لطالما ارتبط الساحل الافريقي بجميع صور الفقر والجوع و الامراض،إلا ان هذه الرقعة الجغرافية سينصفها التاريخ على ما يبدو إنصافا على الطريقة الامريكية، وستنال هي ايضا حظها من عدالة العم سام وحلفائه،حيث صارت المنطقة مجالا للتصادم الجيواستراتيجي والجيوبوليتيكي لمختلف قوى العالم من أجل فرض السيطرة على الثروات الهائلة التي تختزنها هذه الأرض “الفقيرة” من غاز وبترول وذهب وفوسفاط ماس حديد نحاس فضة اورانيوم…….،حيث يتوزع نفوذ الدول العظمى في هذه الرقعة الجغرافية على النحو التالي:
فرنسا لديها أربع قواعد عسكرية دائمة في منطقة الساحل:
في السنغال 1200 جندي
في التشاد 1250 جندي
في ساحل العاج 2000 جندي
في الغابون وجيبوتي ما مجموعه 3800 جندي
هذا دون إحتساب التواجد العسكري غير الدائم في عدة دول مثل موريتانيا والكامرون بوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى.
الولايات المتحدة الامريكية:
بالرغم من عدم تواجدها بشكل رسمي في المنطقة الا انها تساهم وبشكل فعال في اغلب العمليات العسكرية الموجهة ضد تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي،ويكفي ان نعلم انه في سنة 2008 تحولت “القوات التكتيكية لجنوب أوروبا” المعروفة ب ” SETAF” إلى “جيش أمريكا في إفريقيا” وهو جزء من قيادة “افريكوم”،حيث قاعدتها موجودة في ايطاليا وعملياتها تجري في افريقيا،ودخلت الى الخدمة في دجنبر 2009.
الصين:
ثاني شريك تجاري لافريقيا،وجدت لنفسها مكانا داخل القارة السمراء،حيث استثمارات الصين في تصاعد مستمر حتى في الدول الصديقة للولايات المتحدة كاتيوبيا التي قام بنك Exim الصيني باستثمار 170 مليون دولار في مشاريع عقارية،وفي ليبيريا وضع “اتحاد الاستثمار الصيني” 2.6 مليار دولار كاستثمار في مناجم الحديد،واستثمارات بحجم 4 مليار دولار في كل من نيجيريا وانغولا،وذلك في مجالات البترول ومشتقاته،الشغب الصيني في إفريقيا يصل الى دعم العديد من الحكومات في الساحل كالسودان، وزيمبابوي وبيع السلاح لأغلب افريقيا تقريبا.
الشركة الصينية الوطنية للبترول (CNPC)هي أكبر مستثمر في السودان بقيمة 5 مليارات دولار. إسرائيل هي ايضا موجودة هي أيضا في منطقة الساحل، وتهتم بالثروات والمعادن الاستراتيجية في هذه المنطقة: كاليورانيوم،روسيا نالهند،والبرازيل قوى حاضرة على المستوى الاقتصادي والعسكري
انه التموقع عسكريا واقتصاديا داخل بهو استراتيجي يربط بين المحيط الاطلسي والبحر الاحمر،وهو ما يعني بلا شك بدء لعبة ساحلية كبيرة هو الساحل الافريقي اذن ، مفتاح استقرار افريقيا،بل هو المنطقة التي ستكون في المستقبل مسرحا لأكبر الصراعات الجيواستراتيجية في العالم، هذا دون إغفال وجود عوامل إثنية وديموغرافية ساهمت هي أيضا في خلق حالة اللااستقرار في هذه المنطقة، والتي لا يتسع المقال لذكرها,
عندما افترى الناتو على هوميروس ودجنت فرنسا “السرفال”
هوميروس ذلك الشاعر الاغريقي العتيد، استعمل اسم ملحمته اوديسا في الحملة العدوانية العسكرية على ليبيا، “اوديسا او اديسيوس” ذلك الفارس الهمام صاحب فكرة حصان طروادة الخشبي الذي كان أول خدعة إعلامية ونفسية في تاريخ البشرية، استغل اسمه في احدى اكبر الخدع السينمائية في هذا العقد، وهو خدعة “تحرير ليبيا” ولم يكن حصان طروادة سوى ثوار الحرية في بنغازي وتوابعهم في الجزيرة والعربية، عبره دخلت طائرات “اوديسا” لتقصف وتضرب وتدمر وتبني الحرية على انقاض البشر.
