ترجمة وتحرير نون بوست
كتب ديفيد سانجر وسوميني سنغوبتا:
احتفى خطاب تهنئة الذات، الذي صدح داخل قاعة مجلس الأمن يوم الجمعة المنصرم، بتوافق القوى العالمية المنقسمة بشدة أخيرًا على خطة سلام لسورية، بعد أربع سنوات ونصف من اندلاع النزاع الدموي، الذي شهد وفاة أكثر من 250.000 شخص، نزوح أربعة ملايين لاجئ ليجتاحوا منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وبزوع المجموعة الإرهابية الأكثر وحشية في العصر الحديث، تنظيم الدولة الإسلامية، الذي سيطر ودمر أكبر المدن السورية.
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد صمت المنظمة التي ولدت من رحم ويلات الحربين العالميتين إزاء تكشف حملات رعب جديدة، حيث لم ينبس مجلس الأمن ببنت شفة إزاء الإبادة الجماعية في رواندا في عام 1994، والتي تلتها مجزرة سربرنيتشا في عام 1995، رغم أن هذه الأخيرة كانت مصنفة كـ”منطقة آمنة” من قِبل الأمم المتحدة، وفي وقت لاحق، تم اعتبار موقف مجلس الأمن من كلا الأزمتين كإخفاق مذهل؛ مما أسفر عن تعهد دول المجتمع الدولي بعدم الاكتفاء مجددًا بمجرد الجلوس لمشاهدة ارتكاب المجازر.
ولكن في سورية، ومن خلال مقاطع اليوتيوب، يمكننا مشاهدة المآسي الوحشية التي يتم ارتكابها هناك على نحو يومي، والموقف الجامد لمجلس الأمن الناجم عن تباين الآراء الدولية، يعيد إلى أذهاننا مشاهدًا من الحرب الباردة، حين تم وصف موقف مجلس الأمن بأنه وصمة عار تلطخ سجل المجلس، من قِبل الكثيرين من داخل وخارج غرف المجلس.
استخدمت روسيا حق الفيتو لعرقلة إصدار أربعة قرارات عن مجلس الأمن، أملًا بحماية الرئيس بشار الأسد في سورية، حليفها الوحيد الحقيقي في الشرق الأوسط، ومضيف القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، إحدى أكبر المنشآت العسكرية الروسية المتوضعة خارج الأراضي الروسية، ومن جهتها أصرت إدارة أوباما بادئ الأمر على مغادرة الأسد من السلطة قبل أي إجراء آخر، كما رفضت السماح لإيران، اللاعب الإقليمي المهم ضمن الشأن السوري، بالمشاركة في محادثات في جنيف، وهما الموقفان اللذان تراجعت الحكومة الأمريكية عنهما هذا العام.
لم يحفز الوضع السوري القائم منذ أربع سنوات ونصف المجتمع الدولي للتوافق على حل للأزمة السورية، ولكن بمجرد وصول عشرات آلاف اللاجئين السوريين إلى الشواطئ الأوروبية، الذين أججوا التوترات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، ومن بعدها حادثة إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وصلت الحرب إلى نقطة حرجة، مما دفع موسكو وواشنطن لاتخاذ إجراء عاجل.
الخطة التي صدرت يوم الجمعة المنصرم، هي حصيلة ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأنه “التغذية القسرية للعملية الدبلوماسية التي استمرت على مدى ثلاثة أشهر”، ولكن الاختبار الذي ينتظر هذه الخطة يتمثل بقدرتها على تخفيف معاناة الشعب السوري، وهذا الاختبار يجابه بصورة رئيسية القوى العالمية، الولايات المتحدة وروسيا، وأيضًا القوى الإقليمية في المنطقة، والمتهمة بتأجيج الحرب، وهم بالمقام الأول، إيران، تركيا، والمملكة العربية السعودية.
هناك الكثير من الأسباب للتشاؤم، والقليل منها فقط يبعث على التفاؤل.
وفي هذا السياق، بدا التشاؤم جليًا من خلال تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي جلس بجوار كيري في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في مقر الأمم المتحدة إبان تصويت يوم الجمعة، حيث صرّح قائلًا: “لست متفائلًا للغاية حول ما تم تحقيقه اليوم”.
وبعد دقائق، بدا عليه الانزعاج عندما أشار كيري أن 80% من الضربات الجوية الروسية استهدفت الجماعات المسلحة المعارضة للأسد، التي من المزمع أن ينخرط الكثير منها الشهر المقبل في مفاوضات تشكيل الحكومة البديلة.
