متصوفو اليوم في ذكرى وفاة مولانا جلال الدين الرومي

“ليس من أهل القال، بل من أهل الحال”، هكذا يصفه المولويون من أتباعه، أتباع الفلسفة الصوفية في الإسلام، في حين يعرفه العالم باسم “مولانا جلال الدين الرومي”، الشاعر وعالم الدين والفلسفة، الذي صنفته البي بي سي بأكثر الشعراء شعبية في الولايات المتحدة عام 2007، مؤسس منهج الفلسفة الصوفية، ومؤسس الرقصة المولوية المشهورة – رقصة سما – التي يقيمها متصوفو اليوم في الذكرى الـ 742 لوفاته.
ولد الرومي في القرن الثالث عشر عام 1207، حين وقعت مجازر ضد المسلمين من قِبل الغزو المغولي، والتي دمرت جزءًا كبيرًا من العالم الإسلامي، ليس فقط من الجانب المادي، بل أثرت سلبًا على الحضارة الإسلامية في بلاد الإسلام من خوراسان إلى بغداد، إلا أنه في الوقت ذاته هرب علماء الحضارة الإسلامية الحديثة من الغزو المغولي إلى بلاد الأناضول، وكان منهم والد جلال الدين، وهو بهاء الدين ولد، الذي لقبه المسلمون بسلطان علماء الدين، والذي كان المعلم والمُربّي الأول لجلال الدين الرومي.
استغرقت الرحلة الكثير، من خوراسان الواقعة الآن ضمن حدود أفغانستان، مرورًا بمكة والقدس ومنها إلى الشام وصولًا إلى قونية في وسط بلاد الأناضول، البلاد التي استقبلت الرومي لتلقبه بعد ذلك بمولانا، ولينبع منها للعالم الفكر الإسلامي المتصوّف، المعروف في العالم بالزهد والسلام.
مكانة المرشد في الصوفية لا تعلوها مكانة، فالمرشد بالنسبة للصوفيين أهم من كل شيء، وبعد المرشد الأول للرومي متمثلّا في أبيه، اكتملت التربية المعنوية مجددًا على يد العالم السيد الترمذي، وبعد سبع سنوات من التعاليم الدينية من فقه وأصول الحديث والشريعة في الشام، يأتي لقاؤه بشمس الدين الترمذي، والذي يصفه مولوي الحاضر بـ “مرج البحرين” اقتباسًا من التعبير الوارد في القرآن الكريم، ليبيّنوا مدى أهمية ذلك اللقاء في حياة الرومي، والذي يعتبره المؤرخون نقطة تحول في حياة ذلك العالم، ووصفه الرومي بنفسه بأنه المرحلة التي انتظرها ليصل إلى مرحلة العشق الإلهي وفقدان الذات، في محاولة إلى الوصول إلى الله والغفلة عن الوجود.
جلال الدين الرومي
“مَنْ لا يركض إلى فتنة العشق يمشي طريقًا لا شيء فيه حي
ومن المحبةِ تصبح كل المرارات حلوة
ومن المحبة يصبح كل النُّحاسِ ذَهَبًا
ومن المحبةِ تصبح كل الآلام شافية”
جلال الدين الرومي
رقصة سما، الرقصة المولوية
“السَّماعُ هو شعور الإنسان بخالقه في أصغرِ خليَّة، السماع ليس عبارة عن الدوران، إذا كان الإنسان وهو جالس يشعر في أعماقه بالخالق، فهذا يعني أنه في حالة سماع”، جلال الدين الرومي.
رقصة سما لا تُعبر عن المولوية، بل هي فقط طقس من طقوسها، حيث يرمز الثياب البيضاء إلى الكفن، الحزام على الوسط رمزًا للصبر وتحمل الجُوع، المعطف الأسود يرمز إلى القبر، والقلنسوة على الرأس ترمز إلى شاهد القبر، هذه هي فلسفة الرقص إذن، أنت تخرج من دنياك تمامًا، يقولونَ أيضًا، الكون كله يدور حول مركزه: الله، كل المجرات تدور، وتدور الإلكترونات حول كل نواة ذرة تكوِّن جسمنا، لماذا لا تدور أنت إذن؟ إنها الدائرة واللهُ مركزُهَا.
الدوران في فلسفة الرومي هو الطواف، فيقول بأننا نعيش في عالم يدور حول نفسه، وحول باقي الكواكب في مجرات واسعة، والإلكترونات تدور حول الذرة، فلماذا لا ندور كذلك، في محاولة لسماع نداء الله والاندماج مع الطبيعة، حيث تقوم الصوفية على التخلص الكامل من الغرور البشري، بل ويستخدمون مصطلح “حرق الأنانية”، حيث يعتبرون أنهم يعيشون في مكان تتواصل فيه كل الكائنات الحية معًا بطريقة غير مباشرة وغير مرئية، فلا يجدون للغرور البشري والتعالي أي مكان بين البشر.
كتب جلال الدين أكثر من ثمانين ألف بيت شعر، ستون ألفًا منها في ديوان شمس تبريز، وأربعة وعشرون ألفًا أخرى هي قوام كتابه الأشهر المثنوي، تركت أشعاره ومؤلفاته الصوفية والتي كتبت بلغته الأم الفارسية تأثيرًا واسعًا في العالم الإسلامي وخاصة على الثقافة الفارسية والأردية والبنغالية والتركية، وفي العصر الحديث ترجمت بعض أعماله إلى كثير من لغات العالم ولقت صدًا واسعًا بحيث وصفته البي بي سي سنة 2007 بأكثر الشعراء شعبية في الولايات المتحدة.
المولويون على خطى مولانا
“نحن نشعر بالاحترام والتقدير لكل كائن حي على هذه الأرض، بداية من الناس بمختلف دياناتهم، إلى كل الكائنات الحية، لذا نسمع أن المسيحين فهموا عيسى أكثر من خلال مولانا، وكذلك اليهود فهموا موسى أفضل من خلال تعاليم مولانا”، ناجيهان تشيفتيلير، أول امرأة تقوم برقصة المولوية مع الدراويش.
يقول عنهم السائحون في تركيا إنهم الدراويش الراقصون، أما الدراويش أنفسهم لا يحبون إطلاق ذلك اللقب على أنفسهم، ولا يفضلون قول دراويش كذلك، ففلسفة الدرويش أن يعرفه الناس بأنه متصوف بدون أن يقول ذلك عن نفسه، فهم معروفون بالتسامح والحب، مما يجعلهم بشكل أو بآخر في انعزال عن العالم المضطرب حاليًا.
دفن في مدينة قونيا وأصبح مدفنه مزارًا إلى يومنا.
“لا تبحث عن ضريحنا في الأرض بعد وفاتنا.. فضريحنا قلوب العارفين”، جلال الدين الرومي.