ترجمة وتحرير نون بوست
واصلت أسعار النفط الخام برنت بالانزلاق هبوطًا يوم الإثنين، مسجلة أدنى مستوى لها منذ 11 عامًا، وذلك في خضم معاناتها من مشكلة زيادة حجم العرض.
في وقت سابق من يوم الإثنين، تراجعت أسعار النفط بنسبة تنوف عن 2% لتهبط إلى سعر بلغ 36.05 دولار للبرميل الواحد، وهو مستوى لم يشهده سعر النفط منذ عام 2004، ورغم أن الأسعار تعافت بمقدار ضئيل في ظهر يوم الإثنين، إلا أن معظم المحللين يتوقعون بأن الضغوط الهبوطية، والتي أدت إلى فقدان النفط لخُمس قيمته خلال الشهر الماضي وثُلثها منذ أوائل أكتوبر، ستستمر بالتأثير هبوطًا على أسعار النفط.
“لا أرغب حقًا في أن أضع نفسي مكان الدول المصدرة للنفط وهي تشهد بواكير عام 2016، كون المستقبل لا يوحي بوجود مخرج مضئ في نهاية النفق المظلم الذي انزلقت إليه أسعار النفط في أي وقت قريب”، قال المدير الأول لساكسو بنك، أولي هانسن.
من المرجح أن الضعف المستمر في أسعار النفط قد أدى إلى مجابهة العديد من البلدان المنتجة للنفط في الخليج بصعوبات حقيقية ومدمرة، حيث حذر صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام من العجز المالي المتزايد الذي تعاني منه ميزانية المملكة العربية السعودية نظرًا لانخفاض أسعار النفط.
مخطط بياني يرصد انخفاض سعر برميل النفط الخام برنت منذ بداية هذا العام
يُنظر على نطاق واسع إلى المملكة الغنية بالنفط على أنها خلف القرار الذي اتخذته أوبك منذ العام الماضي بعدم خفض مستويات الإنتاج رغم الضغوط الهبوطية للأسعار، وتسعى الرياض، كما يقول المحللون، للحفاظ على ارتفاع مستوى الإنتاج، وبالتالي انخفاض الأسعار، لتقويض الاستثمارات النفطية لمنافسها الإقليمي، إيران، فضلًا عن تقويضها لصناعة النفط الصخري الناشئة في الولايات المتحدة.
منذ القرار الذي اتخذه كارتل النفط الذي يقع مقره فيينا، انخفض سعر النفط الخام بما يزيد عن 60% من مستوى استقراره حول الـ100 دولار للبرميل، وفي نوفمبر من العام الجاري، صوت الكارتل مرة أخرى للحفاظ على استقرار معدلات الإنتاج، نتيجة للضغط الهائل من الرياض، وفقًا لما ذكرته التقارير.
في الأسبوع الماضي، رفع الساسة في الولايات المتحدة الحظر على تصدير النفط الأمريكي الذي استمر منذ أكثر من 40 عامًا، مما يهدد بدفع الأسعار للهبوط إلى مستويات أدنى مما هي عليه اليوم، فضلًا عن إغراق السوق بالنفط الرخيص، ومن المتوقع أيضًا أن تستأنف إيران إمداد السوق بنفطها في عام 2016، بعد تخفيف ورفع العقوبات المفروضة عليها منذ فترة طويلة.
“الحقائق تبدو واضحة هنا، فرفع الحظر عن تصدير النفط الأمريكي هو أمر جيد للمستهلكين، لاقتصادنا، للأمن القومي، ولأمن الطاقة”، قال السناتور هايدي هيتكامب، النائب الديمقراطي المنحدر من ولاية داكوتا الشمالية الغنية بالنفط، وتابع موضحًا: “من خلال وصول النفط الخام الأمريكي إلى بقية أنحاء العالم، لن نوفر لحلفائنا شريكًا تجاريًا أكثر استقرارًا في مجال الطاقة فحسب، وإنما سنكبح أيضًا لجام قوة دول مثل روسيا وفنزويلا، كما سنضعف سيطرة المناطق المضطربة في الشرق الأوسط التي تستخدم هيمنتها في مجال الطاقة لممارسة الضغوطات على دولتنا وحلفائنا”.
