيلي.
فيما قال يونتان هلالي الصحفي في صحيفة معاريف العبرية: “تواصل حماس تلاعباتها البشعة في محاولة لدفع عائلة العريف أول شاؤول آرون الراحل – الذي سقط في الجرف الصامد ومكان دفنه غير معروف – إلى ممارسة الضغط على الحكومة للدخول في مفاوضات على تبادل الأسرى”.
الحرب النفسية
معارك الحرب النفسية بين حماس والاحتلال الصهيوني لم تتوقف يومًا منذ سنوات طويلة، وتلك السنوات كانت كفيلة بخلق حالة من الهلع والهستيريا في صفوف المجتمع الصهيوني، تلك الحالة التي ارتفعت وتيرتها خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
نشرت حماس خلال الحرب رسائل استهدفت فيها المجتمع الصهيوني وجنود الاحتلال وقوات النخبة لديه، وكانت أبرز تلك الرسائل عملية اقتحام موقع ناحل عوز العسكري خلال الحرب وتصوير عملية الاقتحام، حيث جاء الفيديو عقب خطاب محمد الضيف القائد العام للقسام، مثلت تلك المشاهد صدمة للمجتمع الصهيوني؛ حيث قال المحلل العسكري للقناة الثانية الصهيونية: ” كتائب القسام منظمة بشكل كبير جدًا، وهناك تنسيق كبير وعالٍ بين القيادة والجند، فبعد انتهاء خطاب قائدهم قصفوا تل أبيب، هؤلاء عبارة عن دولة، صواريخ تل أبيب عبارة عن نيران ثقيلة، وخطاب ورسالة القسام أصابت قيادة الجيش والمستوى السياسي بالصدمة والإحباط”.
فيما أصدرت الرقابة العسكرية الصهيونية أمرًا بمنع نشر وبث مشاهد عملية ناحل عوز لبشاعة المنظر وأثره البالغ على الجبهة الداخلية لدى المجتمع الصهيوني.
روني دانئيل المعلق العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية الثانية والذي يعتبر أحد المتحمسين للحرب على حماس، اعترف على الهواء مباشرة أنه يحظر عليه التحدث عن المفاجآت التي تعرض لها الجنود الإسرائيليون أثناء توغلهم في غزة، والتي تفسر عدم قدرة هؤلاء الجنود على التقدم.
اعتراف
من جهته قال رون شلايفر الخبير المتخصص في الحرب النفسية بأن إسرائيل خسرت ومازالت تخسر في المعركة النفسية مع حماس، داعيًا إلى محاربة الوسائل التي تستخدمها للتأثير على الجمهور الإسرائيلي، وأضاف شلايفر أن حماس نجحت في محاربة الحرب النفسية الإسرائيلية، وما يدل على ذلك عدم انصياع السكان لتحذيرات الجيش الإسرائيلي في أغلب مناطق قطاع غزة.
وقدم شلايفر صورة متشائمة للوضع فيما يتعلق بالحرب النفسية فيقول: “لقد خسرنا في وسائل الإعلام مسبقًا وكان يجب علينا أن نبدأ نحن الحرب النفسية، لأنه لم يعد الوضع كما كان قبل 30 عامًا إما أبيض أو أسود، فهناك بدائل كثيرة ولهذا نحن نخسر الآن”.
يذكر أنه قبل عامين كشف النقاب في إسرائيل عن قيام شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ “أمان” باستئناف عمل “وحدة الحرب النفسية” في الشعبة والتي تعنى بالتأثير على معنويات الفلسطينيين والعرب خلال المواجهات العسكرية.