الحديث عن عام قادم أو مستقبل، شيء من الترف في اهتمامات المواطن المصري أو الحكومة المصرية، فسياسة تسيير الأمور يومًا بيوم، هي التي تحكم تفكير المواطن وسلوك الحكومة، فلم يعتاد المواطن المصري على محاسبة الحكومة منذ عقود، وبالتالي غاب الزمن واعتباراته.
من يخطط لعام جديد في مصر: نحو 43% من السكان يعيشون تحت خط الفقر؟ أم ما يزيد عن 3.5 مليون عاطل؟ أم 10 مليون عانس من الشباب والفتيات؟ أم من صدمهم العسكر في عام 2013، فقضى على حلمهم في بناء دولة ديمقراطية حرة؟
يعيش المواطن المصري حزمة من الهموم تتعلق بمعيشته، فلا يرى في الأفق حلمًا يداعب خياله أو يراهن عليه في تحقيق حالة من الآمان نحو مستقبله أو مستقبل أبنائه.
فالتفكير في الهجرة للخارج لم يتوقف على أرباب الأسر أو الشباب الذي يفكر في تكوين أسر جديدة، ولكنه نال أطفال قصر، حيث شكا ممثل الاتحاد الأوروبي بالقاهرة خلال الشهور الماضية، من وصول مركب من المهاجرين غير الشرعيين من مصر إلى إيطاليا تحمل على متنها أطفال قصر دون سن الـ 18 سنة.
والمتابع لخطاب الحكومات المصرية بعد انقلاب 3 يوليو 2013، يجد أنه يخلو من ثمة الاعتماد على الذات أو التفكير في توظيف الموارد المحلية بشكل أفضل، فحكومات الببلاوي ومحلب وإسماعيل تراهن على الاقتراض الداخلي والخارجي، وتتباهي بما تحصل عليه من مساعدات من دول الخليج، بل وتعتبر هذا إنجاز يحسب لها.
إن أجندة المشكلات الاقتصادية في مصر طويلة، ولكن العاجل منها والمتعلق بتسيير حياة الناس بشكل يومي يتمثل في أزمة الطاقة والمياه وتوفير فرص العمل، وهي قضايا لا تمتلك فيها الحكومة الحالية ولا من سبقها، رؤية وحلول ترتبط ببرامج زمنية يمكن أن تحاسب عليها، سواء أمام البرلمان أو في مؤسسات المجتمع المدني.
مصر ليست دولة صغيرة، فلديها تحد إقليمي في ظل المشروعات المتعددة التي تستهدف المنطقة، كما أن عليها التزام ورهان في دوائر مختلفة منها الدائرة العربية والأفريقية والإسلامية، ويزيد على هذا العدد الضخم من السكان، الذي يعاني من نقص شديد في متطلباته المعيشية الأساسية.
إن الحديث عن الاقتصاد المصري خلال عام 2016، تفرض قضاياه الواقع المعيش سواء على مستوى الحكومة أو الأفراد، وفيما يلي نتناول أهم القضايا التي يتوقع لها أن تشكل أجندة الحياة الاقتصادية بمصر خلال العام القادم.
استمرار أزمة التمويل
لا تخفى أزمة التمويل التي تعاني منها الحكومة المصرية على أحد، فالمصريون يشاهدون مسلسلًا أسبوعيًا يتمثل في قيام الحكومة باقتراض 7 مليارات جنيه، لتلبية احتياجات الموازنة العامة، حتى تجاوز الدين العام المحلي 2 تريليون جنيه.
وسقطت رهانات الحكومة خلال العامين الماضيين في لجم عجز الموازنة العامة للدولة ليكون دون سقف نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي، فوفقًا لبيانات وزارة المالية المصرية وصل عجز الموازنة لنسبة 11.5% في الحساب الختامي للعام المالي 2014/2015، والذي انتهى في 30 يونيو 2015.
ولا يعني ذلك سوى تزايد الدين العام خلال الفترة المقبلة، لتتجاوز فوائده فقط 244 مليار جنيه مصري، أي بما يزيد عن المخصصات العامة بموازنة الدولة لقطاعات التعليم والصحة والاستثمارات العامة.
