بعد أن أعلنت اليونسيف وصول عدد الأطفال المولودين في مناطق الحروب والنزاعات إلى 16 مليون طفل، في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وجمهورية وسط أفريقيا وجنوب السودان، تتحدث اللاجئات في هذا التقرير عن مخاطر الهروب بأطفالهن حديثي الولادة من مناطق النزاع إلى الدول المستقبلة للاجئين، بالإضافة إلى المخاطر التي وقعت على اللاجئات الحوامل نتيجة عملية الولادة في العراء بدون مساعدات طبية، إذ ترتفع نسبة التوقعات في أنه من الممكن ألا يتمّ الوليد عامه الأول على قيد الحياة وسط الظروف البيئية القاسية التي وُلد فيها، كما يتحدثن عن أولادهن ممن يتعرضون لصدمات عصبية تلو الأخرى تؤثر على نموهم العقلي والإدراكي منذ هروبهم من القصف والقتل المستمر إلى النوم في العراء على حدود دول أوروبا، والتعرض إلى العنصرية القاسية من بعضها، والمجادلة التي يقومن بها للوصول إلى إحدى الدول المُرحبة بوجودهم.
الآن لا نخاف من القصف ولكن نخاف البرد
هكذا بدأت ريما حديثها عن رحلتها مع ولديها من سوريا إلى حدود بريطانيا مع صحيفة الغارديان، تقول بأنها غادرت سوريا منذ شهرين، بعد أن تم سجن زوجها وقتله في السجن، باعت كل ما تملك لترحل كغيرها في الطريق الذي أسمّاه اللاجئون “طريق النمل”، والذي يبدأ من تركيا إلى أوروبا الغربية، تقول ريما بأن أكثر ما كان يرعبها هو السير لآلاف الأميال في الظلام، حاملة ابنتها المريضة في حقيبة على ظهرها، رافضة مساعدات البعض الذين يأتون على دراجات نارية لعرض المساعدة في حمل الأطفال، فتقول بأن كل ما يخطر ببالها أنهم لا يودّون المساعدة بل يودّون خطف ولديها.
من تركيا وصولًا إلى “الغابة الجديدة” على حدود المملكة المتحدة، والتي تُعتبر إحدى صور رفض المملكة المتحدة استقبال اللاجئين داخل أراضيها، حيث تقوم بتجميعهم في تلك الغابة في خيام يقطنها ما يقرب من 4000 لاجئ سوري في طيّ نسيان المجتمع الدولي، في مخيم وقع بين منازل الفرنسيين المُرفهة ومطاعم المملكة المتحدة الدافئة، يعتمد فيه اللاجئون على الشموع كمصدر للضوء والنار كمصدر للتدفئة في ظروف البرد القاسية للمخيم.
هربنا من طالبان بسبب الموسيقى
طالبان تكره لاعبي الموسيقى، وزوج زيرا كان واحدًا منهم، لذا عاقبته طالبان بالضرب ثم السجن قبل أن يهرب منهم، ليستطيع هو وعائلته الهروب من أفغانستان، تروي زيرا بأن وضعهم كان شديد الصعوبة، إذ لم يكن لديهم حقائب أو ثياب بعد أن باعوا كل ما لديهم ليستطيعوا تحمل نفقات المُهربيين، لتبدأ رحلتهم بدون التزوّد بالطعام لمدة يومين، وبعد أن تمزقت أحذيتهم وبالت تمامًا من المشي المتواصل، ليرحلوا من تركيا إلى اليونان في قارب مطاطي يحمل 45 فردًا.
أطفال الألفية الثالثة مشردون
سجلت تقارير اليونسيف أن 200.000 طفل قد طلبوا اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي في أول تسعة أشهر من عام 2015، بالإضافة إلى إجمالي عدد الأطفال الذين اضطروا إلى ترك بلادهم ومناطق النزاع حول العالم والذي وصل إلى 30 مليون طفل، وهو العدد الذي يفوق بأضعاف ما خلفته الحرب العالمية الثانية.
