اليمن في حكم علي عبد الله صالح
تُعدُّ اليمن غنية بالثروات الطبيعية باحتضانها أكبر مخزون احتياطي من الجرانيت والرخام على مستوى الشرق الأوسط، إضافة إلى التيتانيوم والحديد حيث تم اكتشافهما بنسب عالية في محافظات مأرب وصعدة والبيضا ومورا، كما يتوفر البازلت والذهب والفضة والرصاص والزنك في صنعاء وحضرموت وشبوة، ناهيك عن الأسمنت الذي يخولها أن تتربع في المراتب الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وتتواجد الرمال الزجاجية في اليمن بوفرة عالية، كما وتسهم صادرات البن بـ 20% من الناتج المحلي الإجمالي إلا أنه تأثر كثيرًا بسبب زراعة القات، وتُعرف اليمن بالثروة السمكية بطاقة تصديرية تقدر بـ 350 ألف طن سنويًا إلا أن الإنتاج في هذا القطاع ضئيل جدًا وغير متطور، والجدير بالذكر أنّ إنتاج اليمن من النفط هو مئة ألف برميل يوميًا.
على الرغم من توفر كل تلك الثروات الطبيعية إلا أن الاقتصاد اليمني متهالك وغير متطور حيث يقوم على 33 مليار دولار فقط من الناتج المحلي الإجمالي ونسبة بطالة تقدر بـ 35% ويشكل الدين العام 37% من الناتج المحلي الإجمالي.
تحتل اليمن مراتب متقدمة في مؤشرات الفقر والفساد بين دول العالم، حيث حصلت على المرتبة 146 من أصل 178 في عام 2010 في تقرير منظمة الشفافية العالمية المعني بالفساد، ويصنف 35% من السكان تحت خط الفقر.
ساهمت جملة من العوامل في تخلف الاقتصاد اليمني؛ بدءًا من طبيعة البلاد القبلية وليس انتهاءً بالحروب الأهلية التي شهدتها في فترات متقطعة خلال العقود الماضية.
لكن وبالرغم من فقر اليمن وتخلف اقتصاده استطاع رئيسه جمع ثروة طائلة، فحسب تقرير لخبراء الأمم المتحدة قُدّم لمجلس الأمن نهاية عام 2014 أفاد أن الأصول المالية والعقارية التي تعود للرئيس المخلوع صالح تشمل عقارات ومبالغ مالية وأسهم وذهب وسلع قيَّمة أخرى تتوزع في 20 بلدًا وأبرز من استقبل تلك الأموال هي الإمارات العربية المتحدة، وأضاف التقرير أيضًا أن “مصدر تمويل ثروة علي عبد الله صالح يعود جزئيًا إلى ممارسات الفساد أثناء فترة رئاسته لليمن وبشكل خاص فيما يتعلق بعقود النفط والغاز”.
لذلك شكل الفساد المالي من الطبقة الحاكمة وأعوانها سببًا رئيسيًا في تأخر الاقتصاد اليمني ونهب مقدراته ومراكمة الأموال العامة المنهوبة من إيرادات النفط والمساعدات والرشوات في حسابات شخصية تُودع في المصارف الأجنبية في الخارج، وقيّد الشباب اليمني المتعلم والطموح من تحقيق أحلامهم وآمالهم في بناء بلدهم ووضعه بين البلدان المتقدمة.
اليمن بعد ثورة فبرابر 2011
بعد إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح وتحالف الأخير مع الحوثيين لإسقاط حكومة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وطردوا الرئيس هادي منها وسيطروا على البنك المركزي اليمني أيضًا، وفي 26 مارس 2015 قادت السعودية حملة مع عشر دول عربية (عاصفة الحزم) لكبح جماح موالي صالح والحوثيين من سيطرتهم على كامل البلاد.
حيث أدت تلك الحرب الدائرة حتى الآن إلى دمار واسع في البنية التحتية والاقتصاد، وهذا ما أكدته الأمم المتحدة في تقرير صادر لها عام 2015 عن اليمن، حيث أكدت أنّ 80% من سكان اليمن (قرابة الـ 20 مليون شخص) يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة بعد أن أدت الحرب إلى تفاقم الوضع في طول البلاد وعرضها.
