في تقرير سابق، أوضح موقع نون بوست كيفية قيام المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي بتحويل مؤسسة مؤقتة أسسها آية الله الخميني لمساعدات الفقراء والمساكين، إلى إخطبوط اقتصادي تقدر قيمته بقرابة 100 مليار دولار، جمعت من خلال مصادرة عقارات وشركات وأسهم وأراضي زراعية ضخمة مملوكة لمواطنين إيرانيين ينتمون إلى أعراق وطوائف دينية مختلفة، بالإضافة إلى آخرين شيعة مغضوب عليهم، وآخرين كان ذنبهم أنهم دخلوا في خلاف مع “هيئة تنفيذ أوامر الإمام” المعروفة بتسمية ستاد.
وفي هذا التقرير المبني على الجزء الثاني من التحقيق الاستقصائي الذي أعدته وكالة رويترز، تكشف نون بوست عن كيفية استثمار خامنئي لهذه الأموال، وشبكة الشركات العملاقة العاملة تحت هيئة ستاد وتحت أوامر الإمام، وأرقام مئات الشركات التجارية التي سيطرت عليها ستاد بصفة كاملة أو جزئية وبصفة مباشرة أو غير مباشرة.
من بين الأرقام الرسمية والمؤكدة حول قيمة هيئة ستاد، حوالي 50 مليار دولار هي قيمة العقارات، وأما قيمة الاستثمارات والمقدرة بحوالي 45 مليار دولار، فهي تقديرات احتَسَبت فقط ما تم اثباته، أي الحد الأدنى للقيمة الفعلية لاستثمارات ستاد، وفي تقريرها، أشارت رويترز إلى أن ستاد خطت في سنة 2000 خطواتها الأولى نحو إضفاء الصبغة الرسمية على دخولها مجالات الاستثمار -بالإضافة إلى العقارات-، فأقامت شركة لإدارة الاستثمارات أطلق عليها اسم “شركة تدبير للاستثمار”، وتعرف باسم تدبير، وهي الآن من بين أهم خمس أدوات رئيسية تتملك من خلالها ستاد حصصا في الشركات.
واشترت ستاد من خلال شركة تدبير حصة نسبتها 19%، من شركة الاتصالات الإيرانية وهي كبرى شركات الاتصالات في البلاد مقابل ثلاثة مليارات دولار تقريباً، ورغم أن ما تملكه ستاد في شركة الاتصالات الإيرانية هو حصة أقلية فيمكن ملاحظة نفوذها على أعلى المستويات داخل الشركة، حيث أن رئيس شركة الاتصالات الإيرانية هو مصطفى سيد هاشمي الذي كان من قبل رئيس شركة إلكترونيك مبين إيران وهي شركة الإلكترونيات المملوكة لستاد.
ومن خلال شركة تدبير أيضا، تمتلك ستاد الآن حصصا في بنوك كبرى ودارا للسمسرة وشركة للتأمين ومحطات كهرباء وشركات للطاقة والبناء ومصفاة لتكرير النفط وشركة للأسمنت ومصنع للمشروبات الغازية
ويقول ديفيد كوهين، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الإرهاب والمعلومات المالية، قي مقابلة، أن ستاد تدر الآن إيرادات قيمتها “مليارات الدولارات سنويا”، مشيرا إلى أن “أموال الزعيم الأعلى الشخصية تدار وتستثمر في” وحدة تابعة لشركة تدبير”، مشيرا إلى إن المبلغ غير معروف، في حين أكد متحدث باسم وزارة المالية أن تدبير تدير أيضا استثمارات “لشخصيات قيادية أخرى” في إيران، دون أن يذكر أسماءهم.
وبالإضافة إلى ستاد و37 شركة “تشرف عليها” الهيئة، المدرجين في قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات الأمريكية، حددت رويترز ما لا يقل عن 24 شركة مساهمة عامة أخرى، لم ترد في قائمة العقوبات الأمريكية الأخيرة، تملك فيها ستاد أو شركات تستثمر فيها ستاد حصص أقلية وتزيد قيمة هذه الاستثمارات بسعر الصرف الرسمي الحالي عن 400 مليون دولار وفقا لتقديرات من سوق طهران للأسهم وبيانات تم الحصول عليها من موقع السوق ومواقع الشركات على الانترنت، مع العلم بوجود 14 شركة أخرى تستثمر فيها ستاد مبالغا لم يتسن تقدير قيمتها لأنها ليست شركات مساهمة عامة وأسهمها غير متداولة.
