(أم القرى ستكون “قم” وليس مكة) .. رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني
تعاظم دور طهران في المنطقة العربية في 2015م ولكن كالعادة ليس في مواجهة أمريكا أو «الشيطان الأكبر»، ولكن في تهديد الدول العربية المجاورة لها إما عبر التصريحات الرنانة وإما عبر مليشياتها العسكرية في المنطقة، التي لدى أكثرها قنوات فضائية ناطقة باسمها.
والحقيقة أن أحلام إيران في استعادة نفوذ وهيمنة الإمبراطورية الكسروية على المنطقة لا تنتهي، بل إن هذه الأحلام حاولت إيران في عام 2015م فرضها كأمر واقع تارة بقواتها العسكرية بمليشياتها متعددة الجنسيات تارة أخرى، في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
ولذا لم يكن غريبا أن يقول قائد الحرس الثوري الإيراني “محمد علي جعفري” إن “نظام الهيمنة الغربي بات يخشى من توسع الهلال الشيعي في المنطقة، والذي يجمع ويوحد المسلمين في إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان”.
وهذه الأحلام التوسعية لن تكن غائبة يوما عن الإيرانيين، فالرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني قال لوفد برلماني كويتي عام 1992م ما نصه “أنتم في الضفة الأخرى (الخليج) تابعون لنا وستعودون إلينا”.
والخطير أن إيران توسع نفوذها في المنطقة بحجة مكافحة تنظيم “داعش”، فباتت تنفذ أحلامها التوسعية تحت غطاء حربها المعلنة على التنظيم. ولم تكتف إيران بذلك بل مولت جماعات تخريبية في البحرين كجماعة “الأشتر” الإرهابية، التي نفذت عمليات إرهابية في المملكة الخليجية.
وهذا ما دعى المملكة العربية السعودية و34 دولة إسلامية لتشكيل تحالف عسكري إسلامي، أعلن في بيانه التأسيسي أنه سيحارب الإرهاب أيا كان مذهبه, وهذا يعني أن الدول الإسلامية أخيرا قد عقدت العزم ليس فقط في التصدي لتنظيم “داعش” وإنما مواجهة النفوذ الإيراني باللغة الوحيدة التي تفهمها.
الغزو الإيراني لسوريا
شهدت الاستراتيجية الإيرانية في سوريا في عام 2015 تحولات خطيرة حيث زجت إيران بعشرات الآلاف من الحرس الثوري الإيراني وقوات “الباسيج” والمليشيات اللبنانية (حزب الله) والأفغانية والباكستانية والعراقية الشيعية، كما باتت تلك القوات تتحرك بغطاء جوي روسي كامل، وأصبحنا في كل يوم تقريبا نرى ما تنشره وسائل الإعلام الإيرانية من بيانات تنعي فيها كبار القادة والرتب فضلا عن الجنود الذين قتلوا بحسب إيران أثناء تأدية “واجبهم الجهادي”.
المخططات الإيرانية وصلت إلى شبه اجماع بين قيادات الحرس الثوري الإيراني إنه إذا لم تستطع طهران هزيمة الفصائل الثورية السورية في كامل الأرض السورية، فإنها ستلجأ للخطة “ب” ، حيث ستتجه لما يعرف الآن باسم سورية “المفيدة” التي تشمل الساحل السوري بما فيه جبلي التركمان والأكراد واللاذقية وطرطوس وأجزاء من حماة وحمص والقلمون ودمشق.
والخطير أن القنوات الإيرانية ترتكز في تبرير وجود الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية على علامات الساعة لدى الشيعة المتعلقة بأرض الشام خصوصًا والمنطقة عمومًا، وهو ما يعني أن الأمر لدى إيران يتعدى الاختلاف السياسي والمفاوضات السياسية إلى حرب عقائدية تشنها في سوريا وهذا ما سيجعلهم يرفضون أي حلول سوى بقاء النظام في سوريا وذلك حتى لو وافق بشار على أي حل !!.
