لا فرحة لأعداء “حزب الله” بمقتل أحد قادته، سمير القنطار، بغارةٍ صهيونية على “جرمانا” بدمشق، ذلك أن القتل على يد الصهيوني مكرمة وشرفٌ في الأصل، فلا وجه للشماتة فيه، وفوق ذلك هو فاتحةٌ لتزكية صفوف، والتشكيك بأخرى، ولخلط أوراق الجميع، وهو حدثٌ أعقد من أن يكون مجرد خسارة عسكرية لحزب الله بوصفه أحد الفاعلين على الساحة السورية.
ثمة أسباب كثيرة تستدعي الحزن لمقتل القنطار، أولُها فرحة العدو، الذي لم يخرجه من سجنه إلا بشق الأنفس، وقال رئيس وزراء الاحتلال يوم وقّع صفقة إخراجه: “ستعرف إسرائيل حزنًا لا يوازيه سوى الإحساس بالذل، نظرًا إلى الاحتفالات التي ستجري في الطرف الآخر”، وبقتل القنطار غسلت إسرائيل عارها وذُلها، واستردت شيئًا من كرامتها التي أهدرت يوم خرج، وهذا سبب كافٍ للحزن!
ويزيد الحزن على الرجل الموضع الذي قُتل فيه، إذ لم يمت في مواجهة العدو الذي سجنه وعذبه، بل مات وهو يُساند واحدًا من أعتى طواغيت التاريخ البشري، وأشد سفاحيه إجرامًا وسفكًا للدماء، وبعد أن كان الرجلُ رمزًا نضاليًا، يُجمع عليه الناس ويتوحدون بأمثاله، إذا بهم يختلفون عليه أشد الاختلاف ساعة موته، وإذا بالذين كانوا يهتفون باسمه بالأمس، يزهدون اليوم في نعيه وذكره!
لا يمكنُ أن يكون بطلًا من يموت مقاتلًا في صف نظامٍ تسبب في قتل نحو أربعمائة ألف إنسان، وتهجير ملايين الأبرياء، وقد كان أحرى بالقنطار أن ينأى بنفسه وتاريخه عن هذا الصف، وقد عاش أسيرًا ثلاثين سنة، ذاق مرارة الظلم، وعرف معنى التسلط والقهر والحرمان من الحرية في أشنع صورة، فليت شعري كيف رضي لنفسه أن يتخندق مع أعداء الحرية والإنسان!
سببٌ آخر للحزن هو الثمن الذي تكلفه لبنان ليخرج هذا الرجل من أسره، فقد خاض حربًا لم يتعاف منها إلى الآن، ودفع نحو ألفٍ ومائتي قتيلٍ، ومليارات الدولارات خسارةً اقتصادية، وتهديمًا وتخريبًا للبنى التحتية، ثم يدفع به “حزبُ الله” بكل استهتارٍ إلى المحرقة السورية، تحت سماءٍ أضحت نزهة الطائرات من كل جنس، ليقتله العدو في الساحة الملتبسة، والطريق المشبوهة المُهلكة!
محزنٌ ومذل، أيضًا، أن ترانا إسرائيل مختلفين على دمٍ تسفكُه، وأن بوسعها أن تقتل أحدنا ثم لا يأبه الآخر له، أن تطعن أحدنا في ظهره، وهو مشغول عنها بقتلنا، يا لهذه الأنظمة الظالمة، وحلفائها الأغبياء، كم خدموا إسرائيل، وكم أفرحوها، وكم أطالوا عمرها!
ثم كم هي مؤسفةٌ هذه المحنة التي تدخلُها فصائل المقاومة الفلسطينية، المخذولة من القريب والبعيد، عند كل حدث مشابه، وقد أذلها العَوَز، وكسر ظهرها التآمر والحصار، وهي بين أن تسكتَ عن جريمةٍ صهيونية، وبين أن تقول ما يألمُ له المظلومون المذبوحون، ولا يقنعُ به الظلمةُ الطائفيون!
وفوقَ كل هذا ما يقيئُه تجار الدم، وأدعياء الشرف، على صفحات “فيسبوك” وغيره، من مزايدات باسم الشهادة والشهداء وعداء إسرائيل، على من قاتل إسرائيل وما زال، ولم يتورط في دعم الظلمة، والقتال في صفوف الإجرام، وهم بأنفسهم يتطاولون على الشهداء الكبار، ممن قتلتهم إسرائيل، وقتلت آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وأهليهم، في ساحة المعركة معها، لا في خندق أصحاب البرميل، غير أنهم لم يبسطوا أيديهم لبيعة “سماحة السيد”، ولا دانوا بالولاء للنسخة الإيرانية من “الخليفة”، فهؤلاء سبهم حلال، والإساءة إليهم مقاومة!
إن الذين لم ينعوا القنطار، ولم يذكروا مآثره، إنما صدهم عن ذلك قتالُه في سورية، لا عداؤه للاحتلال، وإلا فإن كثيرًا منهم بينه وبين إسرائيل أضعاف ما لدى القنطار وقادة حزبه.
المصدر: العربي الجديد