الحكومة المصرية الحالية، لم تقدم برنامجًا اقتصاديًا يمكن الاعتماد عليه في مواجهة أزمة الدين العام، أو يمكن محاسبتها عليه أمام البرلمان، لما لهذه القضية من تبعات تحرم المواطن من الخدمات العامة بشكل لائق، فأعباء الدين هي خصم من فرصة بناء مدرسة أو مستشفى أو رصف طريق عام أو تقديم خدمات المياه الصاحة للشرب أو الصرف الصحي الآمن.
وللأسف تتجه الحكومة المصرية لإطلاق يدها في المديونية الخارجية، وتمهد لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي خلال عام 2016، سيكون له تبعاته الاقتصادية والاجتماعية السلبية على محدودي الدخل والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة، من خلال فرض ضرائب ورسوم جديدة وتخفيض قيمة الدعم وبخاصة دعم الطاقة، ويخشى أن تزيد أعباء الدين الخارجي نتيجة التوجه للاقتراض من الخارج، حيث تصل هذه الأعباء الآن إلى 5.2 مليار دولار سنويًا، في ظل تراجع موارد مصر من النقد الأجنبي بمجالات السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وقناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج.
تفاقم أزمة الطاقة
تشكل الطاقة في مصر أزمة كبيرة منذ نهاية عام 2007، حيث تحولت مصر إلى مستورد صاف للنفط، وحسب التقديرات فإن استهلاك مصر من الطاقة يزيد بنحو 3%، وحسب بيانات النشرة الإحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر تعيش حالة شديدة السلبية في النفط والغاز، حيث تزيد معدلات الاستهلاك وتتراجع معدلات الإنتاج.
وعلى الرغم من أن انهيار أسعار النفط في السوق الدولية يمثل فرصة لمصر لتدبير احتياجاتها بتكلفة أقل، إلا أن عجز مصر عن تدبير العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد النفط والغاز يمثل أحد التحديات، كما أن الطريقة التي تفكر بها مصر لحل أزمة الطاقة لازالت طريقة عقيمة، وهي أنها تعتقد أن أزمة الطاقة في مجال توليد الكهرباء تتوقف فقط على بناء محطات توليد الكهرباء، في حين أن المشكلة الأهم في هذا المضمار هي توفير الوقود لهذه المحطات، وبخاصة أنها تعتمد على النفط والغاز المستورد، وأن قدرات مصر في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة لازالت ضعيفة.
تستقبل مصر عام 2016، وهي تواجه تحدي الطاقة لتوفير احتياجاتها المحلية، سواء في قطاع الصناعة أو للأغراض المنزلية والتجارية، كما تعتبر الطاقة أحد التحديات الذي يقف الآن حجر عثرة في دعوة مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث ودعت مصر عصر الطاقة الرخيصة أو المدعوة، التي كانت تخاطب بها ود المستثمر الأجنبي، وستظل قضية الطاقة وتكلفتها بالأسعار الحرة، أحد أسباب التضخم في مصر، لاعتبار أن تكلفة الوقود تمثل نحو 30% من تكلفة السلع والخدمات بمصر.
تكريس التبعية
تتشابك المشكلات الاقتصادية فيما بينها، حتى يعصب فك هذا الارتباط نتيجة للآثار الناتجة عن كل مشكلة على الأخرى، فتراجع مدخرات المصريين بما لا يزيد عن 8% من الناتج المحلي الإجمالي، أدى إلى تراجع الاستثمارات العامة، بحيث لا تزيد عن نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي، ولذلك تحقق مصر معدلات نمو اقتصادي متواضعة، 4.2% في أحسن الأحوال -التقديرات الحكومية محل شك من قِبل الكاتب، حيث يرى أن معدلات النمو بمصر أقل من المعلن عنها -، وهي معدلات لا تتناسب مع معدلات الزيادة السكانية، فمصر تحتاج لمعدل نمو لا يقل عن 7% ولفترات ممتدة لا تقل عن 10 سنوات، حتى يمكنها التعامل مع الداخلين الجدد لسوق العمل والمقدر عددهم بنحو 850 ألف عامل.
ونتيجة تراجع المدخرات والاستثمارات، وتباطؤ معدلات النمو، ارتفعت واردات مصر السنوية إلى 80 مليار دولار، وأكدت دراسة للمعهد القومي للبحوث الزراعية على أن مصر تسورد 65% من احتياجاتها من الغذاء.