في الصورة طفلة أفغانية في ملجأ للطوارئ في النمسا بعد أن عرضت إحدى الجامعات هذا المكان ليتم استخدامه كملجأ للطوارئ لاستيعاب اللاجئين المُشردين.
تعرضت ابنة سارة من العراق إلى حرق في القدم بسبب نشوب حريق في إحدى الخيم نتيجة إشعالهم النيران في كل مكان طلبًا للتدفئة، على الرغم من بردوة الجو إلا أن ابنة سارة لا تقترب من النيران الموجودة، كما أن كل صلواتها تتلخص في الدعوة بألا تمطر السماء وأن تتوقف برودة الجو في ذلك المخيم، قضت العائلة 45 يومًا في المخيم، وتفيد الأم بأن الحياة أصبحت لا تطاق، حيث قررت العائلة تقديم طلب اللجوء إلى فرنسا بعد رفض المملكة المتحدة القاطع لاستقبالهم.
فاطمة من ليبيا، تروي قصة رحلتها مع ابنها بعد أن سُجن زوجها المؤيد لنظام القذافي، والذي تمّ ضربه وسحله في السجن، ومهاجمة عائلته في منزله عدة مرات وتهديدهم بالقتل، إلا أن قررت العائلة بيع كل ما تملك لتوفير نفقات الهروب إلى إيطاليا، تقول فاطمة بأن القارب نقلها مع 450 فردًا آخريين، تعطل المحرك ليوم كامل في وسط البحر، لا تعلم فاطمة كيف تحملت ذلك الرعب الذي عمّ بين المهاجرين على القارب كلهم، إلا أن ما تتذكره أنها أمرت ابنها بأن ينام حتى يتم إنقاذهم.
آزادا من العراق، تفيد في قصتها بأن العائلة انتقلت من العراق إلى كردستان العراق، حيث أحبت منزلها هناك وتأقلمت على الحياة كذلك، حتى وصول داعش وبدأهم في القيام مجزرة شملت الجميع، بعد سيطرة داعش على كركوك، أرادوا من ولديها وهما في عمر السادسة والسابعة عشر الانضمام إلى صفوف داعش للقتال معهم، قررت آزادا الهرب إلى المملكة المتحدة عن طريق قارب يحملها مع ولديها من تركيا إلى اليونان، إلا أنه تم فصل ولدها الأصغر عنهم أثناء الرحلة ولم تجده بعدها أبدًا، علمت العائلة بوجوده في المملكة المتحدة في مخيمات اللاجئين، وهي تحاول الآن الوصول إليه.
الأمر لا ينتهي بالنسبة للاجئات وأطفالهن عند الوصول إلى المحطة النهائية، فهناك قصص تبدأ بنهاية تلك الرحلة، مليئة بتردي الوضع الإنساني في مخيمات اللاجئين سواء كانت في البلاد العربية أو الأجنبية، بالإضافة إلى استغلال وضع اللاجئات الاقتصادي المتدني وإجبارهن على تزويج بناتهن القاصرات من أثرياء الخليج العربي مقابل المال، أو استغلال غربتهن في اللجوء والتحرش الجسدي والجنسي بهن وبأطفالهن، ناهيك عن غياب الاهتمام الصحي والمجتمعي بهن وعدم تسجيل الزيجات أو المواليد الجدد في المخيمات، خاصة تلك الموجودة في الأردن ولبنان والعراق، بالإضافة إلى غياب الخدمات الاجتماعية للأطفال ونقص التعليم.
الرحلة تكون مميتة، وكذلك ما يتلوها من نتائج إذا وصلت اللاجئات للمحطة الخطأ، أو إلى إحدى الدول الرافضة لوجودهن على أراضيها، فقد تم استبدال الخوف من القتل والقصف في قلوبهن إلى الخوف من موت أولادهن بسبب البرد أو بسبب المجاعة، أو فقد أولادهن على يد المهربين أو عمليات البيع للقاصرات أو الأمهات أنفسهن.