الفرق موجود فقط في كون “اوديسيوس” في ملحمة اوديسا كان عائدا الى وطنه والناتو في عملية فجر اوديسا كان بصدد احتلال وطن الغير.
عملية “فجر اوديسا” في ليبيا كانت بمثابة الحلقة الاولى في مخطط يروم وضع اليد على منطقة الساحل كلها،وبناء قواعد عسكرية هناك تسمح بالمراقبة والتجسس على تلك المنطقة،في جنوب ليبيا مثلا وكذا القاعدة العسكرية التي تم بناؤها على الحدود الجزائرية المالية والذريعة موجودة والسبب قائم على الدوام،إنه الإرهاب،حيث تشكلت قناعات داخل الدول الغربية والمغاربية، ودول الساحل الإفريقي حول مخاطر انتشار الأسلحة بصورة كبيرة في ليبيا، ووانتقالها عبر الحدود إلى الدول المجاورة (الجزائر، مالي، النيجر، وموريتانيا) وهي مناطق الصحراء الكبرى، التي ينشط فيها تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، إضافة إلى المتمردين الطوارق الذين كانوا يقاتلون في صفوف كتائب النظام الليبي بقيدة معمر القذافي، والذين يقدر عددهم بنحو 800 مقاتل عادوا كلهم إلى بلدانهم، وبهذا تفجر الصراع القديم – الجديد بين الطوارق والدولة المالية. حيث تيقظ الطوارق لهويتهم من جديد مما جعل منهم معطى إقليمي على قدر كبير من الاهمية خصوصا مع ظهور” الحركة الوطنية لتحريرأزواد”.
وتجذر الاشارة الى ان أول تمرد للطوارق انطلق في سنة 1962 -1963، واستمر الصراع بين الحركات المتمردة والسلطة المركزية في باماكو فصولا طيلة العقود الخمسة الماضية، إلى أن أعلن الطوارق عن تشكيل “الحركة الوطنية لتحرير أزواد”، في أواخر عام 2011، التي ضمت في صفوفها المتمردين الطوارق الذين حاربوا إلى جانب نظام العقيد الليبي معمر القذافي.
هكذا سيشن المتمردون الطوارق هجوماً مسلحاً ضد القوات المسلحة المالية في منطقة كيدال وميناكا، في 17 من كانون الثاني 2012 للمطالبة بحق تقرير مصير المنطقة الشمالية من مالي، المتاخمة لموريتانيا والجزائر والنيجر وبوركينا فاسو. وقد حقق الطوارق نجاحاً عسكريا لافتاً من خلال سيطرتهم على أكثر من 70% من شمال مالي، أي ما يعادل
في الثاني والعشرين من مارس 2012، ستقوم مجموعة من الجنود بقيادة كابتن اسمه “أمادو هايا سانوكو”،وهو المتحدث باسم “اللجنة الوطنية لإعادة الديمقراطية واستعادة الدولة” والملقب بين زملائه “بروبن هود”، بانقلاب عسكري على الرئيس المنتخب المالي “أمادو توماني توري” بسبب عدم قدرة هذا الأخير على التصدي لخطر التفكك الذي دب في أوصال الدولة المالية،(و للاشارة فقط ،فان هذا الكابتن تمت ترقيته جنرالا فيما بعد) حيث بدأ من الشمال عبر حركة أنصار الدين المدعومة من طرف الحركة الوطنية لتحرير أزاواد وبعض عناصر تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي،إذ بدأت المدن تسقط واحدة تلو الاخرى في يد المتمردين المدعومين من طرف التيارات اجهادية.
في السادس من أبريل أعلنت حركة تحرير أزواد عن استقلال منطقة أزاواد في الشمال، لتدخل دولة مالي مرحلة جديدة في تاريخها السياسي، من أخطر المراحل وأكثرها تأثيرا وبدأ حكام قصر فرساي يستشعرون الخطر قرب أنوفهم، فكان ما كان.