والمفارقة أن قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال “المختفي حاليا” قاسم سليماني، قال إن محافظة حلب شمال سوريا، “السلطات العليا في إيران (خامنئي) أمرت بتحرير مدينة حلب ولو بتقديم 100 ألف شهيد”، وبالفعل لم تنتهي هذه التصريحات وإلا والآلاف من القوات الإيرانية والمليشيات الأجنبية المتحالفة معها كانوا يتقدمون في ريف حلب الجنوبي تحت غطاء جوي روسي، ولكن هذه الحملة الأكبر في تاريخ إيران منذ الحرب “الإيرانية – العراقية” فشلت في تحقيق هدفها المنشود، لان الفصائل السورية المسلحة وجيش الفتح استطاعوا وقفها بل وشن هجمات معاكسة، وقد ساهمت الدول الداعمة للفصائل السورية وفي مقدمتها السعودية في تلك الانتصارات خصوصا عبر تزويدها تلك الفصائل المسلحة بصواريخ “التاو” وغيرها من الأسلحة “النوعية”.
تحطم أحلام إيران في اليمن
جاءت “عاصفة الحزم” لتبخر أحلام إيران ومشروعها التوسعي في اليمن، حيث حققت قوات التحالف العربي والجيش الوطني والمقاومة الشعبية في 2015م انتصارات كبيرة وباتوا جميعا على أبواب صنعاء، ورغم المساعدات الإيرانية الضخمة لقوات صالح وللمليشيات الحوثية والدعم اللامحدود الذي تمثل في إرسال مستشارين عسكريين وقوات إيرانية (قبل بدء عاصفة الحزم)، إلا أن حصار التحالف العربي للأجواء والسواحل اليمنية منع السفن والطائرات من الاقتراب من اليمن، وهذا ما ادى إلى تشرذم المليشيات الانقلابية.
وقد حاولت إيران الانتقام عبر الإيعاز للمليشيات الانقلابية بشن هجمات على الحدود المحافظات السعودية الجنوبية، إلا أن المليشيات منيت بهزائم فادحة في الأرواح والعتاد والآليات العسكرية.
ومع هذه الهزائم المتتالية سارعت مليشيات الحوثي وصالح إلى الاستغاثة بالدول الغربية والمنظمات الدولية بأنهم على استعداد للمفاوضات والحل السياسي ووقف الحرب، وهو ما يعني ضمنا أنهم اعترفوا بالهزيمة.
وقد شدد الرئيس اليمني هادي بالقول: “إننا نقاتل في معركة الدفاع عن البلد ومقدراته وشرعيته وحتى لا يسقط البلد في أيدي التجربة الإيرانية التي لديها طموحات كبيرة منها السيطرة على باب المندب”، مؤكد “أنه لن يتراجع عن انهاء الانقلاب الذي يقوم به الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح مضيفا أنه سوف يستمر في محاربة التدخل الايراني وسيعمل جاهدا من أجل ايقاف تدخل ايران بشؤون اليمن”.
العراق ولاية إيرانية
أما العراق، فالهيمنة الإيرانية الكاملة معلومة للعالم أجمع، والأمر وصل إلى أن يقول علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، وذلك في إشارة إلى إعادة الامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها.
وتابع يونسي تصريحاته خلال منتدى “الهوية الإيرانية” بطهران “جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معا أو نتحد”، في إشارة إلى التواجد العسكري الإيراني المكثف في العراق خلال الآونة الأخيرة.
وكانت من أواخر تصريحات وزير الخارجية السعودي الراحل، الأمير سعود الفيصل، أن “إيران تسيطر على العراق”، ضاربا مثلا بعملية تكريت التي تنفذها القوات العراقية بمعية الميليشيات الشيعية وقوات إيرانية يتقدمها قاسم سليماني.
العراق بات محتلا اليوم من قبل إيران، حيث أشارت تقارير إلى أن القوات الإيرانية وصلت إلى محافظة ديالى العراقية شمال شرق بغداد تحت غطاء محاربة تنظيم “داعش”.
وكان رئيس أركان الجيوش الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، قد وصف التدخل العسكري الإيراني الأخير في العراق بأنه “الأكثر وضوحا في العراق منذ عام 2004”.
وقد أيد ائتلاف القوى السنية العراقية إنشاء “التحالف العسكري الإسلامي” ورحبوا بتأسيسه وطالبوا بأن يكون له دور في تحرير العراق من الهيمنة الإيرانية، كما أعلنت جماعة “جيش الطريقة النقشبندية” احدى جماعات المقاومة العراقية انضمامها للتحالف، مؤكدة أن العراق يعاني من الاحتلال الإيراني.