حاول بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي لطالما لام القوى الكبرى لكونها تركز اهتمامها على مصير الرئيس الأسد بدلًا من مصير الشعب السوري، الضغط على القوى الكبرى للتصرف على نحو أفضل،”أدعوكم لإظهار الرؤية والقيادة للتغلب على اختلافاتكم”، قال كي مون، وتابع: “لقد نشأت فرصة عابرة للسلام، ويتمثل واجبكم بانتهازها”.
ولكن فرص بزوغ الإشكاليات عن خطة السلام السورية تبدو كبيرة للغاية، ومن ذلك على سبيل المثال:
كيف ستنجح خطة وقف إطلاق النار؟
أشارت الأمم المتحدة إلى بعض الهدنات المحلية التي عقدتها الأطراف المتحاربة السورية، بمساعدة من الداعمين الخارجيين مثل إيران وقطر، ولكن هذه الاتفاقات أبعد ما تكون عن المثالية، حيث شمل بعضها نقل السكان من منطقة إلى أخرى بناء على أسباب طائفية، فمثلًا تم نقل السكان الشيعة إلى جيب شيعي والسنة إلى جيب آخر، في حين لم يتم إبرام بعض اتفاقات وقف إطلاق النار الأخرى إلا بعد وصول المدنيين في المناطق المحاصرة إلى حالة المجاعة القاتلة.
من سيشرف على وقف إطلاق النار؟
من المقرر أن يقدم كي مون قائمة من الخيارات المحتملة لمراقبة وقف إطلاق النار لمجلس الأمن خلال شهر، ولكن تبدو فكرة إرسال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة غير ورادة، تبعًا لعدم وجود خطوط واضحة لوقف إطلاق النار، مما قد يجعلها هدفًا للأطراف المتنازعة، ويمكن أن تشمل الخيارات الأخرى قيام مجموعة من البلدان بإرسال مراقبين عسكريين توافق عليهم الأمم المتحدة، رغم أن هؤلاء المراقبين لابد أن يكونوا تابعين لدول لا يُنظر إليها على أنها تتمتع بمصلحة مباشرة في الصراع، وفي حال عدم تحقق ذلك يبقى الخيار البديل هو رصد انتهاكات وقف إطلاق النار من قِبل الأطراف المتحاربة أو المنظمات المدنية، ورفع المخالفات بتقرير إلى الأمم المتحدة، كما يمكن أن يتم الاعتماد في هذا الموضع على بعض التكنولوجيات المتطورة، كمراقبة تحركات الأرض من خلال الطائرات بدون طيار، ولكن يبقى موضوع موافقة أو عدم موافقة الحكومة السورية ورعاتها على استعمال هذه التكنولوجيات الحساسة على الأرض غير واضحًا.
أحد نشطاء المعارضة من إحدى ضواحي دمشق، آرام الدوماني، 32 عامًا، اتهم الحكومة بخرق صفقات وقف إطلاق النار السابقة، كما اتهم روسيا باستهداف المناطق السكنية من خلال غاراتها الجوية في الأشهر الأخيرة، حيث تحدث خلال لقاء أمام فندق لوتي بالاس في نيويورك يوم الجمعة، اجتمع خلاله وزراء خارجية أكثر من 12 دولة لمناقشة عملية السلام السورية، “جميع هذه المؤتمرات ما هي إلا جرعة أوكسجين لإبقاء النظام السوري على قيد الحياة”، قال الدوماني.
من سيحارب تنظيم الدولة الإسلامية على أرض الواقع؟
لم يعرب أي رئيس دولة كبرى، أو رئيس أي دولة من أعضاء مجلس الأمن، عن استعداده لإرسال جنوده لهزيمة الدولة الإسلامية أو جماعة جبهة النصرة، ذراع تنظيم القاعدة في سورية.
القوات الكردية تحارب على الخطوط الأمامية في المعركة ضد هذه الجماعات، ولكنها كانت عرضة أيضًا لنيران الجانب التركي، ومن جهته أخبر الرئيس أوباما أحد الصحفيين في لقاء غير مسجل بأن التدخل الأمريكي البري سيسفر عن مقتل 100 جندي أمريكي كل شهر، مما يعيدنا إلى أيام حربي العراق وأفغانستان.
