استطاعت المفاوضات الإسرائيلية التركية السرية خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، تحقيق تقارب بشأن تطبيع العلاقات بين الجانبين، في ظل التوتر الروسي التركي، وهو ما أثار تساؤلات عدة حول شرط تركيا المعلن سابقًا بفك الحصار عن غزة قبل إنهاء الأزمة، إضافة إلى دعم القضية الفلسطينية، واستمرار العلاقات مع حركة حماس التي اشترطت إسرائيل تحجيمها.
وأعلن الرئيسي التركي رجب طيب أردوغان أن المنطقة كلها ستستفيد من تحسن العلاقات مع إسرائيل، إذا تحققت شروط تركيا المتمثلة برفع الحصار عن غزة، وتعويض عائلات ضحايا سفينة مرمرة، إضافة إلى الاعتذار الإسرائيلي الذي تحقق في العام 2013.
وحسب الإعلام الإسرائيلي، فإن مطلب تركيا برفع الحصار عن غزة ما زال عالقًا، بحجة أنه سيمكن حماس من زيادة تسلحها، من جهة أخرى يعتبر القادة الإسرائيليون أن أردوغان وقع في أزمة حقيقية وبحاجة لإيجاد بديل عن الغاز الروسي، وأفضل الخيارات لذلك قد تكون إسرائيل، في ظل التقارب الإسرائيلي القبرصي اليوناني بموضوع الغاز، والحاجة الإسرائيلية لتصدير الغاز إلى تركيا ومن خلالها.
ونصت بنود الاتفاق حسب الإعلام الإسرائيلي على التزام تركيا بمنع القيادي في حماس صالح العاروري من دخول أراضيها، والحد من نشاط حركة حماس في تركيا بشكل عام، ومنع أي “عمل إرهابي” على أراضيها، وسن قانون يمنع ملاحقة جنود الاحتلال وسحب الدعاوى ضدهم في المحاكم الدولية، مقابل دفع إسرائيل 20 مليون دولار كتعويضات لضحايا الهجوم على سفينة مرمرة.
كما سيتوجب على تركيا السماح بمرور أنبوب غاز عبر أراضيها، ليبدأ النقاش فورًا بتزويد تركيا بالغاز الإسرائيلي، وإعادة السفراء فورًا واستنئاف العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، فيما ظلت مسألة رفع الحصار عن قطاع غزة عالقة.
الموقف التركي من الاتفاق
قال النائب السابق للرئيس التركي والنائب في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم ياسين أوكتاي، “حتى اللحظة لا يمكن القول أن هناك اتفاق بين إسرائيل وتركيا، وإنما هناك مفاوضات قائمة”، مضيفًا، أن الظروف الإقليمية الحالية تجعل لتركيا وإسرائيل مصالح مشتركة، “الطرفين بحاجة لبناء علاقات متبادلة على أساس المصالح”.
ويرى أوكتاي أن التوقيت الحالي للحديث عن اتفاق ليس له علاقة بتوتر العلاقات مع روسيا، وإنما إسرائيل هي من تسعى لهذا التقارب أكثر من تركيا، كما أن اسرائيل لها مصلحة في نقل الغاز الإسرائيلي من خلال البحر الأبيض المتوسط وتركيا، ويتم التفاوض على ذلك حاليًا.
وأكد أوكتاي أن الاتفاق إن تم سيكون له آثار إيجابية في تخفيف الحصار عن غزة ودعمها، وعلى دعم القضية الفلسطينية بشكل عام، وأضاف، “لا يوجد هناك أي تنازل عن خيار رفع الحصار عن غزة لا الآن ولا في المستقبل، ولكن شكل الاتفاق وتفاصيل تخفيف الحصار لا يمكن الحديث عنها الآن”، واعتبر أن الاتفاق سيعزز قدرة تركيا في التأثير والضغط لصالح القضية الفلسطينية التي تعتبر قضية أساسية وجوهرية بالنسبة لتركيا، حسب قوله.
