جنيف2.. انهيار الهدنة وآمال السلام

018611041_30300

انتهت ساعات اجتماع جنيف 2 الأولى دون أن تحمل أية مؤشرات على تحقيق تقدم في الحوار بين المكونات الثلاثة الممثلة لأطراف الأزمة في اليمن، حيث تعد الساعات الأولى مقياسًا لنجاح أي مفاوضات أو عملية حوار أو مشاورات.  

جنيف 2 عمليًا تم نسفه من قِبل مليشيات الانقلاب الحوثية التي استبقت المؤتمر بتصعيد عسكري في كل الجبهات وهي رسالة واضحة كشفت عدم رغبة المليشيات في تقديم أي تنازلات من أجل إنهاء الحرب المدمرة التي عصفت بالبلاد منذ قرر مجموعة من المراهقين وبالتعاون مع الدولة العميقة إسقاط دولة الشرعية وبناء شرعية الانقلاب.

ويخفت صوت الحل السياسي للأزمة في اليمن نظرًا لتصلب الحركة الحوثية المتمردة وإصرارها على وضع خطوط عريضة أمام أي نقاشات تستهدف إنتاج رؤية سياسية تنهي الحرب والتعلق بحبال واهية ربطتها الحركة لتحمل عليها مشروع دولة جديدة تكون محافظة صعدة وبيت بدر الدين الحوثي مركز قرارها الأول بعيدًا عن أي شراكة أو مشاركة للأطراف الأخرى حتى بما فيها حلفاء الحركة الحوثية الذين يمثلون حزب صالح وأنصاره القبليين في الشمال.

قبل مؤتمر جنيف 2 بساعات فقط أعلنت اللجنة الثورية العليا التي تعد مصدر كل السلطات الانقلابية مجموعة من القرارات المتناقضة يصعب اعتبارها صادرة عن جهة سياسية تفقه أدنى مفاهيم العمل السياسي.

من بين هذه القرارات إلغاء اللجنة الثورية في محافظتي إب وتعز وتسليم السلطة في محافظة إب للعميد عبد الواحد صلاح رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام في المحافظة وأحد أقوى رجالات اللواء الأخضر وتسليم محافظة تعز للمحافظ الجديد عبده الجندي عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام.

هذه القرارات اعتبرت محاولة إرضاء للمؤتمر الشعبي العام الذي كنست اللجنة الثورية كل قياداته من المناصب المهمة وعينت بديلة عنها قيادات حوثية في كل المؤسسات حتى في الإدارات الخدمية للوزارات والهيئات الحكومية.

وفي الجانب العسكري عينت اللجنة الثورية أبي علي الحاكم القائد العسكري للحركة الحوثية الانقلابية قائدا للمنطقة العسكرية الرابعة والتي تضم محافظات تعز، عدن، لحج، أبين، وهذا القرار يكشف عن رعونة وغباء كبير في صفوف الهرم القيادي للمليشيات الحوثية حيث تستعد المليشيات للذهاب إلى جنيف للتفاوض حول تطبيق قرار مجلس الأمن الملزم للمليشيات بإنهاء الانقلاب والانسحاب من كل المناطق التي تتواجد فيها وفي ذات الوقت تعين قائد المليشيا في أهم منطقة عسكرية تمثل أهم محافظتين بعد العاصمة صنعاء هي عدن وتعز.

أثناء الجلسات الأولى لجنيف 2 أظهرت المليشيات الانقلابية عدم وجود أي رؤية للتفاوض أو الحوار لخلق واقع جديد تستند إلى بنود قرار مجلس الأمن 2216 كون الطرف الآخر المتمثل في الشرعية وخلفه التحالف لديهم الاستعداد للتعاطي مع أية مقترحات تحمل نية صادقة للسلام وإنهاء الحرب وذلك بالتوازي مع استعداد وجهوزية عالية لتدشين مرحلة جديدة تحمل طابعًا أكثر صرامة في العمليات العسكرية.

مؤتمر جنيف 2 هو نسخة ثانية من جنيف 1 ولن تختلف مداولاته مع المليشيات الحوثية عن نقاشات سلطنة عمان والمشاورات مع الجانب الروسي وفشل المؤتمر ليس فقط واردًا بل مؤكدًا ومسلم به من قِبل أكثر المتفائلين.

وإذا كانت الهدنة لم تصمد حتى 5 ساعات فإن مؤتمر جنيف 2 كتبت نهايته في أول 3 ساعات من افتتاحه بعد أن ظهر ممثلي المليشيات الحوثية كعكفة الإمام يريدون فرض أفكارهم على الجميع وكأنهم في خمر وليس في محفل دولي لمناقشة كيفية إنهاء الكارثة التي لحقت بالبلاد بسبب عنترياتهم الغبية.

حضر ممثلو الحوثي إلى جنيف ليكرروا ذات الأسطوانة التي كانوا يسوقونها في صنعاء على طاولة حوار موفمبيك برعاية جمال بن عمر وهي الحديث عن مجلس رئاسي ومجلس وطني يضم البرلمان والشورى وتنصيب رئيس لمجلس الرئاسة غير عبد ربه منصور هادي، في الوقت الذي يفترض بهم تقديم آلية تنفيذية لتطبيق قرار مجلس الأمن وإنهاء سيطرتهم غير الشرعية على نصف البلاد وكل مقدراته.

ويحضر ممثلو الشرعية إلى جنيف 2 رغم علمهم المسبق بعدم جدية الانقلابيين في أية حل سياسي ينهي المواجهات العسكرية داخل البلاد لكن هذا الحضور لإظهار زيف الدعوات التي تكررت كثيرًا من قِبل قيادات المليشيات بجاهزيتها لتنفيذ قرار مجلس الأمن والتعاطي الإيجابي مع مضامينه.

“لا تراجع… لا انسحاب” هو شعار مليشيات الانقلاب الحوثية في جنيف 2 ومقابل هذا الشعار المتعجرف تلوح في الأفق بوادر عملية عسكرية كبيرة للتحالف ضد المليشيات الانقلابية وقد يأتي يوم تندم فيها مليشيات الانقلاب على فرصة جنيف 2 لأن من يربط حربًا ضد دولة كالسعودية بنجاحات صواريخ توشكا فهو لا يفقه في أبجديات الحروب شيئًا ومن يعتقد أنه قادر على مجاراة المملكة أو التفكير بهزيمتها فهو أغبى من أنثى الدجاج، فذراع صاحب المال أقوى من طلقة البندقية كما وحماسة الزوامل لن تجدي نفعًا أمام إصرار الرياض على إنهاء المهمة بنجاح مهما كانت فاتورة العملية الجراحية.