ترجمة وتحرير نون بوست
يتأهب الساسة الأسبان لأسابيع قادمة من المرجح أن تشهد مفاوضات معقدة، بعد أن تمخضت الانتخابات العامة عن برلمان مجزأ للغاية، حيث خسر حزب الشعب المحافظ مقاعده مقابل تقدم الحزبيين القوميين الجديدين، حزب بوديموس وحزب سيودادانوس.
فاز حزب الشعب المحافظ بـ123 مقعداً في الانتخابات التي جرت يوم الأحد، بواقع 29% من الأصوات، مما تركه بعيداً للغاية عن الأغلبية التي يحتاجها لتشكيل الحكومة، والتي تتطلب 350 مقعداً.
حزب الشعب، الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي ماريانو راخوي، عبّر عن صعوبة دخوله في تحالفات مع أحزاب أخرى، وهو الأمر الذي يحتاجه لتشكيل حكومة مستقرة.
جاء حزب العمال الاشتراكي الإسباني، الذين يعتبر المنافس التقليدي لحزب الشعب المحافظ، بالمركز الثاني بالانتخابات، حيث حصل على 90 مقعداً بواقع 22% من الأصوات.
أغلب الشعب الإسباني ما زال يعاني من الآثار المؤلمة التي خلفتها الأزمة الاقتصادية، والتي تمثلت بارتفاع معدلات البطالة، وتطبيق تدابير تقشف مؤلمة، مما أدى إلى تحول ملايين الناخبين بعيداً عن حزب الشعب والحزب الإشتراكي، وهما الحزبان اللذان تناوبا على السلطة في إسبانا لعقود خلت، وصوتوا بدلاً عن ذلك للأحزاب الناشئة.
حزب بوديموس المعادي للتقشف، والذي بالكاد يبلغ عمره العامين، والذي ولد من رحم احتجاجات الغضب “إنديغاندو” التي شهدت تظاهر الآلاف احتجاجاً على المؤسسة السياسية المنفصلة عن الشعب، حصل على المركز الثالث برصيد 69 مقعداً و21% من الأصوات، بينما فاز حزب اليمين الوسطي سيودادانوس بالمركز الرابع، حاصداً 40 مقعداً بواقع 14% من الأصوات.
“إسبانيا لن تبقى كما كانت بعد الآن، نحن سعداء للغاية”، صرح زعيم حزب بوديموس، بابلو إغليسياس يوم الأحد، وتابع: “حقبة نظام الحزبين السياسية قد ولّت”.
الجدير بالذكر بأن حزبي الشعب والاشتراكي حصلا مجتمعين على نسبة تصويت تصل إلى حوالي 50% من الأصوات، مقارنة مع 70 إلى 80% من الأصوات التي اعتاد الحزبان على حصدها خلال الانتخابات العامة الماضية.
بشكل عام، حصل حزب بوديموس على نتائج جيدة جميع أنحاء البلاد، حيث حل بالمرتبة الأولى في كاتالونيا، وهو المكان الذي استهل حملته الانتخابية ضمنه في برشلونة، كما حل في المقدمة أيضاً ضمن الباسك؛ مما يدل على التأييد الشعبي الواسع لوعود حزب بوديموس حول إجراء استفتاء على استقلال كاتالونيا، “اليوم هو يوم تاريخي بالنسبة لإسبانيا” قال إغليسياس للمؤيدين ليلة الأحد، وتابع: “في كل مرة تُعقد فيها انتخابات، تتقدم قوى التغيير خطوة إلى الأمام”.
أما حزب سيودادانوس، والذي تأسس في عام 2006 كحزب إقليمي لمواجهة الأحلام الكاتالونية الانفصالية، فقد توسع دعمه شعبياً على الصعيد الوطني في العام الماضي، واحتفى أيضاً بالنتيجة التي حققها يوم الأحد، حيث صرّح زعيمه ألبرت ريفيرا مساء الأحد: “اليوم تبدأ مرحلة جديدة من الأمل والحماس، لقد قرر الملايين في إسبانيا أن الأمور ستتغير”.
نتائج انتخابات الأحد تركت الباب مفتوحاً ليصبح راخوي أول قائد أوروبي يُعاد انتخابه بعد فرض تدابير التقشف القاسية، ولكنه سيواجه معركة شاقة وهائلة للحفاظ على منصبة في السلطة، “سأحاول تشكيل حكومة” قال راخوي لأنصاره يوم الأحد بعد صدور النتائج، وأردف: “ولكن ذلك لن يكون سهلاً”.
ليكون راخوي قادراً على الحكم خلال السنوات الأربع المقبلة، يجب على حزبه، حزب الشعب، التحالف والاعتماد على أحزاب الأخرى، مما يُرجح خوض القادة السياسيين في إسبانيا لعملية مفاوضات مطولة خلال الفترة المقبلة.
يوجد عدة سيناريوهات مطروحة وممكنة لتشكيل حكومة الائتلاف؛ ففي الفترة التي تسبق الانتخابات، توقع العديد من المحللين أن الحكومة الجديدة ستتألف من حزب الشعب وسيدعمها حزب سيودادانوس، ولكن عقب صدور النتائج تبين بأن مجموع أصوات الحزبين لا تمنحهما الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة؛ لذا فإن أي تحالف من هذا القبيل يحتاج لانخراط شريك ثالث، وهو السيناريو الذي يغير بعضاً من توازنات القوى لصالح الأطراف الإقليمية في كاتالونيا والباسك، الأمر الذي سيكون معقداً ومرفوضاً على الأغلب من قِبل مؤيدي الحزبين المعارضين بشدة لاستقلال كاتالونيا.