موظف سابق في ستاد، طلب عدم كشف هويته، قال أن خامنئي يعين مجلس إدارتها وينيب آخرين في إدارة الهيئة، مضيفا أن ما يهم خامنئي في المقام الأول هو الأرباح السنوية التي ستدرها ستاد، والتي سيستخدمها في تمويل جهازه البيروقراطي- مكتب إداري خاص بإدارة شؤون خامنئي مكون من 500 موظف، ذكرناه في التقرير الأول-، وقال الموظف السابق في ختام كلامه: “كل ما يهم خامنئي هو الرقم.. لا غير”.
شيرين رقابي، وهي مدرسة تقيم الآن في كاليفورنيا، كانت من كبار حملة الأسهم في شركة فارس وخوزستان للأسمنت، وهي كبرى شركات الأسمنت الإيرانية، إلا أن ستاد صادرتها منها منذ ما يزيد عن 20 سنة بحجة أن صاحب الأسهم غير موجود، مطبقة بذلك أوامر الإمام الداعية إلى مصادرة “الأراضي المهجورة”، ورغم نضال شيرين الطويل في المحاكم الإيرانية ومن خلال محامين كثر، فإنها عجزا بالكامل عن استرجاع حصتها في الشركة.
وأما بالنسبة للطريق التي سلكتها ستاد لاقتحام المجال المصرفي والصناعة البنكية، ففي سنة 2006 وبعد سطوع نجم البنك الفارسي، الذي فتح ما يزيد على 100 فرع في أقل من أربع سنوات ليصبح أكبر بنك غير مملوك للدولة في إيران، قام الرئيس الإيراني آن ذاك، بابتزاز البنك علنا، منتقدا ما أسماه “الممارسات التي تتبعها البنوك الخاصة في منح القروض متهما إياها بتقديم قروض ضخمة لعملاء مفضلين”، ليضطر عبد الله طالبي على الاستقالة من منصب العضو المنتدب في البنك الفارسي ومن ثم على ترك مجلس إدارة البنك، ليفتح الباب أمام شركة تدبير للاستثمار التابعة لستاد حتى تشتري حصة في البنك الفارسي بنسبة 16 في المائة، ولتبدأ في السيطرة تدريجيا على إدارة البنك.
رويترز وصلت إلى معلومات تفيد بأن الضغوط على البنك الفارسي وعلي عبد الله طالبي بدأت بعد أن رفض الأخير الموافقة على قرض طلبه محمد شريعة مداري، الذي كان عضوا في مجلس إدارة ستاد، في عام 2005 قدره 44 مليون دولار لصالح مؤسسة تملكها ستاد، وهو ما يكشف عن جانب آخر من الفساد الذي تمارسه ستاد، فبالإضافة إلى السلطات المطلقة التي تمتلكها وإلى الحصانة القانونية المطلقة أيضا، يعمد رجال نافذون داخلها إلى استغلال تلك القوة لتصفية خصوماتهم الخاصة ولضرب كل من يرفض الخضوع لإرادتهم.
وفي عام 2010 تمكنت ستاد من السيطرة على غنيمة أكبر وهي شركة ري للاستثمار والتي قدرت وزارة الخزانة الأمريكية قيمتها في يونيو حزيران بنحو 40 مليار دولار حتى ديسمبر كانون الأول 2010، حيث تمثل ري مؤسسة ضخمة متنوعة الأنشطة ولها استثمارات من بينها شركة للنفط وشركة للتعدين ومزرعتان لتربية النعام، وتقول وزارة الخزانة الأمريكية أن ستاد سيطرت على شركة ري للاستثمار بعد أن أوقفت الحكومة الإيرانية تمويلها بسبب مزاعم سوء الإدارة.