كما أكد أوكتان، أن الاتفاق لن يكون له آثار سلبية على علاقة تركيا بحركة حماس ومؤسساتها وقياداتها في تركيا، مضيفًا، “لن يتم منع أي قيادات من حماس دخول تركيا، ولا يمكن تجاهل حماس والشعب الفلسطيني سياسيًا”.
وفيما يتعلق ببند منع الإرهاب من على الأراضي التركية، يرى أوكتاي أنه لا يوجد هناك تعريف واضح للإرهاب، وإنما ما تفعله إسرئيل بحق الفلسطينيين هو الإرهاب الحقيقي، حسب تعبيره.
من جانبه رأى الصحافي والمحلل التركي محمد أون ألمش، أن عودة العلاقات مع إسرائيل أمر ليس مستجدًا، “ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من منظور التوتر التركي الروسي فإنه يمكننا القول أن هذا التوتر قد دفع كلا الطرفين تسريع مفاوضات إعادة العلاقات بين البلدين، حيث تحاول تركيا أن تجد حلفاء جدد في المنطقة، والذي يهدد بانعكاسه على مجال الطاقة”.
وأشار أون ألمش، أن تركيا تأمل توفير الغاز الطبيعي من إسرائيل، كما أن إسرائيل تبحث عن أسواق للغاز الطبيعي الذي تأمل تصديره عبر تركيا إلى أوروبا.
وأضاف أن الطرف التركي متمسك بشروطه ولن يتخلى عنها بسهولة، “أكثر السيناريوهات ترجيحًا هو فك الحصار عن غزة مع تسليم المعابر إلى السلطة الفلسطينية، وبهذه الطريقة تكون شروط الطرف التركي تحققت بالشكل المطلوب”.
ويتفق أون ألمش مع أوكتاي في أن الاتفاق لن يؤثر على العلاقة التركية مع حركة حماس والفلسطينيين بشكل عام، منوهًا إلى استقبال أردوغان لخالد مشعل في القصر الجمهوري أمس السبت، وحسب التوقعات فاللقاء كان بخصوص العلاقات التركية الإسرائيلية.
السفارة الفلسطينية: تركيا ستدعمنا
من جهة أخرى تحدث السفير الفلسطيني لدى تركيا فايد مصطفى قائلاً، “تركيا لها صوت واضح ضد الانتهاكات الإسرائيلية بحق شعبنا ومقدساتنا، ونحن مطمئنون أن أي تطور في العلاقات الإسرائيلية التركية لن يكون على حساب القضية الفلسطينية، ولا على حساب الدعم التركي للفلسطينيين بكافة أشكاله”.
وأضاف مصطفى، أنه من المبكر الحديث عن اتفاق نهائي حتى الآن، “حسب معلوماتنا التي نستقيها من الرئاسة والخارجية التركية فإنه لم ولن يتم التنازل عن شرط رفع الحصار عن غزة، وهذا آخر المواقف التركية التي أبلغنا بها”، مشيرًا إلى أن السفارة الفلسطينية لديها علم بوجود مفاوضات بين الجانبين ولكن التفاصيل لم يتم الإعلان عنها بعد.
ويرى السفير مصطفى أن تركيا تقيم علاقات متوزانة مع كل مكونات المجتمع الفلسطيني فتح وحماس وغيرها، وما سرب حول العلاقة مع حماس ومنع قيادات من دخول تركيا هي مصادر إسرائيلية، ولم يتم إبلاغ السفارة الفلسطينية بأي إجراءات جديدة، وأكد أن تركيا ستبقى داعمة للحق الفلسطينية، ولن تغلق أبوابها أمام الفصائل الفلسطنيية.