فهوت العملة المحلية في السوق السوداء، علمًا أن سعر الصرف الرسمي للريال ثابت عند 214 منذ عام 2014 إلا أن الشركات والمواطنين يستخدمون السوق السوداء للحصول على العملة الصعبة.
تضرب اليمن ضائقة مالية منذ سيطرة الحوثيين على السلطة؛ حيث توقف تصدير النفط الذي تشكل إيراداته 70% من إيرادات البلاد وتوقفت المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعوائد السياحة، حيث تؤدي هذه العوامل مع فقدان الأمن والاستقرار السياسي إلى هبوط الريال اليمني أكثر أمام الدولار والعملات الصعبة الأخرى، حيث وصل سعر الريال مقابل الدولار في السوق السوداء إلى 270 ريالًا في شهر أكتوبر.
صدر تقرير للبنك الدولى في عام 2015 يُبرز أن الفقر في اليمن ارتفع إلى 54% من مجموع السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة أي نصف اليمنيين يعانون من الفقر، علمًا أن خط الفقر العالمي للفرد حسب البنك الدولي يبلغ 1.90 دولار، كما ارتفعت البطالة بين الشباب إلى نحو 60%.
الجدير بالذكر أن أحدث البيانات المنشورة في الموقع الإلكتروني للبنك المركزي تشير إلى أن صافي احتياطاته من النفد الأجنبي تقلص إلى 3.16 مليار دولار في يناير وهذا المبلغ يغطي أقل من خمسة أشهر من واردات السلع والخدمات.
مؤتمر المانحين
تعهدت الدول الخليجية في مؤتمر إعادة إعمار اليمن الذي عُقد في الرياض في 10 ديسمبر بالمساهمة في إعمار اليمن وتأهيل اقتصاده لتسهيل اندماجه في الاقتصاد الخليجي، وإلى جانب دول الخليج أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين وتركيا رغبتها المشاركة في الإعمار وفي نفس السياق تعهد رجال أعمال ومستثمرون سعوديون بضخ 5 مليارات دولار كاستثمارات تنموية.
لكن مؤتمر لإعادة الإعمار والحرب مستمرة! كمن “يبيع السمك بالماء”، فاليمن اليوم يعاني من “اقتصاد حرب” تستنزف فيه كل قطاعات الدولة من أجل خدمة الآلة العسكرية المُكلفة لكلا الطرفين، بينما المتضرر الأول والأخير هو المجتمع المدني والبنية التحتية؛ حيث قدرت الأمم المتحدة أن الحرب الأهلية أزهقت إلى الآن قرابة 6000 شخص وقدّر خبراء الكلفة الأولية لإعادة الإعمار بنحو 10 مليارات دولار بعد التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب الأهلية، لذلك من الأجدى إيقاف الحرب أولًا بالضغط على علي عبد الله صالح وهزيمة الحوثيين ومن ثم التفكير بإعادة الإعمار.
قام مجلس الأمن نهاية عام 2014 بتجميد أموال علي عبد الله صالح التي اكتسبها بالفساد المالي الذي أتاح له جمع قرابة ملياري دولار سنويًا على مدى ثلاثة عقود، وعليه فإن على الحكومة الشرعية تشكيل لجنة قانونية لرصد تلك الأموال ومحاولة استرجاعها، عِلمًا أنّ جزءًا لا يستهان به من الأموال موجود في حسابات بأسماء مختلفة في الدول الخليجية والأجنبية، فإعادة هذه المبالغ إلى الخزينة العامة لليمن قد يُغني عن مؤتمرات إعادة الإعمار فثروة عبد الله صالح تعادل 60 مليار دولار أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن أثناء فترة حكمه.
ختامًا.. إيقاف نزيف الدم اليمني أبدى من إيقاف نزيفها الاقتصادي وإعادة إعمار اليمن لا يكون بتقاسم الكعكة بقدر ما يكون بوقف الحرب أولًا وإعادة الاستقرار للحياة السياسية، وعند ذلك الوقت بالإمكان الحديث عن إعادة إعمار، أما الآن ننتظر حملة “إعادة الأمل” بقيادة المملكة العربية السعودية حتى تعيد الأمل لليمن ويصبح سعيدًا كما يجب أن يكون.