أيام معدوات ويغادرنا عام 2015 بحلوه ومره، يتركنا ليحل محله 2016 ولا يعلم أحد كيف سيكون.
لم يكن عام 2015 سوى امتداد لسنوات خلت من الحروب والأزمات التي عجز عن وقفها السياسيون والمحاربون والمثقفون والنخب بلا استثناء.
إن مجرد البحث في دور النخبة الغربية في حل المشاكل والحروب الحاصلة في العالم اليوم، يدفعنا إلى الحديث بحزن كبير عن النخبة العربية التي لا دور يليق بها وبقدراتها في عالمنا العربي وأسباب ذلك عديدة.
سنة 2015 دخلت الحرب في سوريا عامها الخامس بلا حلول وتواصل نزيف الدماء، كما اندلعت حرب عربية – عربية جديدة في اليمن عندما شكّلت المملكة العربية السعودية تحالفًا عربيًا تحت مسمى عاصفة الحزم بهدف قتال المسلحيين الحوثيين وهو ما خلف مئات القتلى من المدنيين.
في هذا العام، ظهرت بوادر انتفاضة فلسطينية ثالثة سرعان ما تم تحويل وجهتها وإخمادها من قِبل الحكومات العربية وذلك بخيانة الشباب الفلسطيني الأعزل الذي دفعه الإحساس بالظلم والقهر والعنصرية إلى أن يقذف الحجارة أولاً قبل أن يتسلح بسكين الكرامة ثانيًا.
2015 يتواصل مخطط تفتيت المنطقة العربية وفق مخططات سايكس – بوكية جديدة يطول شرحها ولكن كفى بما يحدث في سوريا واليمن دليلاً على ذلك.
لقد اختتم العرب نهاية 2015 بتشكيل تحالف “إسلامي سني” لمكافحة الإرهاب يواصلون بمقتضاه تنفيذ المشروع الأمريكي بالوكالة في المنطقة والقائم أساسًا على تشتيتنا وتفريقنا واستنزاف خيراتنا ومواردنا، ولم يعلم المجتمعون الـ 34 أنهم أنفسهم من صنع الإرهاب إما بتمويلاتهم المشبوهة أو بسياساتهم القمعية وانتهاجهم للديكتاتورية.
فلماذا نحن متخلفون؟ وعن ركب الحضارة بعيدون؟ وإلى المجهول سائرون؟ إلى أين نحن عابرون؟
كل هذه الأسئلة وغيرها حيرتنا ونحن نتابع ونراقب أوضاع العالم عامة والمنطقة العربية خاصة؛ حروب وانقلابات واحتجاجات وطائفية وغيرها من المشاكل التي قصفت حاضر المنطقة ورمت بها في دوامة من المجهول.
المشكلة الكبيرة هي أننا خلال هذه الأزمات اللامتناهية في المنطقة العربية لم نر نخبنا المثقفة تتصدر المشهد في توصيف الحوادث ومحاولة تفسير الظواهر لإيجاد الحلول لهذه المشاكل العديدة، بل كل ما نرى سفهاء وجهلة يتصدرون الساحات والفضاءات والقنوات وفي كل المواضيع يتحدثون ويناقشون وإن استلزم الأمر يفتون في أمور الدين والدنيا.
لسنا بصدد التحدث عن أشخاص معينين في هذه المقالة بقدر ما نحن نصف الوضع العام الذي تمر به الساحة الثقافية والعلمية والسياسية في العالم العربي.
فرغم أن المكتبات العامة والخاصة في كل الدول العربية والإسلامية تقريبًا قد امتلأت وضجت بالكتابات المتنوعة وبآلاف الكتب والدراسات الجامعية والبحثية الصادرة سنويًا إلا أنها لم تقدم لنا حلولاً عملية من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه ولو وجدت هذه الحلول لا نرى لها تطبيقًا على أرض الواقع، لكننا متأكدون أن أهداف أغلب المحللين والخبراء والأدباء الذين يصدرون كتاباتهم وأبحاثهم هي الإصلاح دون غيره وإن كان بعضهم يريد الشهرة وربح المال.
