بتتذكر اليوم الأول اللي حكَّك فيه مُخَّك ؟ المرة الأولى في حياتك اللي سمعت فيه صوتين في رأسك، صوت متعوِّد عليه، بيشبه صوت “كل حدا” و صوت بيشبهك جداً بس عمرك ما سمعته قبل اليوم، اليوم الأول اللي فهمت فيه اللي غنّاه منير “كل المفروض مرفوض”، اليوم الأول اللي حسيت فيه إنو يمكن اللي حواليك مو صح و إنت غلط، و يمكن عادي إنك تحس حالك من كوكب ما بيشبه كوكب “كل حدا”!
اليوم اللي حكَّك في مخك اللي اكتشفت إنو يمكن في طريق ما بيشبه طريق “كل حدا”، طريق يمكن من حقك إنتَ تدوِّر عليه و تكون أول واحد بيمشي فيه، حكَّك مخَّك إنو كيف “كل حدا” بتجاربهم اللي ما بتشبه بعض، و حركاتهم اللي بتصنع من كل واحد فيهم “حدا مميز لأنه هو، و بس هو”، و أخطاءهم و طريقة تعاملهم معها و الناس اللي حبوهم، و الناس اللي كرهوهم، و الكتب اللي قرءوها، و الأغاني اللي بيحبو الصبح يسمعوها، كيف ممكن تكون كتير غير بعض، و يكون كل واحد فيهم مميز جداً بشخصه و تجربته، و مع هيك يمشوا كلهم مع بعض بطريق واحد ؟، كيف ممكن يكون في طريق واحد؟، بيحكَّك مخَّك، كيف ممكن يكون في طريق طبيعي واحد لازم كلنا نمر فيه، بنفس الطريقة، و لنفس الأسباب و الدوافع، كيف يعني في مراحل محتوم علينا نمر فيها، بطريقة وحدة؟ و لدافع واحد ؟، و ليش لمّا نجرب نحيد و لو شوي أو نجرِّب نلاقي طريقنا اللي بيشبهنا “احنا و بس” بتتحول كل الأصوات حوالينا لصوت حليم و هو بيدندن اللي كتبه نزار على لسان قارئة الفنجان “طريقك مسدووودٌ، مسدوودٌ يا ولدي”، بيحكَّك مخَّك، “كذب المنجمون و لو صدقوا”!
إنت مين مفكر حالك؟”، “يعني إنت حتغيِّر الدنيا؟”، “هاي طبيعة بشرية”، تعليقات “كل حدا” بتحولك بين اللحظة و أختها لإنسان مخالف للطبيعة لمجرد إنك حاولت تصنع طريقك إنت
في نظام معين لازم تمشي عليه، “كيف يعني ما تشتغل بتخصصك؟”، “كيف يعني يصير عمرك 22 سنة و ما بدك تتزوجي؟”، “كيف يعني ما بتفرق معك المصاري و بدك تلحق شغفك؟”، “كيف يعني”، بيحكَّك مخَّك، يا ترى مين اللي مو فاهم التاني ؟ و التعليق اللي بيقتلك أكتر من أي تعليق تاني “أنا كنت زيَّك بالزبط، بعدين فهمت الواقع”، و بتدعي الله بسرك ألف مرة إنك ما تفهم الواقع!، بتخاف و بترتعب لأنه الشخص اللي أمامك كان مؤمن جداً و فجأة فقد اللمعة اللي كانت بعيونه، و فجأة صار بيشبه “كل حدا”، بتخاف يذوب وجهك مع وجوههم، و بترتعب إنك ممكن بيوم تصير واحد من “كل حدا”
من اليوم الأول اللي حكَّك فيه مخّك و سبح عكس تيار “كل حدا”، و إنت مصاب بصداع، بس صداع من النوع المريح، النوع اللي بيحسسك ألمه إنك مرضي نفسك حتى لو ما أرضيت “كل حدا”، صارت يمكن الأصوات بمخك أعلى، و الحكَّة كتير أقوى، بس في هدوء نفسي جُوّاك بيذكرك بغار حراء، بيذكرك بوجع بلال و صوته تحت الشمس “أحدٌ أحد،” و يقين قلبه اللي بتحسه بين حروفه، نفسك تكون قوي زيهم و نفسك حكّة مخّك تكون مرحلتك المكِّية اللي منها رح توصل لإيدك و هي عم بتعمِّر قباء.