إذًا مؤشر التبعية الاقتصادية للخارج في مصر، أصبح في أعلى درجاته، بعد استيراد الطاقة واستيراد الغذاء واستيراد العدد والآلات واستيراد مستلزمات الإنتاج؛ فمصر تستقبل عام 2016 وهي تكرس لمزيد من التبعية.
إن خطاب الحكومة بنجاحها في الحصول على المزيد من الدعم من دول الخليج، سواء كان هذا الدعم نفطيًا أو ودائع لدعم احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي المصري، هو ترحيل للمشكلات وليس حلًا لها، ولا يلوح في الأفق أن الحكومة المصرية يمكنها في 2016 أن تعلن عن تبني إستراتيجية للتنمية واضحة المعالم لتوفير احتياجات مصر الأساسية للإنتاج وخلق فرص العمل.
بل الواضح أن السياسة المتبعة هي أطفاء الحرائق، وهي سياسة أدمنتها الحكومات المصرية في ظل سلبية المواطن المصري ووجود برلمانات هشة وأجهزة رقابية لا تملك استقلاليتها.
التعليم
رأس المال البشرية، أهم ما تملكه الدول، لذلك رأس المال البشري، لا يقتصر على مجرد العدد، ولكن بما يتوفر لهؤلاء السكان من خدمات تعليمية وصحية ومستويات دخول تمكنهم من معيشة كريمة، يصنعون فيها التنمية، وينعمون بها.
للأسف تستقبل مصر عام 2016، ولديها رصيد هائل من المشكلات التعليمية، ودلالات ذلك أتت واضحة من مؤشر التنافسية الصادر عن منتدى دافوس، والذي أظهر في المؤشر الفرعي للتعليم، بأن مصر تحتل المرتبة قبل الأخيرة في التعليم من بين 134 دولة شملها المؤشر على مستوى العالم.
فضلًا عن تراجع الجامعات المصرية وتدني مساهمة الجامعات ومراكز البحوث في تطوير الصناعة ومختلف مجالات الأنشطة الاقتصادية؛ مما أدى إلى تراجع معدلات الإنتاجية للعامل المصري مقارنة بغيره من العمال في الدول المماثلة.
كما ذكرنا من السطور السابقة، فإن المشكلات والقضايا الاقتصادية متشابكة، فتدني خدمات التعليم له آثاره الاقتصادية السلبية، المتمثلة في انخفاض الإنتاجية وعزوف الاستثمارات الأجنبية عن التواجد بمصر بسبب عدم توافر اليد الماهرة والمدربة، ومن جانب آخر يكرس هذا الوضع لاستمرار مصر في استيراد التكنولوجيا، وهو ما يعني أن بين مصر وبين تحقيق حلم التنمية مسافات طويلة.
لا جديد
الحديث عن عام قادم يعني التفاؤل، يعني الحديث عن الجديد، ولكن مصر واقع مختلف، سيمر عام 2016 كما مر عام 2015، المواطن في جانب يعاني مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، والحكومة في جانب آخر تعاني مشكلاتها العامة، ولكنها لا تكف عن الوعود التي لا تتحقق ولا المشروعات القومية الوهمية.
أتوقع ألا يختلف سلوك المواطن المصري في تعامله مع مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، من حيث فقدانه لثقته في الحكومة، وأنه سيعمل على أن يحل مشكلاته بنفسه، فتراجع خدمات التعليم لأولاده يستعوضه بالدروس الخصوصية، وتراجع خدمات الصحة سيعالجه باللجوء للمستشفيات الخاصة، وكل هذا خصمًا من دخله، وحرمانًا له ولأبنائه من الاستمتاع بحياة أفضل.
ولذلك لن يحتفل الفقراء في العشوائيات ولا في مساكن الإيواء ولا في الريف الفقير ولا في المناطق الشعبية، بقدوم العام الجديد 2016 خلال الأيام القادمة، لن تكون لديهم القدرة على قضاء أجازة طويلة في نهاية العام خارج مدنهم وقراهم، ولن يتبادلوا الهدايا بهذه المناسبة، لكن لن يفوتهم أن يمارسوا هوايتهم في السخرية من واقعهم وإطلاق النكات على الحكومة ومسؤوليها.