إن مشكلة أغلب النخب العربية أنها مازالت تعاني من عقدة “الأيديولوجيات” في الكتابة وفي النقد، ومازالوا لم يتخلصوا منها لذلك يلاحظ القارئ لأعمالهم طغيان الجانب العاطفي أو العقائدي على كتاباتهم أكثر من الجانب التحليلي.
وهنا يشير الدكتور حسن مسكين في كتابه “أزمة النخب العربية الثقافة والتنمية” إلى أن التوظيف المسرف للأيديولوجيات للنخب العربية المثقفة بكل توجهاتها اليمينية واليسارية والوسطية، كان سببًا في إخضاع شعوبها، وتدجينها لتكون في كل المجالات تابعة ومسيرة باسم ما تعتبره هذه الاتجاهات سلطة النخبة التي تملك الحق في الزعامة والقيادة، والتوجيه من أجل إبعاد الشعوب عن المشاركة في بناء المجتمع وإصلاح أحواله، كل هذا أدى إلى اختفاء وتبخر الشعارات اللامعة التي كانت تنادي بها هذه التيارات المدعية للديمقراطية والحرية والعدالة، لأنها بكل بساطة بعيدة عن الممارسة داخل تنظيماتها الحزبية والجمعوية وبرامجها السياسية
فالقومي عندما يتحدث أو يكتب لا يمكن له أن يتخلص تمامًا من قوميته وكذلك الشيوعي والعروبي والإسلامي والسلفي والإخواني وغيرهم من المفكرين والباحثين العرب.
كما يعاني المثقف العربي من مشكلة الأنا المتضخمة، فمن سطع نجمه أو تذاكر الناس اسمه تتغير معاملاته وأحواله وأقواله بسبب هذه الشهرة، وفي هذا الصدد يعتبر أن من المفارقات المميزة للمثقف العربي رغبته الملحة في التغيير، لكن ذلك يكون من منطق الوصاية لا المحاورة، من خلال فرض حقائقه الثابتة، وهو يهدف إلى التأثير في العامة، وعينه على الخاصة في الوقت نفسه، ويقول بالانتماء إلى العامة، وفي ذاته الداخلية إحساس بالفوقية والتعالي على العموم”.
فمخاطبة الناس من الأبراج العاجية واعتبارهم أدنى منه كمثقف لأنه يمتلك حسب ظنه الحقيقة؛ كان السبب في تطور القطيعة بين النخب والمواطنين العاديين.
فربما ترى دكتورًا في علم الاجتماع عندما يحاول مخاطبة العامي لا يستطيع تبسيط المعلومة وتقديمها سهلة إلى المتلقي بل دائمًا ما يحاول إبراز عضلاته اللغوية من خلال تكراره للمصطلحات الخاصة بعلم الاجتماع لشخص لا يميز بين الناقة والجمل كالبنائية الوظيفية والكمي والكيفي والنوعي وغيرها من المصطلحات المعربة.
وقس على هؤلاء الدكاترة في علم الاجتماع وغيره آخرين في مجالات أخرى كالتاريخ والقانون والعلوم وغيرها.
وما يمكن استنتاجه هو أنه هناك انفصام واضح بين ما يصدره مثقفون من خطابات، وبين ما يطرأ من تحولات سريعة في واقعنا المجتمعي، الذي يكذب هذه الأفكار التي تشبث بها هؤلاء المثقفون بوصفها حقائق، بينما الوقائع تقول إنها مجرد أحلام وأماني وأوهام.
وفي الأخير لا يمكن لنا أن نناقش هذا الموضوع وأن نحلله في بعض الأسطر لكن “كفى من القلادة ما أحاط بالعنق”، ونرجو أن نرى نخبنا المثقفة من إعلاميين وصحفيين وخبراء ومحللين ودكاترة يتجردون من أجل البحث عن الحقيقة وإنارة الرأي العام لا من أجل نصرة مذهب ما أو حزب أو أيديولوجيا أو حاكم معين.