هيمنة «الحزب» على لبنان
استمرت هيمنة «حزب الله» اللبناني على الدولة اللبنانية، حيث استمر مرور الآلاف من عناصر الحزب من الأراضي اللبنانية إلى سوريا، وقد استمر الأمين العام للحزب “حسن نصرالله” في الخطابات ذات النزعة الطائفية التي تنال من جميع بلدان المنطقة، كما روج فيها لإيران ومشروعاتها في المنطقة وانه يفتخر انه جندي من جنود ولاية الفقيه.
وحتى بعدما وافق حزب “نصر الله” والأحزاب المتحالف معه ضمنيا على تسمية رئيس تيار المردة “فرنجية” رئيسا للجمهورية اللبنانية، وبدأ الساسة في لبنان يتحدثون عن الانفراجة، جاءت
من السفارة الإيرانيّة عددا من القوى السياسيّة عدم سيرها في هذا الاتفاق.
صوت الحكمة
وقد خاطب الشيخ محمد الحسيني رئيس المجلس الإسلامي “الشيعي” في لبنان، أن شيعة العراق ولبنان قائلاً “إن إيران تحتل دمشق، وبغداد، وصنعاء، ويقوم الجنرال قاسم سليماني بشرب القهوة في تلك العواصم العربية غير آبه بمن حوله”.
ودعا الحسيني جميع المسلمين العرب من السنة والشيعة إلى التوحد في وجه تمدد “ولاية الفقيه”، وأضاف: “في سوريا نجد حسن نصر عميل قاسم سليماني يدخل إلى بيوت السنة ويقتل أطفالهم ويعتدي عليهم، وفي اليمن نجد عملاء إيران (الحوثيون) يحتلون اليمن، وينوون احتلال الحرمين الشريفين”، وتابع “إيران تستخدم الشيعة في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن كأدوات وجسور لتعبر بهم إلى مبتغاها وتبسط نفوذها على دولهم دون إعطاء قيمة للشيعة العرب مهما أسدوا لها من خدمات”.
وكرر الحسيني مطالبته للشعب العراقي بمكونيه السني والشيعي أن يتوحدوا في مقاومة الاحتلال الإيراني قائلاً: “في العراق إيران هي المحتلة، إيران هي من تحتل العراق وليس الشيعة”، ونبه أن “المخابرات الإيرانية هي من تتحكم في مكتب المرجع الشيعي علي السيستاني، وتقوم بإصدار الفتاوى التي تصب في مصلحتها من مكتبه ودون علمه”، وفق قوله.
الخلاصة حمل عام 2015 مفاجآت غير سارة لنظام ولاية الفقيه الإيراني، فقد تلقت قواته العسكرية ممثلة في الحرس الثوري ضربات موجعة في سوريا، كما أفشلت تضحيات دول التحالف العربي والمقاومة الشعبية المخطط الإيراني في اليمن، كما جاء تشكيل “التحالف العسكري الإسلامي” والذي نص في بيانه التأسيسي أن سيوجه المنظمات الإرهابية أيا كان مذهبها إلى
كل هذه العوامل السابقة تعني أن التوسع الإيراني في المنطقة ودخول “خامنئي” في صدام مع محيطه الإقليمي، وإنفاق نظامه المليارات على أذرعه العسكرية والسياسية في المنطقة، قد أضر بالاقتصاد الإيراني ضررا بالغا، إلى الحد الذي أدى إلى بروز الاختلافات بين أركان النظام الإيراني على السطح الأمر الذي دفع رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني بمطالبة السياسيين وأصحاب القرار الإيرانيين بضرورة إنهاء الخلافات الداخلية للحفاظ على أمن البلاد قائلا إنه “لا يحب أن ندفع البلاد إلى الهاوية بأنفسنا ونتسبب في دمارها وتفككها”.
هذه العوامل تنذر بثورة داخلية عما قريب تحدث عنها لاريجاني في تصريحاته السابقة، وقد رأينا جميعا إرهاصتها في أقاليم “الأحواز” و”أذربيجان الجنوبية” و”بلوشستان”، وهذا يؤكد أن الشعوب الإيرانية قد عقدت العزم على الخلاص والمسألة أصبحت مسألة وقت ليس إلا، وإن غدا لناظره قريب.