قد يكون السرطان من بين أكثر أمراض العصر انتشارًا وحصدًا للأرواح، فهو قاتل لا يرحم، وبمجرد أن ينتشر لا يعود هناك شيء قادر على إيقافه تقريبًا، فعلى الرغم من التقنيات والتقدم الذي توصلنا إليه، وعدد الأطباء الذي لا يعد ولا يحصى الذي تم تكريسه من أجل محاربته، لا يزال السرطان يعتبر تهديدًا حقيقيًا، ومرضًا لا شفاء منه.
ولكن مع ذلك، لا يزال هناك أمل، فقد توصل العلماء إلى علاجات كانت تبدو مستحيلة قبل 50 عامًا، وتمكنوا من التخلص من بعض أنواع السرطانات التي كان يطلق عليها لقب “غير قابلة للشفاء”، حيث بدأنا باستخدام الأدوات بطرق مختلفة لتحقيق نتائج رائعة واللجوء إلى مواد كان من غير المتوقع أن تساعدنا في حربنا ضد هذه الخلايا الخبيثة، لذلك وعلى الرغم من أن السرطان قد يكون لا يزال مرعبًا – وربما سيبقى كذلك دائمًا – إلّا أن الخطوات التي قمنا بها ضده جعلت العلاج لا يبدو ممكنًا فحسب، بل وفي متناول اليد.
إليكم هنا، خمسة كشوفات طبية مهمة استطعنا التوصل إليها خلال عام 2015 لمواجهة مرض السرطان:
السرطان الذي يقتل السرطان
في شهر أكتوبر من هذا العام، قام فريق من الباحثين بالتوصل إلى اكتشاف مذهل، فمن خلال وضع أجسام مضادة على خلايا سرطان الدم النخاعي الحاد، تمكنوا من تحويل الخلايا الخبيثة إلى شيء مفيد، فقد تحولت الخلايا لتصبح خلايا جذعية مفيدة، وهي الخلايا التي تعتبر الداعم الرئيسي في نظام المناعة في الجسم، ولكن عندما قاموا بدفعها إلى أبعد من ذلك، تطورت الخلايا لتصبح مشابهة إلى حد كبير للخلايا القاتلة الطبيعية التي توجد في الجسم.
شاهد العلماء الخلايا المتشكلة حديثًًا وهي تهاجم أخواتها السابقات بذهول كبير، حيث تمكن عدد قليل من هذه الخلايا الحديثة من التغلب على حوالي 15% من خلايا سرطان الدم المحيطة، وعلى الرغم من أن الخلايا كانت خلايا شقيقة، إلّا أن الخلايا الجديدة هاجمت خلايا سرطان الدم التي اُستمدت منها، وهذا الأمر مفيد جدًا، لأن الآثار الجانبية الرئيسية للعديد من علاجات السرطان قد تحدث أضرارًا في الخلايا السليمة المحيطة بالخلايا المصابة.
حاليًا، يقوم فريق البحث بالتفاوض مع شركات المستحضرات الصيدلانية، بهدف تقديم العلاج للإنسان بعد إجراء الدراسات السريرية المناسبة.
زيت الزيتون يحارب سرطان
عُرف زيت الزيتون بقدراته المتعددة منذ اكتشافه، فهو رائع إذا ما تم تناوله عن طريق الفم، ورائع إذا ما تم استعماله للشعر، ومفيد للبشرة أيضًا، ومؤخرًا تمددت قدراته لتشمل محاربة السرطان، وذلك وفقًا لفريق من الباحثين من جامعة روتجرز وكلية هانتر، حيث تبين بأن تناول زيت الزيتون يقضي على الخلايا السرطانية خلال أقل من ساعة.
يعمل الأوليكانتال (Oleocanthal)، وهو المركب الفينولي الأساسي الذي يوجد في زيت الزيتون البكر، على تدمير مراكز الفضلات في الخلايا السرطانية، مما يزعزع استقرارها ويتسبب بوفاتها في غضون 30 إلى 60 دقيقة، والأفضل من ذلك هو أن الخلايا السليمة تبقى كذلك خلال العملية، وهذا يعتبر انتصارًا عظيمًا على مرض السرطان، ولكن حتى الآن، ما يزال هذا الأمر مجرد مفهوم، حيث إن فوائد زيت الزيتون في علاج السرطان لم تظهر سوى في مزارع الخلايا، أما بالنسبة لتجربة ذلك على الفئران أو الخلايا البشرية فإن الأمر سيكون أكثر تعقيدًا، ولكن مع ذلك، افترض الباحثون أن جرعة نقية من الأوليكانتال يمكن استخدامها كعلاج ناجح لهذا المرض.
