قبل خمس سنوات من الآن، استفحلت البطالة في تونس وعم الشباب اليأس، فالشغل غير متوفر وإن حصلت على أهم الشهادات العليا وأرقاها، والمستقبل أسود لا أمل يلوح في الأفق، وإن احتجيت على تعاسة الوضع وطالبت بحقك كان السجن مصيرك والتعذيب والتنكيل خبزك اليومي، حتى جاء يوم 17 ديسمبر2010، يوم كسر الشباب حاجز الخوف وثار على الظلم والاستبداد ورفع شعاره الشهير “شغل حرية كرامة وطنية”.
“شغل” كانت أولى عبارات ذلك الشعار الذي جاب شوارع وأزقة تونس بل ومدن عربية عدة، فالشباب مل البطالة والجلوس في المقاهي، فغير بعيد عنهم في الضفة الشمالية للمتوسط يشاهدون أناس في مثل أعمارهم وأقل يشتغلون الوظيفة التي يريدون ويقبضون أجورًا عالية، وإن لم يشتغلوا تُخصص لهم منح بطالة، ومع ذلك لم يحلم التونسيون بأجور عالية ولا منح بطالة وإن كان حقهم، بل أرادوا وظيفة تعيلهم وتعينهم على الزمن بعد تعب ومعاناتهم رافقتهم سنين طوال داخل قاعات الدرس.
سنة 2010 بلغت نسبة البطالة في تونس 13%، أي ما يعادل 491.8 ألف عاطل عن العمل، منهم 138.9 ألف صاحب شهادة جامعية عليا أي بنسبة 23.3% من مجموع العاطلين عن العمل في البلاد، وكان التشغيل آنذاك حسب الولاء الحزبي والسياسي لنظام بن علي، فكلما كنت مقربًا من السلطة الحاكمة مدافعًا عن أفكارها وتوجهاتها كان الشغل إليك أقرب.
ومع تغير النظام السياسي في تونس عقب الثورة وهروب أغلب بارونات الفساد المتحكمة في السوق وفي قطاع التشغيل، بدأ بعض الأمل يتسلل إلى الشباب وظنوا لوهلة أن الشغل ينتظرهم والعيش الكريم يترقبهم وأن المحسوبية انتهت وولى زمانها، لكنهم اليوم بعد خمس سنوات من الثورة لم يلاحظوا شيئًا تغير بل الأمر زاد تعقيدًا.
فمعدلات البطالة، خصوصًا لدى أصحاب الشهادات العليا، في ازدياد مطرد، حيث بلغت نسبتها حسب إحصائيات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء، 15.2% بواقع 601.4 ألف شخص إلى نهاية شهر مارس 2015 من مجموع السكان الناشطين الذين بلغ عددهم 3.991 مليون مقابل 605.8 ألف عاطل عن العمل في الفترة ذاتها من 2014، منهم 222.9 ألف عاطل من حاملي الشهادات العليا إلى نهاية مارس 2015، وتقدر بذلك البطالة لدى هذه الشريحة بنسبة 30% مرشحة للازدياد وتختلف من محافظة إلى أخرى.
وتشير تقارير أن تواصل انخفاض نسب النمو الاقتصادي في تونس عقب الثورة حيث قاربت الصفر سنة 2015، وعجز الموازنة العامة للدولة وتخفيض التصنيف الائتماني السيادي نتيجة الأعمال الإرهابية التي تشهدها البلاد وتدهور السلم الاجتماعي (تعدد الإضرابات والاعتصامات والزيادات غير المدروسة في الأجور) والانقسام الذي تعيش على وقعه الجارة ليبيا وتواصل حالة الركود الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لتونس (حوالي 80% من التجارة التونسية مرتبطة بأوروبا)، إلى جانب تزايد التدفق العددي لخريجي الجامعات على سوق العمل وعدم إيجادهم فرص شغل مناسبة لتكوينهم الجامعي، عوامل ستؤدي كلها إلى ارتفاع نسب البطالة أكثر خاصة في صفوف الشباب الحاصل على الشهادات العليا.
وأمام هذه الوضعية التي وصل إليها حال التشغيل في تونس اختار بعض الشباب اجتياز الحدود خلسة (بصفة غير شرعية) في قوارب سميت بـ “قوارب الموت” حتى إن كان في الأمر خطر على حياتهم وإمكانية موتهم في عرض البحر فالشباب مل الوعود وشعارات السياسيين.
ونتيجة لقوارب الموت هذه فُقد أكثر من 1500 تونسي في الخارج منهم حوالي 500 مفقود في إيطاليا لا يُعرف مصيرهم إلى اليوم حسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
خمس سنوات من الثورة لم يحقق خلالها سياسيو تونس وحكامها ما حلم به الشباب طيلة عقود وما خرج من أجله الشعب ذات شتاء بارد سنة 2010، حتى وصل الأمر ببعض الشباب العاطلين عن العمل اعتبار أن ما يربطهم بتونس ليس سوى بطاقة هوية وجنسية كتب عليها أنه تونسي.