انعكاسات الاتفاق في حال تم
ويرى الكاتب والمحلل المختص في الشأن التركي سعيد الحاج، أن الحوارات التركية الإسرائيلية وصلت لمرحة متقدمة الآن، ولكن انعكاساتها على القضية الفلسطينية تعتمد على بنود الاتفاقية، “ولا يجب أن نبني على الرواية الإسرائيلية في هذا الجانب، فتركيا لم تقل يومًا ما أنها تحارب إسرائيل، وإنما كان الحديث عن تجميد وقطع للعلاقات، حيث كان لتركيا شروط، ومن الوارد أن تعود العلاقات مع دولة الاحتلال في حال تحققت كامل شورطها أو جزء كبير منها”.
لكن الحاج يتفق مع النائب في البرلمان التركي عن العدالة والتنمية بأن الاتفاق سيمكن تركيا من لعب دور الوسيط والضغط على الاحتلال وإرسال قوافل مساعدات وإغاثة، حيث إنه في ظل جمود العلاقات تضررت هذه الإمكانات التركية، ولم تعد تركيا قادة على المساعدة والضغط على إسرائيل.
وأشار الحاج إلى بعض الآثار السلبية التي قد ترافق الاتفاق، كتحديد بعض إطارات الدعم التركي، ومطالبة إسرائيل بتحديد الوجود الحمساوي في تركيا على مستوى المؤسسات والأشخاص، كما يُرجح أن يؤدي التعاون الاستخباراتي بين البلدين إلى انخفاض سقف التسامح التركي تجاه بعض الأشخاص والمؤسسات.
وقال الحاج، إن الموقف السياسي التركي في سياقه العام لن يتغير من القضية الفلسطينية وحماس، ولن تلجأ تركيا إلى تصنيف حماس كحركة إرهابية أو تطرد قياداتها، وحتى الأتراك لا يناقشون ذلك مع الجانب الإسرائيلي.
وحول توقيت الحديث عن الاتفاق أضاف الحاج، “التوقيت الآن قد يكون إسرائيليًا أكثر منه تركيًا، فإسرائيل كانت تنتظر سقوط العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، ولكن عندما جاءت الانتخابات باستقرار سياسي، تريد إسرائيل تفعيل هذا الأمر، ويعود ذلك أيضًا لعدة أسباب منها الضغط الأمريكي على الطرفين للتصالح، إضافة إلى مهددات الأزمة السورية، وداعش، وغيرها”.
ويرى الحاج أن السياسة الخارجية التركية اضطرت للعودة إلى حضن حلف شمال الأطلسي الناتو بعد توتر العلاقات مع روسيا، وهو ما دفعها لتحسين نواياها مع دول مثل إسرائيل ومصر، وفقدانها جزءًا من الاستقلالية ، “لا أعتقد أن موضوع الغاز الذي ستسرقه إسرائيل من حقول لبنان وفلسطين هو الموضوع الضاغط حاليًا على السياسة التركية والقيادة التركية وإنما الموضوع سياسي وأمني بشكل أكبر”.
وأوضح الحاج أن العلاقات حتى بعد الاتفاق – إن تم – لن تعود لسابق عهدها، بسبب المواقف السياسية المعروفة للقيادة التركية الحالية، والدم التركي الذي أراقته إسرائيل، كما أن الرأي العام ومؤسسات المجتمع التركي ستكون ضاغط على صانع القرار.
ورأى أن هذا اتفاق المضطر وليس اتفاق المحب والصديق، والأهم أن تركيا لم تعد محتاجة لدولة الاحتلال ومعتمدة عليها كما في السابق، بسبب التطورات التركية في المجالات العسكرية والاستخبارية والتقنية، وتصنيع الأسلحة، حيث قطعت شوطًا كبيرًا في ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن الإعلام الإسرائيلي اهتم كثيرًا بهذا الخبر وروج له، فيما التزمت السلطة الفلسطينية وحركة حماس وبقية الفصائل الصمت تجاهه، وسط مخاوف من أن يؤثر هذا الاتفاق بشكل كبير على العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والتركي.
المصدر: قدس الإخبارية