العلاج المناعي
العلاج المناعي هو استخدام النظام المناعي لدى المريض لعلاج العدوى أو المرض، وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو بديهيًا نوعًا ما – فهذا هو عمل نظام المناعة في المقام الأول – إلّا أن تنفيذه أكثر تعقيدًا مما قد يبدو عليه، وبالإضافة إلى ذلك، فإن العبث بالنظام المناعي للجسم يمكن أن يكون له عواقب كارثية، ولكن على الرغم من ذلك، فقد استطاع الباحثون هذا العام التوصل إلى انتصار كبير، حيث استطاع الباحثون في المركز الطبي في جامعة ميريلاند الحصول على استجابة واعدة في علاج مرضى السرطان باستخدام شكل من أشكال العلاج المناعي، فقد أظهر 70% من المرضى الذين كانوا يعانون من شكل مميت من المايلوما المتعددة “ردًا سريريًا مذهلًا” للعلاج، والذي يتضمن خلايا تائية قام الباحثون بهندستها وراثيًا لتحتوي على مستقبلات لمستضادات الورم مما يساعد على تدمير الخلايا السرطانية، والجدير بالذكر أن تلك المستضدات عادة ما تكون موجودة في نحو 60% من المرضى الذين يعانون من المايلوما المتقدمة.
على الرغم من أن الدراسة كانت صغيرة، إلّا أن آثارها كانت كبيرة في المجتمع الطبي، ولم يتم التبليغ عن أي آثار جانبية سيئة لدى المرضى، وهذا يعني أن العلاج يعمل دون أن يشكل خطرًا كبير على الصحة، لذلك يشير الباحثون إلى أنها مسألة وقت فقط قبل أن يحل العلاج المناعي مكان العلاج الكيماوي كمعيار لعلاج السرطان.
الخلايا المقترضة
كانت طفلة رضيعة، لم تتم عامها الأول بعد في علاجها، أول مريضة تتلقى علاج تجريبيًا جديدًا لخلايا سرطان الدم ثبت بأنه ناجح جدًا، حيث كان قد تم إخبار والدي (ليلى ريتشاردز) بأن طفلتهما تعاني من شكل عدواني للغاية من السرطان، وبعد إجراء عدة جولات من العلاج، لم يتبق أي خيارات لعلاج ابنتهما، وهذا ما دفع الأطباء لمحاولة تجريب علاج جديد لم يسبق أن تم اختباره خارج المختبر.
قام الباحثون بجمع بنك كامل من الخلايا التائية المعدلة لتحديد وعلاج الخلايا السرطانية لاستخدامها في المرحلة النهائية من التجارب قبل البدء بالتجارب السريرية، وقاموا بتطبيقها على ليلى، وبعض مضي فترة وجيزة، وجدوا بأن العلاج – الذي كان ناجحًا للغاية في الدراسات المختبرية – كان ناحجًا أيضًا بالنسبة للرضيعة، فقد تخلص جسمها من سرطان الدم وكانت قادرة على العودة إلى منزلها بعد الانتهاء من عملية زرع نخاع العظام، وعلى اعتبار أن التجربة البشرية كانت الناجحة، شكلت قضية ليلى خطوة هائلة إلى الأمام لإيجاد علاج جديد للسرطان.
الملاريا تقتل السرطان
يُعرف مرض الملاريا بأنه مرض يصيب الدم وسببه طفيلي وينتشر عن طريق البعوض، ولكن مجموعة من الباحثين الدنماركيين توصلت إلى اكتشاف غريب، حيث استطاعوا تحديد بعض الجوانب المعينة من الملاريا التي من شأنها أن تقتل الأورام السرطانية، وعلى الرغم من أن الملاريا تعتبر مرضًا خطيرًا خصوصًا بالنسبة للحوامل، لأن الطفيلي قد يشن هجومه على المشيمة، فقد لاحظ الباحثون وجود عدة أوجه للتشابه بين المشيمة والأورام، مما جعلهم يدعون بأن بروتين الملاريا هو سم قاتل للسرطان.
أثبتت التركيبة بأنها قاتلة، حيث كانت قادرة على تدمير حوالي 90% من العينات السرطانية المختلفة بفعالية، وأيضًا تم اختبار الملاريا بنجاح على الفئران التي تم زرع أنواع مختلفة من السرطانات البشرية فيها، وعلى الرغم أنه قد يبدو من غير المنطقي أن نقوم بمبادلة مرض قاتل بآخر قاتل أيضًا، إلّا أن الباحثين يوضحون بأن بروتين الملاريا تعلق بالورم فقط، بدون أن يحدث أي تأثير كبير على الأنسجة الأخرى.
قد تمضي بعض السنوات قبل أن يتم إجراء التجارب على البشر، ولكن يأمل العلماء بأن اكتشافهم سيشكل خطوة كبيرة للوصول إلى علاج للسرطان.