يشير دانيال أنج، وهو محلل استثمار لدى شركة فيليب فيوتشرز في سنغافورة، لوكالة فرانس برس، بأن خام برنت يعاني اليوم من أدنى مستوى له منذ 11 عامًا، تبعًا لقيام الولايات المتحدة برفع الحظر المفروض على صادراتها النفطية، والذي تم فرضه منذ الأزمة النفطية في منتصف سبعينات القرن المنصرم بالتزامن مع حظر أوبك لتصدير النفط للولايات المتحدة ردًا على دعم واشنطن لإسرائيل خلال الحرب العربية الإسرائيلية، “لكن في نهاية المطاف، أعتقد بأنه سيتم دعم أسعار النفط مع تحركها هبوطيًا، فأنا لا أعتقد بأننا سنشهد انهيار أسعار النفط لما دون الـ30 دولارًا للبرميل الواحد”، قال أنج.
يختلف المحللون حول المدة التي تستطيع خلالها السعودية الحفاظ على إستراتيجيتها النفطية المتبعة حاليًا، حيث تقول روزاموند دي سايبل، التي تعمل في منصب إداري ضمن شركة كي تو (K2) الاستشارية، بأن السياسة التي تتبعها السعودية يمكن أن تستمر على المدى المتوسط أو الطويل، “رغم التحديات المالية الحقيقية والضغط المتوقع الذي ستعاني منه ضمن ميزانيتها في العام المقبل، من غير المرجح أن تلجأ المملكة العربية لخفض الإنتاج لدعم أسعار النفط في أي وقت قريب، فعلى الرغم من أن إنتاج النفط الأمريكي أظهر مرونة حقيقية، إلا أن هناك دلائل تشير إلى أن الإستراتيجية السعودية للحفاظ على حصتها من السوق النفطية ناجعة، بدلالة عدد المشاريع النفطية التي تم تجميدها في جميع أنحاء العالم”، قالت سايبل لصحيفة الميدل إيست آي.
واستطردت سايبل موضحة: “حتى لو سعت السعودية لتغيير سياستها النفطية، فإن فرص إقناع غيرها من المصدرين خارج أوبك، مثل روسيا، على خفض الإنتاج، خاصة في ظل البيئة الجيوسياسية الحالية، تبقى ضئيلة؛ فكل من السعودية وروسيا ترغبان في إعاقة إمدادات النفط الجديدة في جميع أنحاء العالم، وعلى الأقل في الفترة الحالية، لا تزال إستراتيجية النفط السعودية تبدو مقنعة إلى حد ما”.
لكن جون هولسمان، كاتب عمود في الصحيفة اللندنية سيتي إيه إم، انتقد في مقال له نُشر يوم الإثنين الضغط السعودي المستمر على أوبك لإبقاء الأسعار منخفضة، قائلًا أن الرياض تتصرف وكأنها “مقامر ثمل”.
“رغم أن الإستراتيجية السعودية أضحت واضحة، إلا أن فعاليتها لا تبدو واضحة على الإطلاق”، كتب هولسمان، وتابع: “الرياض عانت من آلام مالية هائلة على المدى القصير، فالبلد تجري حاليًا إلى عجز متوقع في ميزانيتها يصل مستوى مذهل يبلغ 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وحتى في ظل احتياطيات النقد الأجنبي الهائلة التي تتمتع بها السعودية، التي وصلت إلى 661 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2015، إلا أن سياستها ببساطة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد”.
واستطرد هولسمان في مقالته موضحًا: “إذا لم يغير السعوديون من سياستهم، فإن سياسة الأرض المحروقة التي يتبعونها حاليًا يمكن أن تستمر لما لا يزيد عن العشر سنوات، مستهلكة خلال ذلك احتياطياتها المالية الأجنبية إلى حد النضوب، ولكن بطبيعة الحال، وقبل ذلك التاريخ، جميع منتجي النفط الآخرين في العالم سيتدمرون تمامًا، وهذا يعني في واقع الأمر، بأن أمام الرياض وقتًا يقل عن ذلك بكثير، وفي أفضل الأحوال، يمكن للسعوديين الاستمرار بسياستهم الحالية ضمن المدى المتوسط فقط”.
المصدر: ميدل إيست آي