إذا استطاع حزب الشعب أن يضمن الحصول على ما يكفي من الدعم أو الأصوات ضمن البرلمان للنجاح بتصويت الثقة، فيمكن للمحافظين أن يحاولوا تشكيل حكومة أقلية، ولكن هذا الخيار محفوف بمخاطر عدم الاستقرار، حيث سيضطر الحزب حينها للتفاوض على المطالب المطروحة من باقي الأحزاب، ابتداءاً من الإصلاح الدستوري وانتهاءاً بالاستفتاء لانفصال كاتالونيا، وهو الأمر الذي يتعارض مع برامج الحزب الانتخابية.
يشير العديد من المحللين أن الاتفاق ما بين حزب الشعب والاشتراكيين هو الخيار الأكثر جدوى، ولكنه خيار تم رفضه من قِبل قائدي الحزبين خلال الحملة الانتخابية، هذا الاتفاق -إن حصل- سيكون سابقة غير معهودة بالنسبة لإسبانيا، كما أنه من المرجح أن يشل آفاق الاشتراكيين في الانتخابات المقبلة.
البديل الآخر هو تكرار لما حصل في البرتغال مؤخراً، ويتمثل بتشكيل ائتلاف من الحزب الاشتراكي وحزبي بوديموس وسيودادانوس، ولكن هذا الخيار تم قتله في المهد من خلال رفض ريفيرا لانخراط حزبه فيما وصفه بأنه “تجمع الخاسرين”، مما يقلل من احتمالات حدوث هذا الائتلاف؛ فضلاً عن أن مثل هذا التحالف سيصطدم بقضايا شائكة للغاية، كقضية استقلال كاتالونيا، حيث يرفض سيودادانوس الحديث عن أي استفتاء ضمن الإقليم في الوقت الذي تعهد به بوديموس بالعكس تماماً، كما يتعارض هذا الائتلاف مع وعود حزب بوديموس لإنهاء النظام الذي حكم إسبانيا منذ العودة إلى الديمقراطية.
نتائج يوم الأحد قد تسمح للاشتراكيين بالحكم بدعم من حزب بوديموس وعدد من الأحزاب الصغيرة، مثل حزب اليسار الجمهوري في كتالونيا، الذي فاز بتسعة مقاعد، أو حزب التقارب والاتحاد الذي فاز بثمانية مقاعد.
ولكن في حال استطاع الإشتراكيون جمع ما يكفي من الأصوات لكسب السيطرة على مجلس النواب، فمن المرجح أن تتم عرقلة مساعيهم لتطبيق خططهم، كالإصلاح الدستوري، من قِبل مجلس الشيوخ، كون انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة تركت حزب الشعب في مركز السيطرة المطلقة على هذا المجلس.
مساء يوم الأحد هنأ الزعيم الاشتراكي، بيدرو سانشيز، راخوي بنتائج الانتخابات، وصرّح بأنه سيسمح لزعيم المحافظين باتخاذ أول مبادرة لتشكيل الحكومة، حيث قال: “الأمر متروك للقوة السياسية التي حلت في المركز الأول لمحاولة تشكيل الحكومة”، ولكنه أشار الى أن نتائج الانتخابات شكّلت إيذاناً ببدء فصل جديد من السياسة الإسبانية قائلاً: “نحن على مشارف عملية جديدة للحوار والاتفاق”.
أشار بابلو سيمون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كارلوس الثالث في مدريد، أن نتائج الانتخابات ترجح إمكانية دخول السياسيين في مفاوضات قد تستمر لأشهر، “إنهم بحاجة للتحدث، بحاجة للتفاوض، كل شيء ممكن”، قال سيمون، واستطرد مذكراً بانتخابات 1996، التي فاز بها حزب الشعب وأسفرت عن تشكيل حكومة مدعومة من قوميي كاتالونيا والباسك، “عندما وصل حزب الشعب لأول مرة إلى السلطة، الوصول إلى اتفاق لتشكيل الحكومة استمر لشهرين كاملين”.
“رغم أن نتيجة انتخابات يوم الأحد تصنف كأسوأ نتيجة للحزب في تاريخه الحديث، إلا أن الحزب الاشتراكي اليوم هو مفتاح ما سيحصل في المستقبل” قال إميليو ساينز-فرانسيس، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة كوميلاس في مدريد، وأضاف: “السؤال هو هل سيسمح سانشيز لراخوي بترأس الحكومة، أم سيحاول بناء تحالف من عدة أحزاب بغية الحكم بنفسه؟”.
أوضح ساينز-فرانسيس بأن الملك الإسباني، فيليب السادس، سيرشح بحلول منتصف يناير اسم الحزب الذي سيتمتع بأول فرصة لمحاولة تشكيل الحكومة، وحينها يجب على المرشح أن يحصل على الأغلبية المطلقة في التصويت على الثقة للحكومة، فإن لم يستطع ذلك، سيتم عقد جلسة تصويت بأغلبية بسيطة بعد 48 ساعة، وفي حال فشل مرشح الملك مرة أخرى في كسب الأصوات، يجب على الملك أن يطرح مرشحاً جديد، وإذا لم تتشكل الحكومة في غضون شهرين، لا بد أن تعقد انتخابات مبكرة جديدة.
“على الأرجح سيعطي الملك راخوي وحزب الشعب الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة، نظراً لأنه فاز في الانتخابات” قال ساينز-فرانسيس، وأضاف: “ولكن وللمرة الأولى في تاريخ الديمقراطية في إسبانيا، ليس من الواضح كيف سيكون الحزب الفائز بالانتخابات قادراً على الحكم”.
المصدر: الغارديان