هولاند على ظهر السرفال
تمثل مالي بالنسبة لفرنسا خزانا كبيرا من الموارد،تحديدا البترول والغاز الموجود بكميات كبيرة في موقع “تاوديني”والذي تتقاسمه ثلاث دول هي موريتانيا والجزائر ومالي،بالاضافة الى وجود اليورانيوم الذي تم اكتشافه في منطقة “أداردالفرس”،غير ان هذه الموارد لم تستعمل او تستغل بعد،كما ان مالي تعتبر الدولة الثالثة افريقيا في انتاج الذهب،وعلى هذا الاساس ،فالسلطة في مالي لا يجب ان تسلم اطلاقا للجماعات التكفيرية والجهادية،لان ذلك ستكون له تداعيات خطيرة جد ا على المنطقة ودولها.
كما ان فرنسوا هولاند القادم على ظهر القط الافريقي “سرفال”(من القطط الافريقية المتنمرة)، لم يكن له بد من التدخل لانقاذ مصالح فرنسا في دول الجوار المالي،فيكفي ان نعلم ان 33 % من اليورانيوم المستعمل في المفاعلات النووية الفرنسية يأتي من النيجر(عن طريق شركة “أريفا”)،وتحديدا من منطقة حدودية مع مالي،هذه النسبة مرشحة للارتفاع سنة 2015 بافتتاح اكبر منجم لليورانيوم في افريقيا والثاني عالميا،كما تجذر الاشارة الى ان النيجر لا تستفيد الا بنسبة 5 في المئة من اليورانيوم الموجود على ارضها؛ حيث تستحوذ شركة اريفا على الباقي.
سياسيا:لم تحرج فرنسا من التدخل،فالدعوة كانت رسمية ومباشرة للتدخل من طرف الرئيس المؤقت ءانذاك،حيث أنه وفي يوم 20 دجنبر 2012 صوت مجلس الامن الدولي لصالح الترخيص بعمليات مساعدة مالي أي في إطار مايسمى بعمليات (MISMA)والتي ستتحول فيما بعد وبقدرة قادر إلى (MINUSMA) أي إلى حملة مساعدة دولية بقيادة الامم المتحدة وليس الاتحاد الافريقي،لتبدأ العمليات العسكرية في 11 يناير 2013 بقيادة القوات الفرنسية، تقنيا كان لزاما على عملية “سرفال” ان تتم باقصى سرعة ممكنة،وذلك لكون المجموعات الجهادية كانت تنتشر بسرعة كبيرة،متجهة نحو الجنوب للسيطرة على مطار دولي في مدينة “سيفاتي”،وهو الامر الذي ان تحقق؟ستصبح معه مسألة تحرير الشمال امرا مستحيلا.
مالي: حلبة أخرى للكباش الجزائري المغربي
لطالما كرست الدولتان مختلف امكانياتهما العسكرية والدبلوماسية والاستخباراتية في المنطقة من اجل ضمان مقعد الزعامة؛ وساهم احتلال ليبيا واسقاط القذافي في فتح المجال اكثر واكثر للجزائر من اجل لعب دور اكبر في المنطقة.
الجزائر كانت على طول خط الازمة في مالي تحاول ابعاد المغرب وتحييده عن هذا الصراع، معللة ذلك بانه( اي المغرب) بعيد عن مالي وليس معنيا بها كما انه ليس عضوا في CEDEAO ولا عضوا في الاتحاد الافريقي.
الاستقبال الذي حظي به الملك المغربي في مالي، لم يكن ليروق الجزائر خاصة إذا علمنا أن المغرب يتوفر على ثقل دبلوماسي كبير في الداخل المالي بسبب العامل الديني، وهو الامر الذي تجلى في تعهد الدولة لمغربية بتكوين 500 طالب مالي وتلقينهم تعاليم المذهب المالكي ؛ الازمة المالية كانت فرصة كبيرة للمغرب للخروج من العزلة التي فرضت عليه افريقيا،واعاد التموقع على المستوى الدبلوماسي وفرض نفسه كقوة إقليمية لها وزنها في مقابل الجزائر.
ورغم انه ليس عضوا في CEDEAO الا ان المغرب شارك في اشغال دورتها المنعقدة في ابوجا والتي خصصت لتقديم خطة عمل بهدف التدخل في الازمة المالية عسكريا،بالاضافة لجهوده داخل مجموعة
5 +5 وكذا دوره كرئيس لمجلس الامن.
في نهاية المطاف لن تحل الازمة المالية باقصاء احد الطرفين،الجزائر لها وزنها وهي الحاضرة تاريخيا في مالي كوسيط بين الطوارق والدولة المالية،والمغرب له جذوره الممتدة في غرب ووسط افريقيا ولا يمكن تهميشه بهذه السهولة.