بالمجمل، لم يقدم أي طرف خيارًا بديلًا معقولًا للإجابة على السؤال السالف الذكر، “إنها ثغرة خطيرة في الخطة”، قال مسؤول عسكري أمريكي مؤخرًا، وتابع: “الجميع متفق على أن المهمة لا يمكن إنجازها من الجو، ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يحدد تشكيل القوات البرية التي ستشترك في هذه المعركة”.
الخطة السعودية التي تتمثل بتشكيل قوة مؤلفة من عدة دول لمكافحة الإرهاب يمكن أن تكون بديلًا صالحًا، ولكن حتى الآن لا يوجد دولة عربية تبدو على استعداد لإرسال قواتها، حيث صرح أحد المسؤولين العرب في الآونة الأخيرة: “يجب أن يقدم الأمريكيون لنا الغطاء، إن كان ينبغي علينا أن نشترك بريًا بالمعركة”.
كيف يمكن إقناع المعارضة المسلحة بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في ظل عدم وجود ضمانات لرحيل بشار الأسد؟
حتى تكون القوى الإقليمية، لا سيما تركيا والمملكة العربية السعودية، قادرة على لعب دور فاعل في الخطة السورية، فينبغي أن تحصل على تأكيدات – ولا سيما من الغرب – بأن الضغوطات للتفاوض على مصير بشار الأسد لن تنتهي، حيث أشار وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، إلى هذه التأكيدات داخل قاعة مجلس الأمن بعد ظهر يوم الجمعة، من خلال تصريحه الذي جاء فيه: “كيف يمكن لهذا الرجل أن يوحد شعبًا ساهم هو ذاته إلى حد كبير في ذبحه؟”، وتابع: “بغض النظر عن أفكارنا، لا يجب علينا أن نخفي الواقع السياسي المحقق، طالما بقي بشار الأسد في السلطة، تبدو فرص عقد مصالحة حقيقية ودائمة بين الشعب والدولة السورية بعيدة المنال”.
من سيجلس على طاولة المفاوضات؟
الجماعات المعارضة التي دعتها السعودية إلى مؤتمر الرياض الذي انعقد في منتصف ديسمبر الجاري، انحصرت بالميليشيات العربية السنية التي تتراوح ما بين الجماعات السنية المتطرفة وجماعات المعارضة التي وعدت بحكم علماني، ولكن التعويل على قدرة هذه المجموعات على إبرام صفقة مع بعض الموالين السابقين لنظام الأسد هي مقامرة كبرى، ومن المرجح أن تسفر اجتماعات التحاور للخروج بدستور جديد لسورية، وهو الأمر الذي نصت عليه خطة السلام المتفق عليها، عن معارك طاحنة، بما في ذلك المعارك التي ستنشب حول حقوق المرأة.
هل ستبقى الدولة السورية موحدة؟
حتى في حال نجاح عملية الانتقال السياسي خلال العامين المقبلين، على النحو المتوخى في خطة السلام، يخشى المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون والروس من احتمالية بزوغ دولة ضعيفة أخرى في المنطقة تنهشها الانقسامات الطائفية وتتمتع بأرضية خصبة لتوسع المنظمات الإرهابية، ودليلهم على ذلك العراق وليبيا وأفغانستان.
الاتفاقات التي تم التوصل إليها في فيينا، وتبناها مجلس الأمن، تدعو جميعًا لسورية موحدة، ولكن الكثيرين قلقون من أن الانقسامات الشيعية – السنية، عدم القدرة على الحكم، وعدم القدرة على السيطرة على الأراضي، ستسفر باجتماعها عن تقسيم البلاد.
ما هو الدور الذي ستلعبه إيران؟
قليلون هم الذين يعتقدون بأن إيران ستتخلى عن دعمها لحزب الله، أو ستتخلى عن موقعها خلف الكواليس الذي تسيطر من خلاله على الحكومة السورية، ففي الوقت الذي قد يتخلى فيه الروس عن الأسد، كونهم يرونه كبضاعة تالفة، يبدو أن الإيرانيين غير مستعدين لذلك؛ فخلال زيارته لنيويورك في وقت سابق من هذا العام، تساءل الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام مجموعة من الزوار عن الشخص الذي سيعمل على إدارة البلاد، كما وصف قائمة الأسماء التي تم اقتراحها لشغر منصب الرئاسة في سورية بغير المعقولة.
أخيرًا، وكما قال كيري يوم الجمعة، لا يوجد “مسار معبد بالذهب” للوضع السوري.
المصدر: نيويورك تايمز